قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -19- جيجيك: الغرب وحق النوم مع كلبين!

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

يكمن الخطر الأكبر، بحسب ما يراه الفيلسوف سلافوك جيجيك، في تصديق وهم الديمقراطية الغربية، وتحديد مبادئها الرأسمالية بوصفها صيغة نهائية لكل حركة تغيير تطالب بها الشعوب. وذلك بهدف إجهاض أي محاولة لتغيير أسسها بشكل جذري. وهذا الأمر في رأيه يحتم إقدام الشعوب العربية على ملء هذا الفراغ، وإلا فإن ثوراتهم ستقع في الهيمنة الغربية وسياستها الدولية الليبرالية، ومن إفرازاتها التطرف الديني والطائفية التي لم تنته في العديد من دول الشرق الأوسط.
تأسيسا على ذلك، فإن تحركات الغرب تستند إلى إقناع باقي دول العالم بأن «الديمقراطية الرأسمالية» هي الإطار النهائي والمحدد لكل حركة تغيير تطالب به الشعوب، وهذا ما يدفع بمثقفي الغرب إلى إعلان حالة الطوارئ لحماية «الديمقراطية» كما يفهمها الغرب، وكما يحاول فرض اشتراطاتها على الدول الأخرى، خاصة دول الممانعة، وكا تكرست في العالم الغربي من خلال الأذرع الحقوقية ونظام المساعدات والخوف من تهمة «معاداة السامية»، في حين أن هؤلاء يقعون، دون وعي حقيقي، في ما يمكن أن نسميه «استبداد الأقلية». ذلك أن أكثر ما يزعج مثقفي الغرب هو الاعتراف بأنهم غير محصنين من النظرة الاستشراقية التي تقوم على أمبريالية الفكر، في حين أن التغيير الديمقراطي الذي تطالب به المجتمعات الدولية يقوم على فكرة الخروج عن نطاق الديمقراطية الغربية الرأسمالية، دون أن يعني ذلك التعصب القومي أو التطرف ديني، كما تظل تلهج بذلك الآلة الدعائية الغربية.
يقول جيجيك: «أول إنتاجات ثقافة الديمقراطية الرأسمالية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، هي ثقافة الخوف من تهمة معاداة السامية، التي أراحت ضمير المجتمع الغربي من محاسبة جرائم إسرائيل، كما أراحت ثقافة الخوف من تهمة الانتماء للشيوعية من محاسبة الولايات المتحدة على جرائمها في شتى بقاع الأرض. ومن أبرز إنتاجات ثقافة الديمقراطية الغربية اليوم، ثقافة الخوف من المهاجرين والإسلام. ذلك أن أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية كانتا تخضع انحتى وقت قريب لسيطرة حزبين رئيسيين هما حزب اليمين (الديمقراطي المسيحي المحافظ الليبرالي الشعبي.. الخ) وحزب اليسار (الاشتراكي الديمقراطي.. الخ). أما اليوم، فان حزب اليمين هو من يتصدر الواجهة، ومن أجل نشر ثقافة عولمته الرأسمالية، تسامح مع قضايا مثل حق الأقليات الدينية والقومية، ودعا الى الحرية الفردية مثل الإجهاض والحرية الجنسية. أي بمعنى إعطاء الشخص حق النوم مع كلبين، ولكن ليس من حقه الانتماء لاي أفق سياسي خارج المنظومة، ومن جانب آخر بدأ بتأسيس ودعم ميليشيات يمينية متطرفة لترويع المهاجرين وطردهم، وأكبر مثال على ذلك ايطاليا برلوسكوني، حيث اصبحت فوبيا الخوف من المهاجرين المطلب الوحيد الذي يحرك الناخب الايطالي عند صناديق الاقتراع».
واعتبر الفيلسوف السلوفيني أن تعاطف مثقفي الدول الغربية مع متظاهري تونس ومصر، إيان الثورة، تعاطف كاذب ومخادع، لأنه نابع من ثقافة المؤسسة الاستعمارية وشروطها، والدليل على ذلك الصراع الدائر بينهم حول كيفية تحويل مجرى ثورة الشعوب العربية لما يخدم المصالح الغربية. العالم أصبح متأكدا من ان الثورة العربية سينبثق عنها نظام دولي جديد، والغرب يعمل على تأويل ثورات الشعوب العربية، واحتوائها في أجندته، ويعمل مثقفوه في هذه الاثناء على تحديد سقف ثورات الشعوب العربية بالديمقراطية الرأسمالية. ويقولون إن الشعوب العربية تريد فقط تطبيق ما عندنا: الديموقراطية البرلمانية الرأسمالية الليبرالية. ولأنها لا تملك أيديولوجية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة سوف تطبق الديمقراطية الغربية».


الكاتب : n سعيد منتسب

  

بتاريخ : 22/03/2025