انتظرت ريم فرحات بفارغ الصبر أول طلب نقل ركاب في السيارة التي تقودها، قبل أن يبدأ هاتفها بالرنين. وقالت لوكالة فرانس برس إنها بكت مرتين فرحا في يومها الاول في العمل كإحدى أولى سائقات السيارات مع تطبيق “كريم” في السعودية.
وكانت شركتا “كريم” التي تؤمن سيارات نقل عبر تطبيق هاتفي، ومقرها دبي، و”أوبر” العالمية، أعلنتا انهما ستوظفان سائقات في السعودية بعد إعلان العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في سبتمبر الماضي رفع حظر القيادة المفروض على السعوديات في المملكة المحافظة.
ومع رفع الحظر الاحد، بدأت ريم عملها الجديد ك”كابتنة” مع تطبيق كريم، الى جانب 12 امرأة سعودية أخرى.
وقالت لفرانس برس “في الصباح، عندما بدأت بقيادة السيارة شعرت بالدموع تنهمر من عيني”.
وأضافت “أوقفت السيارة وخرجت منها للبكاء (…). لا أصدق ان بإمكاننا القيادة.. إنه حلم. اعتقدت بأنه سيكون امرا طبيعيا للغاية وانني سأدخل السيارة وأنطلق. فوجئت بردة فعلي”.
وتوقفت للحظة ثم تابعت “لم أتوقع ذلك. انا اقوم بهذا لأنني استطيع. لأنه يتوجب على إحدانا ان تبدأ”.
وبموجب احصاءات صادرة عن شركة “كريم”، فإن 70% من الزبائن في السعودية هن من السيدات. وتقدر “أوبر” ان 80% من زبائنها هن من النساء في المملكة. ويعود سبب ذلك الى ان السعودية كانت حتى منتصف ليل السبت الاحد بالتوقيت المحلي، البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات.
في مكاتب “كريم”، تجمع الموظفون الاحد للاحتفال بأول يوم للسيدات كسائقات مع الشركة.
وجاء أول طلب سيارة لريم فرحات بعد ساعات من رفع الحظر رسميا.
فقالت مبتسمة “هذه أول رحلة لي مع كريم. وأنا متحمسة لأرى من ستكون معي في السيارات وكيف ستكون ردة فعلها”.
وقفزت الزبونة ليلى عشري فرحا على الرصيف عند رؤيتها لسائقتها ريم.
وقالت لها بالانكليزية “يا الهي، لا استطيع ان أصدق أنها أنت . لا أستطيع أن أصد ق أنك هنا ولا يمكنني ان أصدق أنني هنا”.
وتابعت بحماس “كنت أغرد (عبر موقع تويتر) لأصدقائي ان سيارتي قادمة وبأن (السائق) سيدة! (…) هل يمكنني الجلوس في الامام الى جانبك؟”.
وتعمل السائقة أيضا مع والدها كمستشارة لمراقبة الجودة – وتسعى لأن تصبح مدربة حياة (لايف كوتش) – وتحب الغوص مع شقيقتها في مدينة جدة على البحر الاحمر.
ويشير عبد الله الياس، وهو شريك مؤسس في تطبيق “كريم”، الى أن نحو 2000 سيدة تسجلن للحصول على رخصة “كريم” منذ سبتمبر الماضي.
وتنوي شركة “أوبر” ايضا الخريف المقبل التعامل مع سائقات من النساء.
ويقول الياس لوكالة فرانس برس إن المتقدمات “يأتين من خلفيات متنوعة تماما”، موضحا “لدينا نساء يحملن شهادات جامعية. شهادات ماجيستير. ونساء لا يحملن أي شهادة. ولدينا نساء يرغبن بالقيام بذلك كعمل بدوام كامل. وأخريات يرغبن بالقيام به بدوام جزئي من أجل الحصول على دخل إضافي”.
وتحمل غالبية السيدات اللواتي حصلن على رخص قيادة الاحد مثل ريم، رخص قيادة أجنبية، ما سمح لهم بتجنب دروس القيادة والتقديم للامتحان النهائي من أجل رخصة القيادة السعودية.
وبإمكان أي “كابتنة” في “كريم” نقل أي زبون، سواء كان رجلا أم امرأة. ويملك كل من السائق والراكب حق إنهاء الرحلة في أي وقت.
وقالت ليلى، وهي طالبة طب، بابتسامة عريضة إنها ستختار دائما سائقة من السيدات.
واضافت لوكالة فرانس برس “أشعر تلقائيا بالامان اكثر.. كوني امرأة وأتعرض للتمييز على اساس الجنس بشكل يومي… اليوم هناك شعور رائع في هذا الموضوع. ولكن ليس هذا فقط… بل هناك أيضا مسألة النساء اللواتي ينضممن الى القوى العاملة”.
من المقعد الامامي، تقول ليلى إنها لم تكن تجلس هنا مع سائقيها الذكور الذين “كانوا في بعض الاحيان يحدقون بي عبر المرآة”.
وأكملت “هناك أمر نتشارك به مع غيرنا من النساء، إذ نفهم جميعنا كيفية أن تكوني في موقف تشعرين فيه بأن هناك عيون تحد ق بك، ولكن لا يمكنك ان تقولي أي شيء او القيام بأي شيء”. ثم نظرت الى سائقتها، وقالت “إن كان بامكانك القيام بذلك، فبإمكاني أنا القيام بذلك”.
الدور الاقتصادي للمرأة
سيفسح إلغاء حظر القيادة المفروض على المرأة في السعودية المجال لتحقيق مكاسب اقتصادية لملايين النساء، فيزيد من توظيفهن ويعزز دورهن الاقتصادي، بحسب محللين.
وبالنسبة الى تغريد غزالة التي تمتلك سلسلة صالونات تجميل في الدمام والخبر (شرق)، فان الخطوة تمثل دعما ايجابيا كبيرا للنساء من أصحاب الاعمال في المملكة المحافظة.
وتقول غزالة لوكالة فرانس برس قبل ثلاثة أيام من موعد رفع الحظر “أدفع شهريا رواتب للسائقين (…) لكنني لن أحتاج اليهم بعد اليوم”، مضيفة “سأوفر المال، والمجهود، والوقت، وسأتمكن من استثمار كل ذلك في عملي حتى ينمو سريعا”.
ودور المرأة السعودية محدود للغاية في سوق العمل، ويبلغ معدل البطالة بينهن 31 بالمئة.
وتمثل الموظفات اقل من 23 بالمئة من القوة العاملة السعودية التي تشمل ستة ملايين سعودي وسعودية، بحسب ارقام صادرة عن الهيئة العامة للاحصاء في المملكة.
كما تمث ل النساء أقل من 10 بالمئة من اجمالي القوة العاملة في المملكة الغنية بالنفط في حال اخذ العمالة الوافدة الاجنبية بالحسبان، وتضم 10 ملايين عامل.
واظهر استطلاع اجرته مؤخرا غرفة تجارة مدينة جدة ان النقل يعتبر أحد اهم العوائق التي تحول دون التحاق السعوديات بسوق العمل.
وتوقع الاستطلاع ان يؤدي رفع حظر القيادة الى زيادة معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل وايجاد عدد من الوظائف الجديدة.
ويرى احسان بوحليقة، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال في الرياض، ان قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة “أكبر من مجرد توفير المزيد من فرص العمل للنساء”.
وأكد ان القرار “سيعزز ايضا من المشاركة الاقتصادية للمرأة ويخف ض نسبة البطالة الوطنية الكلية لان معظم العاطلين عن العمل هم من النساء والعديد منهن من خريجات الجامعات”.
وباشر ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاما في 2016، قبيل تسمله منصبه الحالي، حملة اصلاحات في إطار خطة “رؤية 2030” الهادفة الى تنويع الاقتصاد ووقف الارتهان للنفط.
ومن أهداف الخطة تعزيز مشاركة النساء في القوى العاملة لتصل الى 30% بحلول عام 2030، ما يعني على الاقل مضاعفة القوى النسائية العاملة حاليا والبالغ عددها 1,37 مليون امراة.
ومن المتوقع ان يعزز رفع الحظر عن قيادة السيارة امام النساء مبيعات السيارات بشكل كبير ويدعم قطاع التأمين، بالاضافة الى تقليل عدد الوافدين، رغم انه قد يتسبب في زيادة الاختناقات المرورية واستهلاك المزيد من موارد الطاقة.
وتشير شركة “برايس واتر هاوس كوبرز” للاستشارات ومركزها دبي ان نحو 3 ملايين امرأة سعودية قد يحصلن على رخص قيادة ويبدأن قيادة السيارات بحلول عام 2020 الى جانب 9,5 مليون سائق من الذكور.
ويبلغ عدد السكان 32 مليون شخصا، بينهم 12 مليون وافد، بحسب ارقام رسمية.
ومن المتوقع ان تزداد مبيعات السيارات بنسبة 9 بالمئة سنويا حتى عام 2025، بفضل الشريحة الجديدة من الزبائن النساء، مقارنة بنسبة نمو سنوية بلغت 3 بالمئة خلال السنوات الاربع الماضية.
ويؤكد فضل بوعينين، المستشار المالي والمصرفي السعودي ان القرار “سيقلل من عدد السائقين الوافدين (للعائلات) ما سيؤثر ايجابا على ميزانية الاسرة السعودية في ما يتعلق بأجور السائقين وتكلفة الاسكان والتأمين الصحي (لهم)”.
وتابع “سيزيل ايضا عائق المواصلات امام توظيف النساء الذي يكلف 25 بالمئة من رواتبهن”.
ومنذ 15 عاما، اعتادت رغدة بخرجي بان تنتظر كل صباح السائق كي يأتي ويقلها الى مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي حيث تعمل منسقة برنامج للتواصل الخارجي.
وتقول رغدة “قيادة السيارة ستمثل تحولا كبيرا في حياتي اليومية”، مضيفة “ستساعدني أيضا على توفير نحو ثلاثة آلاف ريال (800 دولار) شهريا”.
وتنفق السعودية اكثر من 25 مليار ريال (6,7 مليار دولار) على شكل رواتب سنوية ل 1,38 مليون سائق خاص من الوافدين، بالاضافة الى تكاليف اخرى مثل تصاريح الدخول والاقامة والرعاية الصحية، بحسب ارقام رسمية.
وكانت المملكة المحافظة سمحت في فبراير الماضي للنساء بفتح اعمال خاصة بهن دون الحصول على اذن مسبق من الزوج او الاقارب الذكور، في مسعى لتوسيع القطاع الخاص.
لكن المرأة السعودية لا تزال رغم ذلك تواجه العديد من القيود في المجتمع المحافظ للغاية، وفي مقدمتها نظام “ولاية الرجل على المرأة” الذي يعطي الرجل الحق في التحكم بتفاصيل حياتها…
انقسام بين الرجال
مع بدء سريان الأمر الملكي برفع الحظر الذي كان مفروضا على قيادة النساء للسيارات في السعودية اليوم الأحد (24 يونيو) أي د رجال في جدة رفع الحظر لكن آخرين عب روا عن شكوك كثيرة.
وقال البعض إن قيادة السيارات حق للنساء لكن آخرين قالوا إن من الناس من يعارضون هذه الخطوة من بدايتها.
وقال سعودي يدعى أحمد الحارثي “القيادة هادي تعتبر حاجة يعني هو حق للمرأة لكنها المرأة السعودية يعني قادرة تثبت جدارتها في مجالات كبيرة وأكبر من قيادة المرأة، فلا نختزلها في قيادة المرأة فقط. المرأة السعودية على قدر كبير من المسؤولية”.
وقال موظف متقاعد يدعى واضح المرزوقي “اللي أوبها علمها واللي أخوها علمها. كيف حتكون العملية؟. حتكون صعبة، صعبة جدا بصراحة. يعني في الشهر الأول حيكون ربنا يستر حقيقة”.
وأضاف “والله تأخد مجالها في جميع الحاجات لكن إلا القيادة. أنا ما أؤيدها بصراحة، بالمرة لا أؤيدها. طبعا أخاف عليها”.
وقال سالم القرشي، مدير في الخطوط الجوية العربية السعودية “شوفي أقول لك على حاجة واحدة كل جديد غير مرغوب. يعني أي شيء جديد يحث كده، يعني أي شيء جديد تلاقي فيه لكلكة. لكن مع مرور الوقت ياخدوا عليه الناس ويشوفوا إيه الحسنات اللي شافوها من هدا الشيء. يعني حيتعودوا الناس، حيتعودوا، يعني إيش فيه أنا ابغى أعرف إيش فيه لما المرأة تسوق؟. ما في حاجة إنها المرأة تسوق طالما إنها محتشمة وبتسوق وهدا، ما فيها مشكلة”.
ورحب حلفاء غربيون للسعودية برفع الحظر باعتباره دليلا على اتجاه تقدمي جديد في المملكة بعد أن كان الحظر سببا في إدانة دولية ومقارنات بحكم طالبان في أفغانستان.
ومع ذلك صحبت رفع الحظر حملة على معارضين من بينهم بعض الناشطات الأوائل في المطالبة بحق النساء في قيادة السيارات. وهؤلاء الآن في السجن بينما تجلس قرينات لهن خلف عجلات القيادة للمرة الأولى.
وما زال عدد النساء قائدات السيارات قليلا لأن الحاصلات على رخص قيادة أجنبية بدأن هذا الشهر فقط في الحصول على رخص محلية استنادا لها. وتتدرب أخريات على القيادة في مدارس جديدة تديرها الحكومة.
ومن المتوقع أن يصل عدد السعوديات وراء عجلات القيادة إلى ثلاثة ملايين في 2020.
وما زالت الخطوة تلقى اعتراضات أ سر محافظة كما تعودت نساء كثيرات على السائقين الخاصين ويقلن إنهن مترددات في القيادة على الطرق السعودية المزدحمة.
وهناك مخاوف على النساء من التعرض لمضايقات وهن يقدن سياراتهن في المجتمع الذي تمنع قواعد الفصل بين الجنسين فيه النساء من التعامل مع الغرباء. ولذلك صدر نظام جديد لمكافحة التحرش الشهر الماضي