كتاب «السرد الأدبي الترابطي» لزهور كرام جسر عبور من ممارسة التفكير إلى إنتاج الفكر

صدر مؤخرا بتاريخ 26 يونيو 2021، كتاب جديد للباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة زهور كرام، موسوم ب «السرد الأدبي من الترابطي إلى التجريبي»، وهو كتاب يمكن اعتباره كتابا مؤسسا، نظرا للقضايا والأفكار والمواضيع التي يطرحها، والتي سنحاول بسط بعظها والتأشير على قيمتها العلمية والمرجعية في هذه الورقة

 

يأتي كتاب السرد الأدبي من الترابطي إلى التجريبي، ليؤشر على تجربة كتابية تعتمد خطا معرفيا وبحثيا واضحا، تسير الباحثة بثبات مقتفية أثره، ما يظهر بوضوح أن الباحثة تشتغل في إطار مشروع مترابط ومتكامل، واضح الأهداف والمرجعيات؛ بلا أدنى شك هو مشروع الأدب الرقمي الكبير، الذي بدأته منذ ما يزيد على عقدين من الزمن. ممارسة نقدية وإبداعية وشق لطريق البحث العلمي الأكاديمي في صوره المختلفة، من كتابة وتأطير أكاديمي في الجامعة المغربية والعربية، والإشراف على مشاريع بحث علمي من مستوى شهادة الدكتوراه، ومشاركات مكثفة في لقاءات ومؤتمرات عالمية، وعضوية في لجان التحكيم الأدبي. فضلا عن الإشراف المباشر وإدارة مجلة علمية محكمة أطلق عليها اسم «روابط رقمية». وهي سلسلة معرفية محكمة، تعنى بالأدب الرقمي في مستوياته المختلفة، تنظيرا وإبداعا وممارسة نقدية.
استحضار تجربة الباحثة زهور كرام، يأخذ منطلقه من كونها تقدم مثالا، وتجربة علمية غنية، تمتزج فيها الممارسة النقدية في مجال الرقميات، مع ممارسة التفكير والتنظير المرتبط بمجال الأدب الرقمي. تعتبر تجربة الدكتورة زهور، تجربة غنية ومتميزة من جوانب عدة، ليس أدناها أنها تعتبر من أوائل الكاتبات اللواتي أرسين دعائم البحث في مجال الأدب الرقمي، في الجامعة المغربية، ومن أوائل من قدم دراسات أكاديمية علمية في موضوع الرقميات. علاوة على ريادتها في مجال التفكير والتنظير الرقمي على المستوى الوطني والعربي، فضلا عن نشاطها في مجال التدوين الرقمي، من خلال عشرات التدوينات، التي ترسي فيها دعائم الأدب الرقمي في التربة الثقافية المغربية والعربية، وفي الدرس الجامعي من خلال ممارستها التربوية، باعتبارها أستاذة للتعليم العالي، مع ما تستلزمه هذه الصفة من إشراف على بحوث جامعية وتأطير للطلبة الباحثين المشتغلين في موضوع الأدب الرقمي.
إن تبني مشروع الأدب الرقمي، والعمل على المساهمة في إرساء دعائمه في الأوساط العلمية، يتطلب أولا، الإيمان بواقعية هذا الشكل الأدبي، وراهنيته، وشرعية تحققه. إنه إيمان بمستقبل الأدب واعتراف بسنة التطور والتجديد؛ بل وحتمية الانتقال من نسق أدبي يعتمد على السند الورقي، إلى آخر يعتمد أسناد ووسائط رقمية متطورة. إن المستقبل يحبل بتغيرات كبرى ترسي دعائم التجديد والتطور التقني، مستقبل يقدم نفسه باعتباره فرصة لركوب قاطرة التجديد، والسير بها نحو المستقبل. تقول الدكتورة زهور كرام: في تدوينة لها نشرت عبر صفحتها في شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك بتاريخ 22شتنبر 2016 :»كلما تأخرنا في الانخراط في الثقافة الرقمية تعطل سيرنا نحو المستقبل.»
وتقول أيضا: « الانتماء إلى الزمن التكنولوجي، يبدأ من إنتاج وعي بالثقافة الرقمية «. إنه موقف واضح وشفاف تجاه قضية لايزال كثير من النقاد يتخوفون من التصريح بموقف فاصل تجاهها ، إما خوفا أو شكا وريبة، خوف ربما من تجربة فتية لاتزال تتحسس الخطى الأولى في نوع من الدوخة المبررة ، دوخة البدايات الأولى، التي تكون غالبا متعثرة وغير واضحة، وهو أمر مبرر لما للبدايات من إرهاصات ومخاض يعسر معه إيجاد خارطة طريق، إلا بعد كد وغلبة وشك، أو لنقل تشكيك في مدى قدرة هذه الأشكال التعبيرية الجديدة على الصمود والثبات، وصنع موطئ قدم في التربة الثقافية والفنية العربية والعالمية.
للناقدة كتابات عديدة في مجال الرقميات، منها كتب منشورة ومقالات مختلفة طرقت من خلالها باب الأدب الرقمي، مبشرة بميلاد شكل فني فتي وجديد، بخصوصيات غير معهودة، شكل متفرد على مستوى البنية الداخلية وطرق الأداء. كان أول إسهام علمي للناقدة هو كتاب « الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية» . وقد أسعدنا بخبر صدور كتاب جديد حمل عنوان « الإنسانيات والرقميات وعصر ما بعد كورونا» صدر الكتاب عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن، وفي هذا طبعا دليل على الاهتمام البليغ الذي توليه الناقدة للثقافة الرقمية، والاشتغال بالموضوع على مستوى التفكير والنقد. هي عملية احتضان لفكرة والانتصار لها، بالبحث والنقاش، ومعهما تجديد الأسئلة التي تفتح آفاق أرحب لسبر أغوار هذا الأدب الجديد، وترسيخه كثقافة في الوعي والوجدان العربي، وداخل فضاءات الجامعة، باعتبارها منبث البحث والتفكير العلمي والأكاديمي.
وبالعودة إلى كتاب «السرد الأدبي من التجريبي إلى الترابطي»، فهو صادر عن دائرة الثقافة ـ حكومة الشارقة ـ دولة الإمارات العربية المتحدة. ويقع في 196 صفحة من الحجم المتوسط، وهو كتاب ريادي ومؤسس لأنه يقدم نفسه باعتباره استمرارا لمشروع فكري ونقدي تشتغل عليه الباحثة منذ وقت طويل، وهذا ما يعزز قيمته المعرفية ويجعله خليقا بالمتابعة والدراسة، تقول الباحثة في مقدمته موضحة ومؤكدة على طبيعة مشروعها الفكري والنقدي. « تعد أفكار هذا الكتاب استمرارا للأفكار التي وردت في كتابي السابق الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية» الصادر في طبعة أولى عام 2009 وطبعة ثانية عام 2009. وتطويرا لقراءاتي المستمرة للعلاقة بين الأدب والوسائط التكنولوجية.»1
قسمت الباحثة كتابها اجرائيا إلى مقدمة تتلوها خمسة فصول مشفوعة بمباحث، هي على التوالي:
ــ الفصل الأول: سياق التفكير في المعرفة الأدبية.
ــ الفصل الثاني: من التجريبي إلى الترابطي تحولات في نظام النص الأدبي.
ــ الفص الثالث : الأجناس الموجزة والترابط الخارج ـ نصي .
ــ الفصل الرابع : الترابطي استمرار وتطور.
ــ الفصل الخامس : مظاهر تحولات مفاهيم الكتابة الأدبية.
مع ثبت بالمصطلحات وقائمة بالمصادر والمراجع.
في خطاب التقديم تلمح الباحثة إلى الحوافز التي قادتها للاشتغال على هذا الموضوع وتعميق النظر في مواضيعه وقضاياه، حوافز تتحدد في ثلاثة عوامل غير مغلقة وهي:
1ـــ النص الأدبي حالة تحول مستمر: وهنا تقدم الباحثة إشارات ذكية عن الحالة العامة للنص الأدبي، والتطور المستمر والمتنامي الذي يعرفه، خاصة أنه تطور يرتبط بالتطور التكنولوجي الذي يعيش دينامية متجددة، وحالة تطور متصاعد، على مستوى الآليات والبرامج والطرائق. ينعكس هذا التطور التقني على الأدب باعتبار التفاعل الحاصل بينهما فتكون المحصلة أن نكون بإزاء نص أدبي غير ثابت؛ بل نص يعيش حالة تطور مستمر.
2 ــ الأدب والتكنولوجيا وتطور الموقف من علاقتهما: وهنا تشير الباحثة إلى المواقف الرافضة لكل أشكال توظيف الوسائط التكنولوجية في مجال الابداع الأدبي، ويرجع هذا الرفض لكون طائفة من الكتاب المحسوبين على اتجاه الكتابة / القراءة الأدبية التقليدية يتوجسون من هذه العلاقة التي جمعت الأدب بالوسائط التكنولوجية، ويرون فيها تهديدا لعالم الكتابة وانزياحا بها نحو والمجهول، ما يجعلهم ينكرون حالة التطور الطبيعي الذي يعرفه المجتمع وبنياته الفكرية والتصورية والأدبية والإبداعية. فيكثفون رفضهم ليصل إلى حد عرقلة إدراج هذا الشكل الأدبي في الدرس الأكاديمي، وفضاء الجامعة.
تؤشر الباحثة من جهة أخرى على أن هذا الرفض الممنهج من طرف طائفة من المشتغلين في الحقل الأدبي، لا يعني وقوع حالة من العطالة على مستوى التقدم والطوير؛ لأن مناخ التلقي الأدبي، يقول عكس ذلك، إذ سجلت الباحثة اهتماما متزايدا بهذا الحقل الأدبي، ومؤشر ذلك، تزايد عدد اللقاءات والندوات والمؤتمرات، واشتغال الطلبة الباحثين على هذه المواضيع، من مستويات أكاديمية عليا بإعداد أطارح دكتوراه وهو أمر له وقعه النفسي والمعرفي والقانوني في الموضوع.
إن دخول الأدب الرقمي إلى التكوين والبحث العلميين، هو في حد ذاته اعتراف من المؤسسة الأكاديمية بانتماء هذا الأدب إلى حاضنته الأدبية الأولى، أو لنقل لمؤسسة الأدب. وهو ما يمكن أن يحصن هذا الأدب من كل النقاشات الضيقة التي تحشر الباحثين والمفكرين في ثنائية مع / ضد. تقول الباحثة: « لأن المعرفة العلمية تمتلك أدوات ومناهج علمية، تدرس بها الظواهر، في إطار ربطها بحقول انتمائها، وتحليل خطاباتها، برؤية موضوعية، تعتمد التحليل بعيدا عن تحليل، بعيدا عن اصدار الاحكام.» 2
تقول الباحثة: «» يعتبر الاهتمام بالثقافة الرقمية جسرا وظيفيا نحو الاهتمام بالأدب الرقمي، باعتبار هذا الأخير تشخيصا للتحولات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات. ولعل من بين أهم الملتقيات التي طرحت موضوع الأدب الرقمي في التجربة العربية، مع حضور التجربة الغربية، كان ملتقى الأدب الالكتروني العربي افاق جديدة ورؤى عالمية. الذي احتضنته جامعة روتشستر للتكنولوجيا بدبي…. ومن أهم مميزات هذا اللقاء أنه انتقل بسؤال الأدب الرقمي من النقاش العربي ــ العربي. إلى الحوار العربي ــ الغربي( الأمريكي ــ الأوروبي).»»3
تكمن القيمة العلمية الكبيرة لكتاب «السرد الأدبي من التجريبي إلى الترابطي»، في كونه يشكل فرصة لإعادة التفكير في موضوع الأدب الرقمي / الترابطي، وهو تفكير من صميم التفكير في المعرفة الأدبية، وفي نظام تحول مفهوم الأدب، وهو ما عملت الباحثة على تجليته من خلال محاور متنوعة وغنية، من الفصل الأول من الكتاب، الذي تطرق للتغيرات العميقة والمثيرة التي يعرفها مجال الأدب في علاقته بالوسائط التكنولوجية، حيث تشكلت مفاهيم جديدة ولدت من رحم الحقل المعجمي الجديد، شديد الصلة بعالم الرقميات، من مثل القراءة التفاعلية. والقراءة الإنتاجية. وهو ما يشكل فرصة حقيقية لإجراء مراجعة لمفهوم الأدب، بشكل موضوعي يأخذ بالحسبان التغيرات الفكرية والحضارية والتقنية التي تحدث، والتي تنقل الإنسان بشكل متسارع نحو عالم تشكل التقنية والرقمية عموده الفقري، وتنقل الأدب من شكله التقليدي، نحو الشكل الرقمي، وهو ما عمقت الباحثة النقاش فيه في الفصل الأول من الكتاب.
في الفصل الثاني من الكتاب، بسطت الباحثة مجموعة من المواضيع للنقاش، ممارسة عملية تفكير هادئ في الانتقال الحاصل في العملية الابداعية، من التجريبي نحو الترابطي. كاشفة ملامح التحولات التي حصلت في نظام النص الأدبي. تحولات جوهرية قادت لظهور ما صار يعرف في الأوساط الأدبية بالكتابة الترابطية، التي تبلور شكلها الأدبي في شكل محكيات ترابطية، تعتمد منطق السرد الترابطي. اشتغلت الباحثة في هذا الصدد على نماذج منتخبة، مثل « نص اعتقال الغابة في زجاجة» لأنيس الرافعي، و»بعيدا من الضوضاء قريبا من الصمت» للمغربي محمد برادة. و» مجاز العشق» للسوري نبيل سليمان. و» فهرس» للعراقي سنان أنطوان.
هذا الغنى على مستوى نص الاشتغال، سمح للباحثة بأن تقصر المسافة الفاصلة بين فعل التفكير في الموضوع وممارسة الاشتغال على نصوصه، وهو أمر يؤشر على احترافية كبيرة في المزاوجة بين فعلي القراءة، والكتابة، بين فعل ممارسة التفكير، وفعل أجرأة مخرجات ونتائج عملية التفكير.
الفصل الثالث خصصته الباحثة لدراسة الأجناس الأدبية القصيرة، أي دراسة الترابط الخارج ــ نصي في القصة القصيرة، من خلال سؤال الأدبية، سؤال قديم متجدد؛ ما الذي يحقق أدبية نص معين، وعندما يتعلق الأمر بالقصة القصيرة، يصبح السؤال، هو كيف تحقق القصة القصيرة شرعية وجودها كجنس أدبي متحقق، قائم، وهنا تنصرف الباحثة لدراسة التعالق الخارج نصي، أو لنقل الترابط الخارج نصي في القصة الذي يتحقق من خلال الوفاء للشكل المرتبط بالقصر. إن أشكال الترابط تختلف من جنس أدبي لأخر، ومع القصة القصيرة، يصير هذا الترابط متميزا أكثر، لأنه يخضع لخصوصية لا تتحقق في غيره، وهي البناء الموجز، حيث يضطر الكاتب للاشتغال على تقنية الترابط، في حيز إبداعي موجز، محكوم بقانون الوفاء للشكل الخارجي، الذي يفرض الايجاز في التعبير والعمق في المعنى. وهنا مرة اخرى نرصد قدرة محمودة عند الباحثة في المزاوجة بين فعلي التفكير في الموضوع، والاشتغال على الموضوع؛ من خلال مقاربة نصية لنماذج تطبيقية، اختارت منها: « يوم واحد من العزلة» للكاتب رشيد الخديري، و»ماء الحب « للكاتب عبد الله المتقي.
خصصت الباحثة الفصل الرابع من الكتاب، لتعميق النظر والتفكير في مفهوم الترابط، من خلال مناقشة موقع عملية الترابط في نظرية تطور الأجناس الأدبية، ذلك أن الترابطي حسب تعبير الباحثة استمرار وتطور، ذلك أن التزاوج بين الأدب والتكنولوجيا، أفرز أشكالا جديدة من الكتابة، منها الرواية التفاعلية، التي تستمد من السند الرقمي وسيلة وأداة لخلق خاصية التفاعل بين الكاتب ــ المبدع، والقارئ ــ المتلقي. وهي عملية غير بسيطة تحتاج إلى عدة تقنية ووسائط تكنولوجية حديثة، تسهل عملية الالتقاء الافتراضي، بين المبدع والقارئ، إضافة إلى الحاجة إلى برامج متخصصة ونظام متكامل من العقد المترابطة والمتصلة في ما بينها.
تنفتح الباحثة في هذا الصدد على واحد من أهم الأعمال الترابطية على الساحة المغربية والعربية، وهو محطات لمحمد شويكة، مقاربة إياها مقاربة تحليلية تفكيكية، من خلال الوقوف عند خاصية الترابط النصي، ونظام روابط الصور والنصوص. كاشفة عن وضعيات الترابط وأشكاله وطرق تحققه في العمل المذكور؛ وهو ما يوحي بمجهود فكري وتصوري كبير بذلته الباحثة للكشف عن العلاقات الداخلية داخل النص الترابطي المدروس. دائما في إطار ممارسة التفكير، الذي يقود لكشف العلاقات الداخلية، وطرق اشتغالها ، في النص الأدبي.
ينصرف الفصل الخامس والأخير، إلى رصد مظاهر التحول في مفاهيم الكتابة الأدبية، وهي تحولات كبيرة وعميقة، لا تأخذ شكلا واحدا، ولا ترتبط بموضوع واحد، لأنها شديدة الصلة بأطراف تتدخل في عملية الابداع، وهم تواليا: المبدع ــ القارئ ــ النص ـــ الوسيط التكنولوجي ـــ الحامل الرقمي … هذه التحولات التي وقعت في أشكال الكتابة، ناقشتها الباحثة، وحاولت رصد بعض أشكالها من خلال محاور عالج أولها تحولات المعنى في الكتابة الأدبية. وتطرق ثانيها لخاصية القراءة الرقمية، باعتبارها تجربة في الثقافة والحياة، ثم تقنية الضفيرة في النص الترابطي، لتخلص الباحثة لمناقشة مفهوم القراءة والتحولات التي طرأت عليه، من الورقي إلى الرقمي، في تجربة الإبداع العربي التي تتطور سريعا وتدشن إنجازات أدبية، محققة تراكمات محمودة تشكل موضوعا للتفكير، ومواضيع للاشتغال الميداني التطبيقي المباشر.

إن الثقافة الرقمية ــ عند الباحثة ــ «حالة وعي يتشكل « ، وأشكال التعبير عند الإنسان تتطور، الشيء  الذي استدعى تطورا موازيا على مستوى الفكر والثقافة والإبداع ، إن الانتقال والتحول في أشكال التعبير يخلق وعيا مغايرا مسايرا للطبيعة الجديدة  .
تقول الكاتبة:» لهذا، يحق لأفراد كل مرحلة تاريخية، التعبير بواسطة الإمكانات والأدوات المتاحة ، لأن تلك الإمكانات ليست مجرد وسائط ، وإنما تعبر عن شكل تفكير مرحلة تتغير الحياة وفق تغير شروط تفكيرها»4. وهوما تشير إليه أيضا بقولها: « إن انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري، الذي فيما هو يطور أدوات تفكيره ، فيما هو يسعى إلى حياة أكثر انفتاحا على الخلق والإبداع وتجديد الرؤية يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال.»
ومن ثم تخلص إلى ضرورة أن يستعين أفراد كل مرحلة تاريخية بالإمكانات والوسائط المتاحة لهم لكون نمط  الحياة يتغير وتتغير معه شروط وأدوات التفكير، كما  تقر بأن الزمن التكنولوجي قد حرر الإنسان وبدل نظرته لذاته وللعالم ، فشكل ذلك منعطفا جديدا عمق رؤية الإنسان إلى العالم، مؤكدة أن الثورة التكنولوجية أسهمت في خلق ثقافة بخصوصيات تكنولوجية تحكمها الوسائط الإلكترونية والرقمية ، الشيء الذي أسهم بدور كبير في ايجاد بيئة يستطيع من خلالها الانسان التعبير بحرية دونما قيود.
وهذا ما يستشف من خلال قولها : « ساهم ذلك في تحرير الإبداعية الفردية «.
ترى الناقدة كذلك، أن هذا التحول أصبح سؤالا ملحا؛ بل مستفزا لراهنية التفكير البشري. وتشير إلى أن المجتمعات العربية لم تستوعب بعد جدية هذا التحول إذ ما زالت مستهلكة لهاته الوسائط الرقمية، ولم تسع بعد، إلى إنجاح هاته الثورة، بغية تطوير أشكال التفكير. يعكس هذا النقاش، مقدار الوعي الذي تتحلى به الكاتبة، في تحليل ظاهرة أدبية شديدة الالتصاق بالحياة اليومية، والفكر والشعور الانسانيين؛ إنه تحليل لظاهرة يفترض أن أبعادها الأدبية تغلب على أبعادها الاجتماعية والسياسة، لكن ممارسة التفكير بشكل علمي حتما يخلق ويجسر العلاقات غير المرئية بين الأدبي والاجتماعي والسياسي، بين أديبة الأدب وتحققه الاجتماعية. فتنتقل الناقدة بذلك من ممارسة التفكير في موضوع أدبي محدد، إلى إنتاج الفكر وتجديد أسئلته، وهنا طبعا تولد الفروق بين باحث مفكر، وباحث منتج للفكر، والدكتورة زهور كرام من جمعت بين الحسنتين، ليكون كتابها السرد الأدبي من التجريبي إلى الترابطي ثمرة هذا الفكر المتنور المتجدد الواعد.

قائمة المراجع:

ــ د. زهُور كرام. السرد الأدبي من التجريبي إلى الترابطي. دار الثقافة ــ حكومة الشارقةــ دولة الامارات العربية المتحدة.2021
ــ د. زهُور كرام .الأدب الرقمي .أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية ، منشورات دار الأمان الطبعة الثانية 2013 مطبعة الأمنية ـ الرباط.
ــ د. زهور كرام: الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي.
ــ. زهور كرام الصفحة الرسمية على منصة التواصل الاجتماعي فايسبوك.
ــ د. سعيد يقطين: النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء/ بيروت / ط1. 2008.

* باحث مغربي


الكاتب : الدكتور هشــــــــام رحمـــــــي

  

بتاريخ : 27/08/2021