كشف الأسرار

 

نكون أو لا نكون، في مسافة السؤال تتحدد معالم الحياة. هي رحلة تفاصيلها مجبولة على الامتثال أو النفور والاستعلاء. حين ننساق لوتيرة حياتية نمطية تخضع في إيقاعاتها لكل ما يخفي حقيقة تمثلنا لواقعنا وما تحيط به من وقائع، نفقد بعضا من خصوصية وجودنا وما يرتبط به من بهجة وارتياح.
في العرض الرائع لمسرحية « حدائق الأسرار» الذي قدمته فرقة «أكون» مساء فاتح أكتوبر بمسرح بنمسيك بالدارالبيضاء ، نعاين لحظة كشف ومكاشفة لما يضمره أفراد عائلة انطوى كل منهم على بركان أسرار. الزوجة لم تنسها أيام ارتباطها بزوج لم تكن راغبة في وده ولا استشيرت في الارتباط به، وظلت لسنوات تنتظر لحظة حب تستعيد بها معنى الحياة كما تمثلتها في خاطرها. في سرها حافظت على لهيب حب تمثلت فيه كل أبعاد الاحتضان والود. تستعيد دفء لحظاته لتجلي الأسى ووزر قنوطها، تعود لرسائل عشق أخفتها في دواخلها، لتطفئ لظى فراق حبيب في رحاب عشقه تفتقت مباهج أيام لتستعيد لحظات صفاء ضاعت منها بصولة محيطها الأسري. بعد عقدين من العشرة، يتضح للزوجين أن علاقتهما كانت تحقيقا لرغبة أسرتين، وأنهما كانا ضحية أعراف وتقاليد، أيام توالت بكل مظاهرها الكاذبة، لم تجعل حياتهما تعرف لحظة صفاء ومودة حقيقية. سيكشفان عما كان يعانيانه في تدبير مسار أيامهما، لحظة انتفاضة ابنتهما ورفضها الشديد لإعادة إنتاج ذات العلاقة الزوجية بكل تفاصيل تشكلها. إصرار وحيدتهما على اختيارها لرفيق درب لا تتوفر فيه كل المواصفات التي يرغب الأب في أن يتحلى بها صهره، أعادت الأمور إلى سياق المكاشفة وبسط كل جوانب الاستنكار لما جرى. في تقابل المواقف، يتحول الاختلاف في الرؤى والاختيارات إلى توافق يضمن نوعا من التعايش والاستقرار في ذات الإطار الاجتماعي لتحقيق التواصل مع محيط لا يجلي كل حقائقه ويكرس الامتثال.
جمالية العرض عكستها صياغة المشاهد، وتأثيث الفضاء بما يحيل على ما تعانيه الشخوص. ظلام يبدده ضوء خافت، حوار كالهذيان لا يستقيم كوسيلة تواصل إلا بعد أن تغادر العروس المحجز البارد حيث أعدت لتزف، ثلاجة في وسط الركح كمحراب لتلقين تعاليم الامتثال، مروحيات للإسعاف كلما تمادت المرأة أساسا في الابتعاد عما اختير لها كإطار لوجودها. السقوط المتتالي للزوجة وهي تحاول أن تستجمع قواها للتمرد على ما هي فيه. سقوط الزوج عندما فقد قدرته على بسط سلطته وفرض الامتثال داخل محيطه، حيث يمارس سيادته. هي عناصر اكتملت بالأداء الرائع للممثلين الثلاثة في فعلهم وتفاعلهم. انتهى العرض وانهال وابل من التصفيق على من جاء يعلن بانحناءة نهاية العرض دون أن يتقدم من يدلنا على اسم المؤلف والمخرج ولا أسماء الممثلين، استكمالا لما جاء في العرض ،حتى تستمر الحكاية مع كل من كان في قاعة العرض، وليستعيد الجميع مجريات النص المسرحي كواقع ممتد في كل واحد ممن حضروا في تلك الأمسية المسرحية، يستحضر ما يعتمر في الواقع من حكايات وإن اختلفت الزوايا وتعددت المسارات.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 17/10/2022