خلّد المغرب ومعه باقي دول العالم، يوم الخميس 10 أكتوبر، فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية الذي اختارت منظمة الصحة العالمية هذه السنة، أن تسلط الضوء من خلاله على أعطاب الصحة النفسية في العمل، لما تتوفر عليه العديد من فضاءات العمل وظروف الاشتغال فيها، المادية والمعنوية، من عوامل مساعدة على الإصابة بمختلف الأمراض النفسية الموجودة، نتيجة لارتفاع معدلات القلق والضغط، مما قد يؤدي إلى الاكتئاب وقد يصل الأمر إلى تبعات جد وخيمة، بما في ذلك الانتحار، وهي الحالات التي تم رصدها في أكثر من مناسبة، حيث تشير منظمة الصحة العالمية بشكل عام إلى أن نسبة حوادث الانتحار بلغت في سنة 2019 نسبة 7.3 في كل 100 ألف نسمة.
وعلاقة بالموضوع شارك عدد من الفاعلين الصحيين في لقاء حول الموضوع جرى تنظيمه بالمناسبة بقصر المؤتمرات في مدينة الرباط بحر الأسبوع الفارط، ومن بين ما كشفت عنه بعض المداخلات التي تضمنها برنامج هذا اللقاء العلمي، أن أكثر من 17 في المئة من المغاربة يعانون من مشاكل صحية نفسية، كما أن ستة أشخاص من بين عشرة المصابين بأحد الأمراض ذات البعد النفسي، هم من البالغين في سن العمل، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و 64 سنة. وأوضحت المداخلات التي تم تقديمها كيف أن مشاكل الصحة النفسية تعد السبب الأول للعجز في المغرب كيفما كان معدّل السن، الذي تترتب عنه كذلك كلفة اقتصادية جد ثقيلة تقدّر بـ 4.9 مليار دولار، وهو الرقم الذي يخص سنة 2022؟
وتشير الأرقام والمعطيات المتوفرة إلى أن الاستثمار في الصحة النفسية هو جد هزيل، ولا تتجاوز النفقات دولار واحد لكل شخص، هذا في الوقت الذي يضم العرض الصحي المتعلق بالصحة النفسية في المغرب 11 مستشفى و 34 مصلحة بمعدل 2260 سريرا، أما على مستوى الموارد البشرية فإن عدد الأطباء المختصين يقدّر بـ 362 طبيبا وطبيبة و 1301 ممرضا وممرضة، وهو ما يؤكد المختصون بأنه لا يلبي الاحتياجات الصحية للمواطنين وطلباتهم في هذا الإطار التي هي في تزايد مستمر.
ويتابع المغاربة بكثير من القلق مشاهد الإصابة بالأعطاب النفسية والعقلية، التي تتعدد مظاهرها وصورها، حيث يكشف الشارع عن جزء مهم منها باحتضانه للعديد من المصابين باضطرابات نفسية وعصبية الذين يهيمون في الطرقات، مشكّلين خطرا على أنفسهم وعلى الغير، وفي وضعيات جد مؤلمة تُمتهن فيها كرامتهم ويفتقدون خلالها لإنسانيتهم. وما يغذي هذا القلق كذلك، استمرار التعامل مع الوضع بصمت، فالكثير من المصابين بأمراض نفسية يتفادون الحديث عن وضعهم الصحي وتقاسم تفاصيله، كما أن العديد من الموظفين والمستخدمين لايقدمون ملفاتهم الطبية المرضية لمصالح عملهم تلافيا لكل وصم أو إساءة أخرى قد تزيد من معاناتهم ومن حدة مرضهم.
وكانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قد كشفت بأنه خلال سنة 2023، بلغ عدد الاستشارات الخارجية المتخصصة في الطب النفسي حوالي 230 ألف استشارة بالنسبة للكبار، إضافة إلى قرابة 26 ألف استشارة تهم الطب النفسي للأطفال والمراهقين، في حين بلغ عدد حالات الاستشفاء 47 ألفا و 300 حالة في صفوف الذكور والإناث. ويؤكد عدد من المختصين على أن هناك عوامل متعددة تساهم في اتساع رقعة الأمراض النفسية، سواء ما يتعلق بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية، أو ما يرتبط بالتخدير، وغيرها من العوامل المختلفة، مشيرين إلى أن 3.5 في المئة من المغاربة، على سبيل المثال لا الحصر، يعانون من مرض ذي القطبين، وبأن 1.5 في المئة يعانون من الفصام، في حين أن 25 في المئة من الأشخاص هم عرضة للإصابة بانهيار عصبي في مرحلة من مراحل الحياة.