علينا اليوم التمسك بمقومات فكرنا الديمقراطي الاشتراكي الحداثي الذي أكد زمن كورونا صوابه ونجاعته
الأخ الكاتب الأول
الأخوات، الإِخوان أعضاء المجلس الوطني
الأخوات والإخوان أعضاء اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات
الأخوات والإخوان أعضاء اللجنة الوطنية للمراقبة المالية
أحييكم جميعًا، وأحيّي حضوركُم الفعلي داخل المقرات الحزبية أو من خلال التواصل عن بُعْد عبر التَّنَاظُر المرئي، في إِطار هذه الدورة العادية لمجلسنا الوطني، في إطار الالتزامات التنظيمية لحزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
والواقع أن ظروف وشروط التكيف مع إكراهات الجائحة وتداعياتها لم تُفْسِح لنا المجال، ولا مَنَحَتْنا الفرصة لكي نعقد المجلس الوطني في الوقت المحدَّد ووفق الشروط التي نريدها.
إِنها جائحة عنيفة، قوية، خطيرة وغير مسبوقة بهذا الحجم من الانتشار الكوني والانعكاسات الصعبة وأعداد المصابين والخسائر البشرية والاقتصادية والمالية، وكذا أَبعادُها السياسية والجِيوسياسية والأمنية والاستراتيجية.
وقد تأثرنا جميعًا بهذه الجائحة، كُلٌّ بطريقته، وكُلٌّ عانى من بعض الانعكاسات السلبية لهذا الوباء. والأَخطر أننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فقدنا عددًا وافرًا من مناضلينا الذي غَادَرُونَا إِلى رحمة ربهم، وكان في مقدمتهم أخونا الكبير المجاهد الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي بَلَّ اللَّهُ تُرْبَتَهُ.واسمحوا لي أن أَقِفَ مَعَكُمْ ومعكُنَّ وقفة تحية وإِكبار للقائد الاتحادي الوطني الفذّ سي عبد الرحمن اليوسفي الذي شَكَّلَ غيابُه الجسدي الفَادِح لحظةً استثنائيةً خاصة بالنسبة لجماهير شعبنا ولقاعدتنا الاتحادية كُلِّها وللقوى الوطني والديمقراطية كافة، ولجميع الخيِّرين الذين كانوا يدركون قيمةَ الرَّجُل ومكانته ونوعية حُضُورِه وإسهامِهِ في البناء المؤسساتي، وفي الوحدة والاستقرار، وفي إِثراء أسبابِ الثقةِ بين الدولة والمجتمع. وذلك ما أدركه الجميع، وقَدَّرَه الجميع، ونَوَّهَ به الجميع حتى وإِن منعَتْنَا هذه الجائحة من تنظيم وداعٍ كبيرٍ حاشِدٍ يليق بمقَامِهِ وتاريخِهِ ورمْزِياته. ويكفي الموقف النبيل الذي وقَفَه صاحبُ الجلالة تُجَاهَ سي عبد الرَّحمن ومَعَهُ وإلى جانبه في مختلف متاعبه الصحية الأَخيرة بل وقَبْلَها عندما كرَّمَه أحْسَنَ تكريم في لمساتٍ وإِشاراتٍ من الوفاء الإنساني والرَّمْزي الرفيع شاكرين لجلالته هذه الروحَ، وهذا المَعْنَى المؤسس لوطنيةٍ جديدة تَمدُّ الجسور، وتَزْرَعُ قيم الاستقامة والثقة في الممارسة السياسية، وفي السلوك الوطنيي المُتَحضِّر.
وفي هذه اللحظةِ العسيرة أيضًا، فقد حزبنا في العديد من الفروع والأقاليم، وفقد المغرب عددًا من شخصياته الثقافية والفكرية والإِبداعية والإعلامية الوطنية الوازنة وكذا بعض الشخصيات من الحقل السياسي والاجتماعي ومن صفوف المجتمع المدني يقتضي المقام أن نترحم على أرواحهم جميعًا.
ولعلَّكُم جميعًا تُقَدِّرون الطابعَ الاستثنائي لهذه الجائحة، ولمآسيها المُؤْسِفَة. لكننا في الآنِ نفْسِه نُدرك مدى التحولاتِ العميقة التي عشناها ومازلنا نعيشُها منذ بداياتِ زمنِ الجائحة في شهر مارس الماضي، تحولاتٍ في علاقاتنا الاجتماعية، وفي أشكال تواصلنا، وفي تنظيم وإعادة تنظيم فضائنا العائلي والعمومي، وفي منظورنا إِلى أسبقية الطب وأولوية البحث العلمي، ومكانة ما أصبحنا نُطلقُ عليه اسْمَ «الجيش الأبيض»، أي طواقم الطب والصحة والعلاج، والدور الحيوي الذي لعبته مكونات الدولة الراعية وفي مقدمتها القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، والإِدارة الترابية، ومكونات المجتمع المدني وضمنها فعاليات من صفوف حزبنا، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي هذه الظروف الصعبة، عشْنَا عددًا من الأَحداث الوطنية والدولية، وتَفَاعَلْنا معها بمخْتَلَف أنواع التفاعُلِ والمواكبة وردود الفعل، لكن المغرب كان محظوظًا بالمنجزات الأَخيرة على الأَرض التي حققتها قواتُنا المسلَّحة الملكية المظَفَّرة بقيادة جلالة الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، في ممر الݣرݣرات بأكبرِ قَدْرٍ من التَّبَصُّر والحكمة والمسؤولية والجرأة. ولكنَّ الغِبطَة لا تأتي دائمًا وَحْدَهَا، فسرعان ما فُوجئَ العَالَم، وفوجئ خصوم وحدتِنا الترابية، بقرار الإِدارة الأمريكية الاعتراف بسيادةِ المغرب على صحرائه، وذلك إثْر مرسومٍ رئاسي للرئيس الأمريكي له قوتُه القانونية والسياسية والدبلوماسية والرمزية، قرار تأكيدي وازن لمغربية الصحراء. وجاء ليُعَزَّز قرارات العيون أو مدينة الداخلة، خصوصًا بقرار الإدارة الأمريكية بفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة ستولي الاهتمام لقضايا الاقتصاد والاستثمار.
وهُنَا – ولا أريد أن أستبق العرض التوجيهي للأخ الكاتب الأول للاتحاد – لابد من التأكيد على موقف حزبنا من هذا الحدث الذي سيكون له ما بعدُه بالتأكيد في سيرورة الصراع مع الخُصوم المناوئين لوحدتنا الترابية، لكن لا ينبغي – بأَيِّ حالٍ من الأحوال – أن نخلط بين هذا الحدث الداعم لأفقنا الوطني ولحقنا في صحرائنا وترابنا، وبين موقفنا الراسخ من القضية الوطنية الفلسطينية، وهو موقف حوله إِجماع وطني كذلك، أي حول حق الشعب الفلسطيني في استقلاله وبناء دولته الوطنية المستقلة على أَساس حلّ الدولَتيَيْن. كما أن حرص المغرب على الوضع الديني والروحي والحضاري للقدس الشريف كمكانٍ مُقَدَّسٍ لممارسة العبادة والشعائر الدينية للديانات الثلاث، وبالخصوص للإسلام، دينِنا الحنيف.
لا حاجة للخلاف حول خصوصيات هَذَيْن المسارَيْن الوطنيَّيْن، الوطني في الصحراء المغربية والعربي القومي الإِنساني في الجبهة الفلسطينية. مثلما لا حاجة إِلى الخلط أو المزايدة أو المغالطة، وقد سبق لِي أَن قُلتُ إن أشقاءنا الفلسطينيين، الحكماء العقلاء المتبصِّرين بالخصوص، يعرفون أصالةَ الموقف المغربي وفعاليةَ المغرب تاريخيًّا في الصراع العربي الإِسرائيلي، وفي الدور الداعم للقيادة الفلسطينية في رؤيتها ومقاربتها وموقفها الوطني المستقل. ولن يُديرَ المغرب ظهره لأشقائه، ولمواقفه الراسخة، ولاتجاه التاريخ. وفي ذلك يلتقي الموقف الملكي، والموقف الحكومي، والموقف البرلماني، والموقف الحزبي. والموقف الشَّعْبي.
أخواني أخواتي،
على المستوى الحزبي الذاتي، ونحن نُخلِّدُ الذكرى الخامسة والأربعين لاغتيال فقيدنا العزيز القائد الاتحادي والوطني الكبير الشهيد عمر بنجلون، والذي وضع النضال الديمقراطي في خدمة المصالح العليا للوطن، وبالخصوص قضيته الأولى قضية الوحدة الترابية، وستظل روح عمر وفكره وممارسته حاضرة مؤثرة في الأجيال الحاضرة والمستقبلية المتشبثة بحزبها والمدافعة عن اختياراته ومواقفه، وتوسيع إشعاعه وقاعدته الجماهيرية، ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أنوه وأثمن عاليا المبادرات الجادة، والانفتاح العقلاني على العديد من الكفاءات والأطر النزيهة في عدد من الأقاليم الحزبية، نأمل أن تعمم هذه المبادرات على مختلفة الأقاليم والقطاعات، ليستمر الاتحاد الاشتراكي كما كان قوة مؤثرة وفاعلة من خلال قوة مناضليه الفكرية والتنظيمية والتواصلية والأخلاقية.
وإنه لـما يبعث كذلك على الاعتزاز الدينامية التي يعرفها حزبنا من خلال الأنشطة المتميزة للعديد من الفروع والأقاليم والجهات داخل المغرب وخارجه، ومختلف التنظيمات القطاعية، وبالخصوص المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات والشبيبة الاتحادية والقطاع الطلابي الاتحادي، وعدد من القطاعات المهنية.
فبصمودكم، وعطائكم، وتضحياتكم، وصبركم، يستعيد الاتحاد الاشتراكي اليوم وهجه وديناميته، ليظل كما كان رقما أساسيا في المعادلة السياسية الوطنية.
وإننا مطالبون الآن، أكثر من أي وقت مضى، بمضاعفة جهودنا واستنهاض كل طاقاتنا الذاتية لخوص وربح معركة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة صيف 2021، والتي لا يخفى عليكم أهميتها وتأثيرها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما يفرض علينا جميعا أجهزة ومناضلات ومناضلين تطوير آليات التواصل، وتكثيف التواجد الميداني اليومي، وتقوية وتعزيز دور الحزب في المجتمع بالاهتمام بقضايا القرب في إطار خطة عمل انطلاقا من الحي والقرية والجامعة ومؤسسات الشغل بهدف أولا تصريف المشروع المجتمعي للحزب، والانفتاح على أسئلة وتحولات قضايا المجتمع، وثانيا للتمكن من التغطية الشاملة بالمرشحات والمرشحين لكافة الدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية، للمساهمة القوية في تغيير موازين القوى لصالح حزبنا، ولتعزيز قطب الديمقراطية والحداثة، وإفراز مؤسسات قوية بنخب سياسية قادرة على وضع وتنزيل نموذج تنموي جديد، وإعادة الثقة لدور الدولة في التضامن الملموس، ومعالجة الإشكالات الاجتماعية الكبرى بفتح أوراش جديدة تشع بالأمل والاطمئنان إلى المستقبل وترفع كل مظاهر الالتباس والغموض والتمييع والتيئيس التي علقت ومازالت بالمشهدين السياسي والحزبي.
أخواني أخواتي،
في هذا السياق علينا اليوم التمسك بمقومات فكرنا الديمقراطي الاشتراكي الحداثي الذي أكد زمن كورونا صوابه ونجاعته، وإن تمثل وبلورة الاختيارات التحديثية، بتوسيع وتحصين المكاسب والحقوق والحريات، وبالخصوص حق التمدرس، وحق الاستشفاء، والحماية الاجتماعية، وحق الشغل والعيش الكريم، وغيرها من الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية، تحت سقف دولة الحق والقانون، إن هذه الاختيارات التحديثية بأفق اجتماعي ديمقراطي واضح، هي الكفيلة بإعادة الثقة والأمل، وربح معركة التغيير الديمقراطي، وبجعل حزبنا يحتل مكانته الملائمة في مغرب يتغير باستمرار.
ومن المؤكد أن التقرير الذي سيعرضه أخونا الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي سيقدم صورة واضحة وشاملة للوضعية الراهنة وآفاقها، وبرنامج عملنا في المرحلة المقبلة التي ولاشك أنها مرحلة تختلف في أهميتها ونوعيتها وتحولاتها عن تلك التي نودعها.
ومن المؤكد كذلك أن ملاحظاتكم واقتراحاتكم – ولو عن بعد – ستشكل جزءا أساسيا في تحديد آفاق العمل للمرحلة القادمة، بما يقوي دور حزبنا وتأثيره في عملية البناء والإصلاح والدمقرطة وربح معركة الاستحقاقات الانتخابية والتنظيمية.
وفقنا الله جميعا في ما يخدم مشروعنا الوطني الديموقراطي الاجتماعي والحداثي الذي ينخرط فيه الاتحاد الاشتراكي ضمن أفق الحوار المفتوح والتحالف الوطني مع كافة الإرادات الخيرة في الحقلين السياسي والاجتماعي.