كيف أدمج كيليطو الشعر في بناءِ نسقيّةِ النّصّ الثقافيّ العربيّ القديم .. سؤال تجيب عنه ندوة «كيليطو والشعر» بمراكش

ينظّم بيت الشعر في المغرب، بتعاونٍ مع كليّة اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، وبدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، والمندوبية الجهوية لقطاع الثقافة بجهة مراكش أسفي، الدورة الأكاديمية « كيليطو والشعر» يومه الجمعة 16 وغدا السبت17 فبراير 2024، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين المغاربة. تنطلقُ فعاليات الدورة الأكاديمية بمحاضرة افتتاحية للأستاذ عبد الفتاح كيليطو تحت عنوان» لزوم ما لا يلزم» وذلك يومه الجمعة على أن تتواصل طيلة يومين بمداخلات قيمة حول حضور الشعر في أعمال كيليطو النقدية والإبداعية.هنا ننشر أرضية الندوة التي طرحها بيت الشعر في المغرب، منطلقا للتفكير والنقاش:

 

للشِّعرِ في جميع أعمال عبد الفتاح كيليطو حصّتُهُ في التأويل وفي بناء المعنى، على نحو جعلَ الأحيازَ، التي شَغلها في هذه الأعمال، لا فقط مَوقعًا لتَوليدِ المعنى والبَحث عن الوَشائج النّسقيّة، بل أيضًا مَتنًا نقديًّا مُضمِرًا لأسئلته المَعرفيّة والمَنهجيّة. الشِّعرُ، في مُقارَبات كيليطو، مَدارٌ رئيسٌ ضِمن مَدار أكبر هو الأدب العربيّ الكلاسيكيّ. لذلك، جسّدَت مُقاربةُ الشِّعر، في مؤلّفات كيليطو، مَتنًا مُتشعِّبًا يَنتظرُ استشكالَهُ، ومُحاوَرَتَهُ، والكشفَ عن السّبُل التي شقّتها هذه المُؤلَّفات في تأويل الشِّعر، وفي استجلاءِ وَضْعِهِ ضِمن الأدب العرَبيّ الكلاسيكيّ.
مُنذ كتاب «الأدب والغرابة»، الصادر عام 1982، تكشّفَ الشِّعرُ جُزءًا رَئيسًا ضِمن التأويل الذي صاغَهُ كيليطو لنَسق الأدَب العربيّ الكلاسيكيّ. بَعد هذا الكتاب الأوّل، الذي أولى عنايةً بيِّنةً للشِّعر، لم يَكُف كيليطو، في مَساره الكتابيّ المُمتدّ لأكثر من أربَعة عُقود، عن تأويل الشِّعر العرَبيّ القديم، حتّى غدا تأويلُه للشِّعر، بحُكمِ التّمديد الذي شَهدَهُ في مُختلف الأعمال، مَوضوعًا هو أيضًا للتّأويل والمُحاوَرة. إنّهُ مبحثٌ يُشكِّلُ مَوقعًا من المَواقع التي تُتيحُ الإنصاتَ لجانبٍ رئيسٍ في التأويل الذي بناهُ كيليطو للأدب العربيّ الكلاسيكيّ.
كان كيليطو منذورًا، تبعًا للسّياج المَعرفيّ الذي رَسمَهُ لانشغالاته مُنذ البَدء، لأنْ يُوليَ عنايةً بالغةً للشِّعر. فانشغالُهُ بنَسق الأدَب العربيّ الكلاسيكيّ اقتضَى منه، على المُستوى المعرفيّ والمنهجيّ، أنْ يُدمِجَ الشِّعرَ، بوَصفه أحدَ المُكوِّنات الرّئيسَة لهذا الأدب، في بناءِ نسقيّةِ النّصّ الثقافيّ العربيّ القديم عبْرَ التّأويل. من داخل هذا الانشغال بالنّسق، ركّزَت مُقارباتُ كيليطو على نصّيْن تحكمُهما علاقاتٌ شديدةُ التّشعّب مع الشّعر. يتعلّقُ الأمر بنصِّ المقامة وبنصّ ألف ليلة وليلة. فصِلةُ المقامة، مثلًا، بالشِّعر ذاتُ مُستوياتٍ عديدة، بل إنّ بَطل المقامة، المُتّصِف بمُزاولة الكدية، يُجسِّدُ أساسًا الوَضعَ الذي صارَ عليه الشاعرُ زمنَ ظُهور المقامة. وقد كانت هذه الصِّلةُ، شأنها شأن صلةِ الشِّعر بنُصوص أخرى من الأدب العربيّ الكلاسيكيّ، مَوضوعَ تآويلِ كيليطو.
في سياق الانشغال المَكين بالشِّعر، خصّ كيليطو الشاعرَ أبا العلاء المعرّي بكتاب مُستقلّ سَمّاه «أبو العلاء المعرّي أو متاهات القول». اِفتتحَ كيليطو الفصلَ الأوّل من الكتاب بمُساءلةِ صدَى بَيتٍ شعريٍّ للمعرّي يتردّدُ في بَيتٍ للشّاعر عُمر الخيام. وعبْرَ هذا الصّدى تدرّجَ كيليطو، بطريقته الخاصّة في حَفرِ مَتاهات القول، لإثارَةِ سُؤال «الهِبَة» وسُؤال العلاقة بالأب وبالأمّ، مُبَلورًا تأويلًا عن تصوّر المعرّي للزّمن. تصوّرٌ يَنظرُ إلى بدايةِ العالَم الأولى بوَصفها فسادًا يَتمدّد بلا نهاية، على نحو يَستَجلي مَوقفَ المعرّي من الزّواج ومن الإنجاب. مُنذ الفصل الأوّل لكتاب كيليطو عن المعرّي تبدو المقارَبةُ موسومةً باختلافها عن الطرائق السائدة في تأويل الشِّعر العربيّ القديم، إذ يتحوّلُ فيها الشِّعرُ إلى متاهاتِ قولٍ لا حدَّ لها، على نحو يَجعلُ قارئَ الكتاب يتساءَلُ عن أسُس مُقاربة كيليطو للشِّعر، وعن طرائق بنائهِ للمَعنى الشِّعريّ عبْرَ التأويل.
لم يكُن الشِّعرُ ضالعَ الحُضور في كُتُب كيليطو ذات «الوَسْم النّقديّ» وحسب، بل امتدّ حتى إلى أعماله القصصيّة والرّوائيّة. لقد كان هذا الامتدادُ منذورًا للتّحقّق تبعًا للعديد من العوامل؛ في مُقدّمتها التباسُ الشّكل الكتابيّ الذي يُعدّ من صَميم هُويّة الكتابة التي جسّدَتْها أعمالُ كيليطو. التباسٌ قائمٌ على تَشابُكٍ أصيل بين الحَكي والنّقد، وعلى تلاشي الحُدود بينهُما في المُنجَز الكتابيّ. هكذا شكّلَ الشِّعرُ عُنصرًا بانيًا للمَحكيّ القصصيّ والرّوائيّ لدى كيليطو، على نحو يَدعو إلى مُحاوَرَة اشتغالِ هذا العُنصُر، وإلى التفكير في دراستِهِ وإضاءَتهِ من زَوايا عديدة.
تبعًا لما تقدّم، ترومُ ندوةُ «كيليطو والشعر» التفكيرَ في مسار التأويل الذي أنجزَه كيليطو عن الشِّعر ضِمْن إعادَة القراءةِ التي أنجزَها للأدَب العربيّ الكلاسيكيّ. لهذا التفكير شِعابُهُ المعرفيّة والمنهجيّة، يُمكنُ الإشارة إلى بَعضها اعتمادًا على الأسئلة الآتية: كيف قرأ كيليطو الشِّعرَ العربيّ القديم؟ بأيّ خلفيّة معرفيّةٍ تَأوَّلَه؟ ما الوَشائج التي أقامَها كيليطو، اعتمادًا على طرائقه في التأويل، بين الشِّعر العربيّ القديم وباقي العناصر المُكوِّنة للأدب العربيّ الكلاسيكيّ؟ ما وَضْعُ الشِّعر العربيّ القديم ضِمن النّسق الذي بناهُ كيليطو للأدب العربيّ الكلاسيكي؟ ما الصّورَة التي بناها كيليطو للشاعر العربيّ القديم؟ كيف تَتَسنّى قراءةُ الشِّعر في ضَوء الصّورَة التي رسَمَها كيليطو للشاعر أبي العلاء المعرّي مثلًا؟ ما متاهاتُ القول الشِّعريّ التي ارتَسَمَتْ في تأويل كيليطو لهذا القول؟ لِمَ أدمجَ كيليطو الشِّعرَ في مُعظَم أعماله القصَصيّة والروائيّة؟ ما دلالاتُ هذا الإدماج في بناءِ السّرد القصَصيّ والرّوائيّ؟