كيف ننتج عرضا ثقافيا يشبهنا؟ إقصاء الهامش يضيع فرصا كثيرة على «قطاع هش» أصلا

ركز المشاركون في ندوة
«شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية»، والمنعقدة أول أمس الاثنين 28 أكتوبر ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي 45، والمنظمة بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، على أهمية وضع استراتيجية وسياسة ثقافية تخول للجميع الولوج الى العرض الثقافي دون إقصاء مجالي أو فئوي، كما تساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية عبر الابتكار وخلق القيمة المضافة .

 

أكد نجيب بونهاي،‮ ‬أستاذ الدراسات الثقافية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية،‮ ‬على المسؤولية السياسية في‮ ‬إنجاح الورش الثقافي‮ “‬باعتبار الثقافة تتقاطع مع عدد من المجالات والقطاعات وقد تصل إلى الديبلوماسية والبناء الحضري‮ ‬وطريقة عيشنا‮”‬،‮ ‬أي‮ ‬أن امتداد الثقافي‮ ‬في‮ ‬كل مظاهر الحياة‮ ‬يفرض على الوزارة الوصية تدبير العلاقة بين الثقافة والسياسة الثقافية كسياسة عمومية ومجال للتجاذب المجتمعي‮ ‬الذي‮ ‬يفرض خلق نوع من المساواة في‮ ‬الولوج إليها،‮ ‬ولوج‮ ‬يرى بونهاي‮ ‬أنه‮ ‬ينقسم إلى شطرين‮: ‬ولوج فيزيائي‮ ‬للأشخاص‮ ‬يتم داخل البنى التحتية المؤسساتية،‮ ‬وولوج افتراضي‮ ‬لا‮ ‬يجب إغفال أهميته،‮ ‬خاصة عند فئة الشباب ويتم عبر وسائل التواصل والتقنيات التكنولوجية الحديثة‮.‬
ولم‮ ‬يغفل المتحدث أهمية التقارب بين قطاعي‮ ‬الثقافة والتعليم،‮ ‬ومن ثم ضرورة‮ ‬تجسير هذه العلاقة بينهما من خلال إدماج البعد الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬داخل المناهج التعليمية،‮ ‬ومن خلال تعليم المهارات وتدريس الفنون‮.‬
هذا الإدماج،‮ ‬يرى بونهاي،‮ ‬لا تتحمل الدولة ثقله وحدها،‮ ‬بل إن القطاع الخاص بدوره مطالب بالتدخل،‮ ‬متأسفا على نسبية انخراط المجتمع المدني‮ ‬ومساهمته في‮ ‬العرض الثقافي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يُدبَّر بشكل جيد،‮. ‬وأضاف المتدخل أننا‮ “‬نحتاج للتفكير في‮ ‬هذا التدبير بسبب‮ ‬غياب التجانس بين العرض والطلب‮”‬،‮ ‬هذا الطلب الذي‮ ‬يضعف بسبب التحولات التكنولوجية المتسارعة والتي‮ ‬عوضت بشكل كبير الفضاءات التقليدية للعروض الثقافية،‮ ‬بالإضافة إلى‮” ‬حاجتنا إلى تقييم هذا العرض وامتداداته الجغرافية ونقط قصوره‮”‬،‮ ‬وهي‮ ‬مهمة على الدولة أن تعي‮ ‬وتدرك التحديات المطروحة بخصوصها عبر معرفة نطاق تدخلها لتحويل الفن إلى رأسمال ثقافي،‮ ‬خاصة بعد ظهور فروع فنية وتخصصات لم تكن موجودة من قبل وتحتاج إلى تعميق البحث حولها،‮ ‬وهو الأمر الذي‮ ‬ينسحب أيضا على تجميع المعطيات،‮ ‬داعيا في‮ ‬هذا الصدد الفاعلين وعلماء السوسيولوجيا إلى توحيد جهودهم لتحليل وتقييم المعطيات من أجل الخروج بخطة واضحة ورسم خارطة طريق تمكن في‮ ‬النهاية‮ ‬من تحقيق منتوج ثقافي‮ ‬قادر على الانخراط والمساهمة في‮ ‬دورة الاقتصاد من بوابة الثقافة،‮. ‬بوابة لاشك ستستفيد من الأدوات الرقمية التي‮ ‬ستساعد في‮ ‬تصريف القرارات السياسية المرتبطة بالمجال،‮ ‬سياسة ثقافية على الدولة معالجتها بنفس منطق معالجة الصحة وسياسة الماء والتهيئة الحضرية،‮ ‬معالجة تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي‮ ‬طرأت على عدد من القطاعات التي‮ ‬تدخلت فيها الليبرالية عبر خوصصتها كالصحافة‮ (‬القنوات والإذاعات الخاصة والمواقع الإخبارية‮)‬،‮ ‬تدخل‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون متحكما فيه من طرف ا لدولة حماية له من الانزلاقات،‮ ‬مشيرا‮ ‬في‮ ‬هذا الصدد‮ ‬الى مسألاة بالغة الأهمية وهي‮ ‬مسألة الأخلاقيات،‮ ‬إذ لا‮ ‬يجب التعامل في‮ ‬مجال الثقافة بمنطق تسليعي،‮ ‬لأننا في‮ ‬الثقافة‮ ‬لا نتعامل مع بناء تحتي‮ ‬مادي‮ ‬بقدر ما نتعامل مع بناء الأرواح والرمزيات،‮ ‬وهذا أمر صعب وعلى الدولة أن تدبره عبر سياسة ثقافية تشرف عليها وتؤطرها بعيدا عن الغطاء الإيديولوجي‮ ‬والسياسي.
بدورها، الباحثة والخبيرة في الشأن الثقافي، يسرا عبد المومن، لفتت الى أن الولوج الى الثقافة حق أساسي للمواطنين يتوازى والحق في الصحة والخدمات الأخرى، وليس ثانويا، مضيفة أن خلق تنوع في العرض الثقافي وضمان الولوج إليه يمر عبر إعطائه “هوية أكثر ارتباطا بحياتنا الثقافية ..هوية مرتبطة بنموذج ثقافي متين يجنب المواطن المغربي وخاصة الشباب، من مغبة الانحراف”. فغياب عرض ثقافي يستجيب لانتظارات المتلقي المغربي بكل فئاته “يفتح الباب أمام التيارات المتطرفة التي تستغل هذا الفراغ ” فراغ ناتج عن حرمان بعض التجمعات البعيدة عن المركز من الولوج الى حقها، ما تعتبره يسرا عبد المومن، “خسارة وتضييعا لموارد اقتصادية واعدة” في “قطاع هش” يحتاج الى استثمار كل إمكانياته، والتي يمنحها الهامش بشكل أفضل أحيانا ، مقدمة المثال بمدينتي أصيلة والصويرة التي تمكن العرض الثقافي بهما من خلق قيمة مضافة (موسم أصيلة الثقافي ومهرجان كناوة بالصويرة)، حيث أحدث هذان المهرجانان تغييرا كبيرا في صورة المدينة التي عرفت بدورها انتقالة حضرية واقتصادية وسياحية ساهمت في انتعاش عدد من القطاعات وتحريك عجلة الدورة الاقتصادية.
ووضحت الخبيرة في الشأن الثقافي أن هذه النماذج تؤكد مدى “الحاجة الى بناء صورة جديدة للثقافة في الوعي الجمعي المشترك” تقطع مع الصورة النمطية التي ينظر بها الى مهن الفن والثقافة، كونها “مهنا محدودة لا آفاق لها” ، وهي الصورة التي تسائلنا اليوم لابتكار وخلق وتكوينات وفروع جديدة تروم خلق متخصصين في المجال الثقافي من مهامهم البحث وترصيد المجال عبر تجميع المعطيات والبيانات ووضع الميزانية لضمان “تموقع جيد في هذه المعادلة وللخروج من ثنائية المركز والهامش”، وهي مهمة لا يمكن أن تتحملها الوزارة الوصية وحدها دون شركائها في المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة والجامعات عبر “المبادرة الحرة”، مشيرة الى دور الوسائط الثقافية وأولها الإعلام في تسويق العرض الثقافي وإيصاله الى أكبر جمهور ممكن”.
واعتبرت المتدخلة ان تجديد أرضنا الثقافية وجعلها أكثر جاذبية رهين بـ” تعزيز الشعور لدى الجمهور بالانتماء لكل ما ينتج ويقدم كعرض ثقافي”. هذا التجديد يمر عبر منح الفرصة للشباب الذي سيكون ” إضافة جديدة ونوعية في هذا المجال الواعد”.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 30/10/2024