جلسة افتراضية شارك فيها ميغيل موراتينوس، هوبير فيدرين، يوسف العمراني، دانييل كوهن، محمد لوليشكي وميكائيل الزاوي
نظمت لجنة النموذج التنموي الجديد، في صفحتها على موقع «فيسبوك»، جلسة افتراضية تواصلية، لمناقشة تداعيات الأزمة الوبائية الحالية، على التوازنات الجيو-سياسية و الجغرافية، و أيضا على مستوى الاقتصاد العالمي، رفقة خبراء في عدة مجالات و شخصيات بارزة، مستضيفة كلا من «ميغيل موراتينوس» وزير الخارجية الإسباني السابق، ونظيره الفرنسي «هوبير فيدرين»، و«يوسف العمراني» سفير المغرب بجنوب إفريقيا، والخبير الإقتصادي «دانييل كوهن»، ثم «محمد لوليشكي» ممثل المغرب الدائم سابقا لدى الأمم المتحدة، وأخيرا “ميكائيل الزاوي” الذي سيشرف على تسيير الندوة.
استهل شكيب بنموسى حواره، حول تداعيات الأزمة الوبائية العالمية، التي خلفها فيروس كوفيد-19، معرفا في عجالة، بالشخصية الأولى المشاركة في النقاش، وزير الخارجية الفرنسي السابق “هوبير فيدرين”، متحدثا عن علاقته القوية بالمغرب، وما ربط والده من صلة وصل بعائلات “بوعبيد” و “أحرضان”. منتقلا للتعريف ب”ميغيل موراتينوس”، وزير الخارجية الإسباني السابق، وحاليا ممثل لمنتدى تحالف الحضارات، التابع للأمين العام للأمم المتحدة، وصاحب المعرفة الكبيرة بالمغرب، و مدافع معروف عن المنطقة الأورو-متوسطية.
عرف شكيب بنموسى أيضا، بالخبير الاقتصادي «دانييل كوهن»، الذي يرى في نفسه “اقتصاديا عمليا”، عضو سابق في مجلس التحليل الإقتصادي، ونائب مدير المدرسة الاقتصادية بباريس، ومؤلف العديد من الكتب في المجال. انتقل بعدها لشخصية ”يوسف العمراني”، سفير المغرب بجنوب إفريقيا، واشتغاله كوزير منتدب لدى وزير الخارجية لعدة سنوات، و كاتب عام ل”الاتحاد من اجل المتوسط”. ثم أخيرا ب“محمد لوليشكي”، الذي أشتغل لفترة طويلة، بمنصب ممثل المغرب الدائم سابقا لدى الأمم المتحدة، ويتولى الآن منصبا ب”مركز السياسات من أجل جنوب جديد”. شاكرا جميع الحاضرين، على توفير بعض من وقتهم الثمين، من أجل إغناء النقاش حول موضوع الندوة.
بدأ بنموسى، بالتذكير والتعريف، بلجنة النموذج التنموي الجديد، والتي بدأت في عقد اجتماعاتها، من أجل التأسيس لنموذج تنموي جديد، منذ منتصف شهر دجنبر من السنة الماضية، قبل أن تظهر إلى العلن بوادر أزمة فيروس كوفيد-19، حيث دعا الملك محمد السادس، لجنة النموذج التنموي الجديد، إلى التفكير وإقرار توجهات وخطط تنموية جديدة، مستندة إلى النجاحات السابقة لما تبناه المغرب من قرارات، و مستشرفة في المستقبل لمعالجة وتصحيح عدد من النواقص، سواء على مستوى التنمية الاقتصادية، او بالنسبة للفروقات الاجتماعية والإقليمية المسجلة مسبقا. لكن، وقبل أن تبدأ اللجنة، في إقرار نظريتها وتوجهاتها المستقبلية، اضطر المغرب لمواجهة الأزمة الوبائية العالمية، والتي ستأخذها اللجنة التنموية بعين الاعتبار، خلال نقاشاتها للتأسيس للنموذج التنموي الجديد، وذلك لأن عالم الغد بدأ في التحول جذريا خاصة في علاقاته الدولية، أمر يشمل المغرب أيضا في ارتباطه بالعالم، وفي كل ما يمر أمامه من تحولات جيو-سياسية، أو لعبة “التأثير العالمي” من قبل العديد من الفاعلين، ليست محايدة كحال النموذج التنموي المغربي، أو لنظرتنا المستقبلية للأحداث الدولية، وهو ما سنحاول مناقشته خلال هذه الندوة الافتراضية.
مرر شكيب بنموسى، الكلمة إلى “ميكائيل الزاوي”، ليقدم فكرته و توجيهاته، و ما ستتم مناقشته من جوانب، تخص الحوار حول موضوع الندوة، كما رغب في إخبار المشاركين و المتباعين للندوة، حول اللقاءات المنظمة، بخصوص الجائحة الوبائية، والأزمة المرتبطة بها، على أن تكون هذه الندوة، الاولى في سلسلة الندوات المقررة. استهل “ميكائيل الزاوي”، الحديث عن جوانب الأزمة الحالية، و ما اتصفت به من صعوبة و سطوة واضحة، وانها لا تشبه الازمة المالية لسنة 2008، او ازمة “فقاعة الانترنت” لسنة 2001، ولا أزمة “الإدخار و الإقراض” لسنة 1990، او “صدمة النفط الأولى” لعام 1973، والتي له بها دراية واسعة و معمقة.
بشكل مختصر، ولكي لا أطيل عليكم، يتوقع صندوق النقد الدولي هذا العام، أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المئة، و 10 في المئة في الدول المتقدمة، و1 في المئة في الدول النامية، أي أنه أكبر ركود في الاقتصاد العالمي منذ سنة 1929، وفي مقارنة مع أرقام سنة 2009، فإن الناتج العالمي الإجمالي، شهد انكماشا بنسبة 0.1 في المئة، مقارنة بما توقعه صندوق النقد الدولي، لهذه السنة.
انتقالا إلى ضيوفنا الكرام، نود ان نستمع لأرائكم، بخصوص الازمة الوبائية الصحية، إجراءات الحجر الصحي، و الإنغلاق الذاتي لبعض دول العالم حاليا؟، علاوة على أفكاركم و نظرياتكم حول شكل العالم، او ما سيتحول إليه بعد ازمة كورونا؟، وعن موقع الديمقراطيات و الأطراف المتعددة و النظام الدولي، والنتائج المترتبة عن التحولات في هذه القيم؟، و كيف ستؤثر على بلد كالمغرب وعلى نموذجه التنموي الجديد؟، وأخيرا على مستوى المخاطر المستقبلية الواجب الحذر منه؟
أعطى “ميكائيل الزاوي”، الكلمة إلى“هوبير فيدرين”، وزير الخارجية الفرنسي السابق، كأول المحاورين في هذه الندوة، الذي أعرب عن شكره للدعوة التي توصل بها، لإبداء رأيه و طرح نظرياته بخصوص الموضوع. تحدث “هوبير فيدرين”، بشكل مختصر عن ثلاثة أفكار رئيسية. اعتقد في بادئ الامر، بوجود آثار تصحيحية للعولمة خلال السنوات 40 الأخيرة، كما آمن بوجود مخاطر ذات وقع متفاوت عليها، وان علينا اتخاذ قرارات مصيرية، تكون إيجابية أكثر من كونها سلبية. من الملاحظ، إن لم اكن مخطئا، أن البشرية ولأول مرة في تاريخها، تتشارك وتتقاسم خوفا و أملا موحدين، “خوف يتعمق بمرور الوقت، لا يمكن قياسه بالأرقام و المعطيات أو الأبحاث.
ثانيا، لا يمكن التأكيد، بأن العولمة الحالية، المتمحورة حول صعود القوتين الأمريكية والصينية اقتصاديا، يمكن اعتباره بالشيء الطبيعي والمألوف، حتى بالنسبة لوصف معنى كلمة “العولمة”، ما قد يعيدنا بمرور الأزمة الحالية، إلى العولمة ما بين 1960 إلى 1970، للاستمرار على مدى السنوات المقبلة. بالنسبة للنقاش حول الأجور، سيكون من الواجب سؤال صديقي «دانييل كوهن»، الذي سيفيدنا أكثر بخبرته الاقتصادية، لاسيما فيما يرتبط بسلسلة القيم والأجور، و قيمتها المالية او السوقية، وعلاقة هذه القيم بالأبعاد الاجتماعية و البيئية، زيادة على تسريع حركة الإصلاح الاستباقية لسلسلة القيم.
ثالثا، يمكنني القول، بأن الصدمة العالمية الحالية، لها أيضا آثارها الإيجابية على العالم، كما أنني لا أعمل بمصطلح “الانعزال الإقليمي” للدول، وأفضل أن يكون الانعزال شخصيا أو مجتمعيا، الذي يمكن السلطات المحلية و الجهوية، من إعادة ترتيب أوراقها، على غرار الحركة الطبية الألمانية بأوروبا. لا يمكننا تجاوز، ما صرح به بيل غيتس، قبل سنوات من الآن، والمرتبط بتصحيح المفاهيم العامة، وتقوية النظم الصحية حول العالم، تحركات لم تشأ البشرية ان تأخذ بها، ما أوصلنا لما نعيشه اليوم.
من جهة أخرى، أعتقد بأن التحركات الدولية، وتطبيق إجراءات الحجر الصحي، لها اثر إيجابي على الديمقراطيات المحلية، إلا ان الإستمرار لوقت طويل، بمبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”، قد يحطم فكرة “التضامن العالمي”، لا سيما إن صادف هذا، التخلي عن بعض التحركات الإيكولوجية الدولية، قد تزيد على سبيل المثال، من نسبة الساكنة على مستوى العالم، وعليه سيصبح من الصعب توفير طعام كاف للجميع. إن دليل الاستخدام البشري الحالي، قد أدى إلى تطوير الصناعات و زيادة الإنتاج، وهذا أمر جيد إن لزم حدودا معينة.
إلا أنه، وفي السنوات الأخيرة، سمح نظام العولمة الحالي، للفيروسات بكسر الحجر الطبيعي المفروض عليها، والتحرر في بقاع مختلفة حول العالم، تحديدا بكل من الصين و القارة الإفريقية. يمكننا أيضا، أن نتخوف من المنافسة الاقتصادية العالمية، الموضوعة بين المطرقة الأمريكية و السندان الصيني، والتي ستجبرنا على تبني خطط تنموية بديلة، على غرار تنمية “السياحة الإيكولوجية”، بديلا للسياحة العادية المتضررة بفعل الأزمة، وتأثير ضررها الواصل لقطاع الطيران… في المجمل، سيكون على الدول حول العالم، إتخاذ قرارات عاجلة و بناءة، تستعين بخبرات دول نجت من هول الأزمة، على غرار ماليزيا و الصين و ألمانيا، تستند بدورها لأدلة علمية و اقتصادية و اجتماعية، تتيح لنا توفير الوقت و الجهد و المال، واستثماره لتنمية دول أو قطاعات متضررة، أخرى كالقطاع الصحي، وإعادة توزيع الأجور به بشكل عادل و صحيح، قرارات إيجابية ولصالح دول العالم، تجنبنا أزمات شبيهة بسنة 1973.
انتقلت الكلمة في ما بعد، إلى «ميغيل موراتينوس»، وزير الخارجية الإسباني السابق، الذي حيا الجميع على مشاركتهم بالندوة. ابتدأ وزير الخارجية الإسباني السابق، حديثه عن أربعة ملاحظات رئيسية، وعن نظرته المتعلقة بكيفية مواكبة تداعيات الأزمة الحالية، والتعايش مع تداعياتها المستقبلية. تنص الملاحظة الأولى، على أن أزمة كوفيد-19 تعتبر الاختبار الصعب الأول للعولمة، صحيح ما قاله زميلي «ميكائيل الزاوي»، بخصوص ما واجهته البشرية من أزمات، تمحورت حول الجانب الاقتصادي، لم تستطع العولمة معه أن تواجه الأزمة الجديدة.
بالنسبة للملاحظة الثانية، فهي تتمحور حول السؤال، المرتبط بعجز العولمة عن التجاوب مع الأزمة الحالية؟، تكمن الإجابة في أننا نتعايش مع نوع من التعارض، مرتبط بدولية الازمة و التحديات العالمية لها، وانقسام في الوحدة و أحادية الجانب، ليس على مستوى الإجراءات على الحدود الدولية أو غلقها، بل يتعلق المشكل بالتعاون الدولي، المتسم بالضعف و قلة التواصل للخروج من الازمة.
في ما يتعلق بالملاحظة الثالثة، يتعلق بمدى تعقيد الواقع المعيش، فنحن لا نعيش على تبعات الحرب العالمية الأولى، فالأمر لا يرتبط بالإجابة المنفردة، في المجالات المعروفة كالإقتصاد و علم الإجتماع، بل يكمن في إجابة موحدة و شاملة، تغطي هذه الجوانب العلمية و الثقافية، فنحن لا نتحدث عن حروب أو أزمات أمنية بذاتها، بل نتحدث عن إجراءات لم تكن بالمستوى المنشود، من وجهة نظري.
بخصوص الملاحظة الرابعة، نحن نعيش اليوم على صناعة وبناء عالم الغد، وفي أزمة كوفيد-19 فرصة لبناء عالم الغد، ولهذا فمن المهم تقوية العلاقات الدولية. من أجل بناء عالم الغد، كنا على علم بضرورة فعل شيء ما، وأن قادة العالم لا يستجيبون لضرورة الساعة، لكننا علمنا بضرورة الفترة الإنتقالية الحالية، وما يواكبها من قرارات حاسمة، بيد اننا لسنا بحاجة لحرب عالمية ثالثة، لنتخذ على إثرها إجراءات صحيحة.
بالنسبة لردة فعلي، فهي تتعلق بعدم تحمل المسؤولية، المقترن بالرفع من تدابير الحجر الصحي، إما على مستوى الحدود او بشكل محلي، منها ما يرتبط بعدم لبس الأقنعة الواقية، والتحجج بعدم ضرورة ذلك، لأن آلات التنفس الإصطناعي متوفرة، أو لحاجة ماسة في استنشاق هواء نظيف، ما يضعنا وسط دائرة مغلقة، تقسمنا بين الرغبة في التضامن، و حس الدفاع عن النفس المتصاعد. يلاحظ أيضا بأن تداعيات المنافسة الصينية-الامريكية، قد أثرت على الأرقام و المعطيات الصحيحة، بخصوص الإصابات تحديدا في أمريكا، حيث يتواصل تفاقم الأزمة الصحية، مهددة حياة أكثر من 17 مليون شخص، مقارنة بأوروبا التي تملك فرصة، في حالة ما ركزت على الاقتصاد، بالرغم من عدم مرونة الإتحاد الاوروبي و تضامنه في الأزمة. بخصوص المغرب وإفريقيا، فهما يلعبان دور المراقب الدولي، المتابع لسيرورة الأمور و التغيرات على المستوى الدولي، على علم عام بالرهانات المطروحة تحديدا بأوروبا، إلا أن المغرب قد استعان بالمراقبة لتطبيق إجراءات مهمة، للحد من أضرار الفيروس عليه أولا، وذلك لاهمية إفريقيا و المغرب على المستوى الدولي، ولقوة السياسة المغربية في إفريقيا.
انتقلت الكلمة في ما بعد، إلى «يوسف العمراني»، سفير المغرب بجنوب إفريقيا، الذي شكر بدوره الدعوة المقدمة له، للمشاركة في هذه الندوة عبر الانترنت. تحدث السفير المغربي، حول صعوبة الوضع الذي حركنا للتضامن، في مواجهة أزمة جائحة كوفيد-19، وعن المسائل الجيو-سياسية و الجيو-إقتصادية، على حد سواء. إن غالبية النقاشات والحوارات، الدائرة حول موضوع كوفيد-19، يصبح وقودها الأساسي “تأسيس العالم الجديد”، إضافة إلى التضامن و التآزر الدوليين.
أود من منبري، أن أخصص مشاركتي، في بضعة نقاط اساسية، تتشعب من آراء الضيوف الكرام، مبنية على أساسين جيو-سياسي واقتصادي موحد. أولا، علينا إعادة رسم و ضبط معالم النظام العالمي الجديد، خصوصا مع التحول الذي تعرفه قيمة “العولمة”، ما يفرض علينا تغيير السياسات السابقة، والتوجه لتوفير احتياجات المؤسسات الاجتماعية، والتعرف على رهانات التوازنات الدولية. علينا ضخ شيء من الانفتاح بيننا، سواء على مشاكلنا الحلية أو المستقبلية، كما يجب إعمال الشفافية والموضوعية، وعدم الانغلاق على النفس، لكي نتمكن من تقوية صفوفنا في مواجهة الأزمات.
ثانيا، على الدولة أن تكون الحكم، وتقنن دور مؤسساتها في التغيير، إذ يجب على أصدقائنا الأوروبيين، مراجعة دور الدولة في النظام الأوروبي الموحد، إذ عليها أولا، أن تعمل لإرجاع الثقة، بين الشعب و مؤسساتها الحكومية، وتسبيق المصلحة العامة على نظيرتها الشخصية، الحركة التي استبقها المغرب، في شهر أبريل الحالي، مبينا مدى أهمية القيادة الملكية، إضافة إلى قوة تسيير الدولة، في التأسيس لبنية إقليمية و قارية جديدة.
ثالثا، العمل على تطوير كيانات الدولة، وعدم نسيانها أو التقليل من مجهوداتها، نخص بالذكر الجماعات المحلية، التي تشارك في اللعبة ضد موجة العدوى، إذ ينبغي إشراكها في كيان الدولة، عبر الاستفادة من خبراتها في هذه الفترة، والأخذ بأفكارها و مقترحاتها أيضا، ودور الرهانات المحلية في السياسة الدولية. من وجهة نظري الشخصية، المستندة إلى خبرتي الوطنية و المغاربية، الإفريقية و الأورو-متوسطية، على لجنة النموذج التنموي الجديد، ان تلقي نظرة متفحصة على إفريقيا، على تحديات الدول المكونة للقارة، من بينها علاقة إفريقيا بالعدوى المتفشية، المتأثرة اقتصاديا بها. على الدول الإفريقية، أن تنفتح على حلول اقتصادية إفريقية موحدة، ذات أهداف و طموحات مشتركة. نظرة مستقبلية أولاها جلالة الملك، لإفريقيا مستقرة، توفر فرص جيدة ومتعددة.
رابعا، على لجنة الإعداد للنموذج التنموي الجديد، ان تهتم ايضا بالمجالين المغاربي و الأورو-متوسطي، باعتبارهما صلة و صل مهمة، ما بين أوروبا و القارة السمراء، ولما يمثلانه من سوق مفتوحة و مهمة، قد تجذب استثمارات مهمة لبلدان المنطقة، والتي سينعكس إشعاعها لا محالة، على بقية الدول بالقارة، لا سيما دول جنوب الصحراء، وذلك للدور الكبير لأوروبا في القارة الإفريقية، فهي شريك موثوق لبلدان إفريقية ككل.
استلم «محمد لوليشكي»، دفة قيادة الندوة و الحديث، من زميله يوسف العمراني. استهل «لوليشكي» حديثه، كغيره من الحضور، بشكر القائمين على الندوة الافتراضية، على دعوته لمناقشة أفكاره بها. بدأ الممثل السابق للمغرب، في الامم المتحدة حديثه، تذكيره بضرورة العمل بالآراء المقدمة، من قبل الحاضرين في الندوة، لما فيها من منفعة مهمة للنموذج التنموي الجديد.
في ملاحظة أولية له، تحدث الممثل السابق للمغرب، عن اللحظة التاريخية التي تعيش عليها البشرية، فلأول مرة في التاريخ، تفيد الأرقام المتوفرة، بأن قرابة 3.5 مليار شخص حول العالم، يلازمون منازلهم كتطبيق لإجراء الحجر الصحي، في إنجاز لم يسبق للبشرية تحقيقه.معقبا على آراء كل من «يوسف العمراني»، و «هوبير فيدرين» حول التضامن البشري، ودور الدولة في مواجهة الأزمة، مؤكدا على ضرورة إيلاء الدولة، لاهتمام أكبر في ما يخص دورها الميداني، ما سيؤدي إلى بناء عقد اجتماعي جديد.
انتقل «محمد لوليشكي»، للحديث عن دور الاطر الطبية، خلال الازمة الصحية لجائحة كورونا المستجد، وعن الاهتمام الذي أخذ يحصده العلماء، سواء المختصين في الأوبئة أو الفيروسات أو العدوى المرضية، إذ لا يخفى على أحد الدور المهم، الذي أبانوا عنه من خلال دراساتهم و تحليلاتهم و آرائهم في المجال، استقطاب نلحظه من قبل قادة وحكومات الدول، في المقام الأول.
على مستوى رقعة الصراع الدولية، نلاحظ الريادة الدولية للولايات المتحدة، في عدة مجالات تشمل القطاع الطبي، خاصة خلال فترة تولي الرئيس السابق، باراك اوبوما لمقاليد الحكم ودوره في تعزيز النظام الصحي، ودعمه لجهود محاربة فيروس “إيبولا” في إفريقيا، وتعزيزه للنظام الصحي الأمريكي، من خلال مشروع “أوباما كير”، ودعمه ،و التأسيس للوحدة الصحية خاصة، لمواجهة الكوارث وخاصة الأوبئة، ضمن مجلس الأمن القومي الأمريكي، التي كما يعلم الجميع مع قدوم دونالد ترامب، قد حرمت من التمويلات المالية المخصصة لها، المؤدي لغياب شبه تام للريادة الأمريكية، خلال السنوات الأخيرة، فمع قدوم جائحة كورونا إلى العالم، بدا من الواضح من لديه الريادة الدولية، نتحدث هنا عن الصين وحكومتها، بمساعدة روسية أيضا، موجهة من قبل الروس إلى العالم.
من الملاحظ أيضا، أن العلاقات الروسية-الصينية، ستكون محور التحولات الدولية مستقبلا، فكما نعلم، فإن هذه العلاقات بين الدولتين، هي أقدم من تاريخ ظهور كوفيد-19، إذ تعود إلى بدايات الحرب في سوريا. يمكن القول بأن معظم الدول الآسيوية، قد أبانت عن إجراءات قوية و سريعة، لمواجهة الجائحة العالمية، نخص بالذكر كوريا الجنوبية و اليابان، ناهيك عن الفيتنام و الصين بطبيعة الحال، وذلك في خضم الصراعات الجيو-سياسية، ما بين الولايات المتحدة و أوروبا.
انتقلت الكلمة، إلى الخبير الاقتصادي «دانييل كوهن»، الذي تحدث عن وجهة نظره المختلفة، المتبنية للمقاربة الاقتصادية أولا. فكما يعلم الجميع، فإن هذه الأزمة، بالرغم من تكوينها المختلف عن باقي الازمات، على غرار الأزمة المالية لسنة 2008، إلا أن التحليلات الاقتصادية خاصة، المتعلقة بمدى وطأتها على المستوى الدولي، تزامنا مع اعتقادنا في بادئ الامر، بان لها أصولا صينية أو متشابكة مع العولمة، أو كواحدة من الآثار الناتجة عن وباء فيروس “سارس”، وذلك لأن ظهور الفيروس المستجد، تزامن مع ذروة النشاط الاقتصادي الصيني الدولي.
من موقعنا الحالي، واستنادا إلى المعطيات الاقتصادية، المستقصاة ما بين سنة 2002 إلى الآن، أن الناتج المحلي الصيني، قد تضاعف ب8مرات في سنوات قليلة، كما تزايدت القدرة الصينية على التجارة الخارجية، بما يقرب من 20 في المئة دفعة واحدة، وهو أمر يبرر توليها لمكانتها الحالية، على مستوى سلاسل الإنتاج الدولية للسلع، إنطلاقا من المصانع الصينية، التي انتهجت مبدأ “المقايضة” في السلع الدولية، وصولا إلى باقي القطاعات الوطنية.
بالحديث عن العولمة، يمكننا القول بأن للصين، بصمة قوية على الاقتصاد الدولي، على الرغم من أن العولمة، كانت النقطة الاولى لتحليل مدى الازمة الحالية، تحديدا مع إنطلاقة شرارة الصراع و الاتهامات الدولية للصين، وما تبعها من مقالات استخبارية دولية، أكدت إحداها بان مخزون فرنسا من مادة “الباراسيتامول”، ليس سوى منتوجا قادما من الصين، الأمر الذي نتج عنه، تقوقع بعض الدول و عزلتها عن بقية العالم.
يمكننا القول، بأن العولمة الحالية، لا تشابه العولمة قبل عقد او عقدين من الزمن أو أكثر، إلا أن لها نفس العثرات الاقتصادية، و الاجتماعية الدولية و المحلية، التي تشابه نظائرها السابقة. انطلقت مشاكل العولمة الحالية، قبل بدايات ظهور فيروس كورونا، تحديدا في السنة الماضية مع الصراع التجاري الصيني-الأمريكي، وعن رغبتها في العمل على تطوير نشاطها التكنولوجي، بمنأى عن الريادة الأمريكية، إلا أن الحركة الصينية، لم يتوقف تأثيرها عند العملاقين فقط، بل شملت العديد من الدول الأخرى، ما يمكننا أن نقول بأن أزمة العولمة الحالية، قد تكون العلاج الفعال، لمشاكل العلاقات الدولية، و المواجهات الاقتصادية.
بالنسبة لإجراء الحجر الصحي، فكما نعلم من خلال مراقبتنا للمستجدات الدولية حول الجائحة، أنه لم يشمل دولا بعينها في بادئ الأمر، بخلاف ما روج له من كون إيطاليا و إسبانيا، قد تبنتا الإجراء الصحي كحاجز للفيروس والعدوى، بل شمل هذا جميع دول العالم، التي تخوفت من العدوى، فور سماعها بأن الصين، البلد الأول و منطلق فيروس كورونا للعام، قد سعت لفرض الحجر الصحي المنزلي، ومن هنا علم العالم بان الفيروس المستجد، سيكون له وقع مهم على العالم بأسره، وأن “الرأسمالية الرقمية”، هي الحكم العالمي للسنوات المقبلة.
على الجميع أن يعلم، بأن الأزمة العالمية الحالية، قد أدخلت العالم بأسره في المرحلة الرابعة، من انتشار العدوى و آثارها محليا و دوليا، وأن هذه الازمة الوبائية-الاقتصادية، لن تمر مرور الكرام وقد تستمر لفترة من الزمن، إلا في حالة إيجاد لقاح فعال للفيروس، الذي لا نعلم على وجه الدقة، المدة التي سيحتاجها العلماء والباحثون لتطويره، بالرغم من تقديرها بما بين 12 إلى 18 شهرا من الآن، ما سيدخل دول العالم، في دوامة من تثبيت و إلغاء و تجديد إجراءات الحجر الصحي، قد تبلغ في المتوسط 3 أشهر كل سنة، إلى غاية 2021 أو التوصل إلى لقاح فعال.
انتقلت الكلمة إلى الخبير الاقتصادي «دانييل كوهن»، الذي تحدث عن وجهة نظره المختلفة، المتبنية للمقاربة الاقتصادية أولا. فكما يعلم الجميع، فإن هذه الأزمة، أصحت امرا مألوفا، بالرغم من تكوينها المختلف عن باقي الأزمات، على غرار الأزمة المالية لسنة 2008، إلا أن التحليلات الاقتصادية خاصة، المتعلقة بمدى وطأتها على المستوى الدولي، تزامنا مع اعتقادنا في بادئ الأمر، بان لها أصولا صينية أو متشابكة مع العولمة، أو كواحدة من الآثار الناتجة عن وباء فيروس “سارس”، وذلك لان ظهور الفيروس المستجد، تزامن مع ذروة النشاط الاقتصادي الصيني الدولي.
من موقعنا الحالي، واستنادا إلى المعطيات الاقتصادية، المستقاة ما بين سنة 2002 إلى الآن، أن الناتج المحلي الصيني، قد تضاعف ب8مرات في سنوات قليلة، كما تزايدت القدرة الصينية على التجارة الخارجية، بما يقرب من 20 في المئة دفعة واحدة، وهو امر يبرر توليها لمكانتها الحالية، على مستوى سلاسل الإنتاج الدولية للسلع، إنطلاقا من المصانع الصينية، التي انتهجت مبدأ “المقايضة” في السلع الدولية، وصولا إلى باقي القطاعات الوطنية.
بالحديث عن العولمة، يمكننا القول بأن للصين، بصمة قوية على الاقتصاد الدولي، على الرغم من أن العولمة، كانت النقطة الأولى لتحليل مدى الأزمة الحالية، تحديدا مع انطلاقة شرارة الصراع و الاتهامات الدولية للصين، وما تبعها من مقالات استخبارية دولية، أكدت إحداها بأن مخزون فرنسا من مادة “الباراسيتامول”، ليس سوى منتوج قادم من الصين، الامر الذي نتج عنه، تقوقع بعض الدول و عزلتها عن بقية العالم، في محاولة منها لحفظ اقتصادها الداخلي، والرفع من كفائة سلسلة الإنتاج المحلية، بغية تقنين التزود بالمواد الاولية الأجنبية، تحديدا الصينية.
تمكنت الصين من تحسين كفاءة سلسلة الإنتاج الداخلية، عبر توجيه التصنيع إلى منتجات مطلوبة خارجيا، ومنه فقد غيرت من توجهها القائم على صناعة الخزف و الالبسة، إلى تطوير قطع الغيار الإلكترونية مثلا، على غرار ما تقوم به المصانع الصينية، من إنتاج ضخم للسلع الإلكترونية، كالهواتف الذكية لشركات اجنبية ك”أبل” الأمريكية.
إن العولمة الحالية، لا تشبه كما ذكرتم مسبقا، نظيراتها السابقة كالعولمة عقب وفاة“ماو” أو بعد سقوط الجدار (يقصد جدار برلين)، إذ اتفق معكم في ما ذكرتموه مسبقا، عن كون العولمة الحالية لم تتلقح بأزمة جائحة كورونا فقط، لكنها اصابت الكثير من الحرب الاقتصادية بين الصين و امريكا، والرغبة الصينية في الانفلات من القبضة الامريكية، راغبة في الاحتفاظ بما تربحه، من اموال على الصعيد الدولي، لنفسها دون مشاركتها مع بلد العم سام.
إن تصاعد الصراع الدولي الصيني الأمريكي، يأتي في الأساس حاليا من الأزمة الفيروسية، التي شلت القطاع الصحي في عدة دول، نخص بالذكر إيطاليا و إسبانيا، الأمر الذي استغلته الصين، لتبدي عن دورها في الدعم الدولي، وما وجهته من مواد طبية للبلد الاوروبي، في ضربة موجعة للرائد الدولي الأمريكي، و من جهة أخرى للاتحاد الأوروبي، معلنة أن “شفاء العولمة” ينبع من التضامن الدولي، وليس من القطاع الصناعي. إن أزمة الحجر الصحي، إن صح التعبير، لا تلمس إلا الأشخاص، و العاملين ذوي الاجور المنخفضة جدا، والذين اضطروا مع قدوم الأزمة الوبائية، إلى الخروج بحثا عن لقمة العيش، مغيرين من توجهاتهم التشغيلية، معتقدين كحال دولهم بأن فترة “الحجر الصحي” لن تدوم طويلا. لقد نبهتنا المرحلة الثانية، لإنتشار كوفيد-19 على المستوى الدولي، من ان التراجع المتوقع في الاقتصاد العالمي، قد يفوق الأرقام المقترحة من قبل صندوق النقد الدولي، قبل ما يقرب من شهرين، حيث قد يصل إلى 1 في المئة عالميا.
من المتوقع أيضا، أن يتراجع الإقتصاد الدولي، بحسب بعض المعطيات و التخمينات الاقتصادية، إلى -3 في المئة دوليا، وفي بلد فرنسا فقد يبلغ -8 في المئة، مع الأخذ بعين الاعتبار العدد غير الطبيعي، للسكان حول العالم الملازمين لبيوتهم، والذي يقرب من نصف سكان الكوكب، متعايشين مع أزمة اقتصادية أشد صعوبة من سابقتها في سنة 2008، لدرجة ان مجموعة من الباحثين في جامعة “ستانفورد”، أكدوا خلال بحث أجري حول الازمات المالية منذ سنة 1900 إلى ما قبل الأزمة الحالية، محللين معطيات البورصة، وما يتجاوز الالف حالة في البورصة، حول الخسائر و الارباح اليومية، بمتوسط نقاط 2.5 نقطة كمأشر للخطر، لكنهم لم يجدوا اي ارتباط ما بين الخسائر المالية، في فترة الدراسة على علاقة مباشرة بأمراض أو أوبئة، بالرغم من الأوبئة التي عاشتها البشرية من قبل.
من المتوقع أن يدخل العالم في المرحلة الرابعة من الوباء، مرحلة تتصف بصعوبة الأزمة الوبائية وطول مدة بقائها بيننا، والتي ستجبرنا لا محالة على إعادة حساباتنا، خاصة الاقتصادية و المالية المحلية و الدولية، علاوة عن تراجع اقتصادي ملحوظ السنة الحالية، وانطلاقة مالية-اقتصادية دولية قوية السنة القادمة، ما لم تسارع الهيئات البحثية الدولية في إيجاد لقاح فعال، لا نعلم بالتحديد متى سيصبح متوفرا، ما سيدخل العالم في فترات متتالية، من “الرفع و العمل” بالحجر الصحي، على غرار ما توقعته جامعة “هارفرد”، من استمرار فترة الحجر مرة في السنة، على مدى 3 أشهر إلى حين إيجاد اللقاح، قد تستمر إلى سنة 2022.
من الممكن القول، بأن الأزمة الحالية تنبأ بنهاية “الرأسمالية”، لكن ولنكن واضحين ونحدد عن أية راسمالية نتحدث، بيد أن الأزمة الوبائية الحالية، تبشر ببدء العالم في الانعطاف إلى رأسمالية جديدة، يفضل تسميتها ب”الرأسمالية الرقمية”، تشابه ما توقعه الخبير الاقتصادي الفرنسي “جون فوراستيي”، في كتابه “أمل القرن العشرين الكبير”، والذي يقول فيه “إن التاريخ البشري بسيط، فقد نشأ الإنسان على زراعة الأرض، وبعدها بقرون باشر في زراعة المواد، والآن سيقوم الإنسان بزراعة الإنسان”، يضيف ، أي أن القرن 21 سيمجد الرأسمالية الرقمية، وسيقوم الإنسان فيه بالاستثمار في الإنسان الآخر، و لنخرج من العالم الصناعي، بأمل كبير في آخر المطاف، لكنه حذر من جانب آخر بأن “قطاع الخدمات، لن يولد نموا اقتصاديا”، لأن قيمة الشيء تكمن في الوقت المبذول في توفيره، عبر تحويل الاشخاص إلى “بيانات كبيرة”، يسهل التعامل معها كما نرى بالنسبة ل“التطبيب عن بعد”، ما يحيلنا للقول بأن العالم يتحول إلى فضاء رقمي شاسع ومرقمن بشكل كبير.
بالنسبة للتحديات الضخمة و المستقبلية، التي سيكون على البشرية مواجهتها، ستتمحور في المقام الاول على إعادة تنظيم القطاعات الدولية المتضررة من الجائحة، المرتبطة بشكل مباشر بالاقتصادين المحلي و الدولي، ولا سيما تطوير المنجزات الحالية في مجال “الإقتصاد الرقمي”. من بين التحديات الأخرى، تعزيز القدرة المالية للشعوب، ومنه تدعيم الدول النامية ماليا، خاصة في ازمة تؤثر على قوانين “العرض و الطلب”، التي تحد من قدرة المقاولات الاقتصادية، وتقلل من السيولة المالية الوطنية، ودعم القطاعات العاجزة عن الإنتاج، في ظل التراجع الملحوظ في الناتج الداخلي لعدة دول.
باختصار، وكما نعلم، فإن دولة كإيطاليا، التي عانت من صعوبات ضخمة مع الفيروس المستجد، لن تستطيع تحمل عبء ازمة اقتصادية جديدة، لذا وجب على الاتحاد الاوروبي مساندتها، في الأزمة الشديدة التي قد تمر بها، ففي حالة لم تتحرك اوروبا من أجل إيطاليا، قد نعيش أزمة اقتصادية كالتي عصفت باليونان، ستجبر إيطاليا لا محالة على الخروج من التكتل الأوروبي، ولكي نمنع ذلك يجب على التكتل الأوروبي، أن يستفيد من الظرفية الحالية، ويسرع في شراء القروض الإيطالية.
ينطبق الأمر ذاته، على الدول النامية و تحديدا البلدان الإفريقية، ولما عليها من قروض تتثقل اقتصاداتها المحلية و القارية، عبر الإعداد لآليات اقتصادية تجنب الدول الإفريقية، تبعات الأزمة الاقتصادية لكورونا، من خلال ما يعرف ب”حقوق السحب الخاصة”، التي توفرها الدول المقدمة لتلك النامية، لتحميها من قروض مستقبلية قد تطالب بها. إن البلدان النامية، ستكون الضحية الأكبر للفيروس المستجد، لأن الانتقال إلى “العولمة الجديدة”، سيحطم مصادر نشاطاتها الاقتصادية، وتمويلاتها الدولية (الحوالات المالية من المقيمين بالخارج)، ولن تتمكن من النهوض في أسوأ الحالات مجددا، إلا في حالة تبني نموذج تنموي يشابه “النموذج الياباني”، والذي تبنته عدة دول آسيوية.
انتقل “ميكائيل الزاوي”، إلى فسح المجال، للمهتمين بطرح أسئلتهم حول موضوع الندوة، سواء من المشاركين باللجنة.
*سأل “فؤاد العروي” بخصوص نظرية “إعادة التموقع”، المرتبط بتوجيه الصناعات من بلد صوب الآخر بغية الاستفادة من ربح مالي إضافي؟، يجيب كوهين على السؤال “تتمحور نظرية “إعادة التموقع” حول نقل الصناعات بأنواعها، لا سيما الصناعة التقنية، من البلدان ذات يد عاملة مرتفعة السعر، إلى أخرى بيد عاملة رخيصة، أمر شهده العالم على مر سنوات طويلة مع الصين. إلا أن الأزمة الحالية، أجبرت مجموعة من المصنعين، على البحث في بقاع آسيا، خاصة بالدول المجاورة للصين كالفيتنام و ماليزيا، ما قد يجبر الصين على إعادة توزيع التموقع، بشكل محلي لمواجهة الدول الآسيوية الأخرى. إن “إعادة التموقع”، قد تفيد المغرب، لأن سلاسل الإنتاج البعيدة، قد تصبح أقصر واقرب، خاصة لقربه من البلدان الغنية، ذات الاسواق مهمة و المفتوحة، لكنها ستجعله في منافسة، مع بلدان مشابهة له باوروبا كمثال “رومانيا”، كما قد يستفيد من “إعادة التصنيع” محتملة داخل البلدان الغنية، بالرغم من عدم يقيني ب”عملية” هذه الفكرة.
بالنسبة للابناك المركزية، لاسيما البنك الاوروبي المركزي، سيكون الامر اصعب قليلا، لاسيما ان للبنك المركزي الاوروبي، قوانين صارمة بهذا الخصوص، في حال اختراقها قد تؤثر بالسلب على دول كإيطاليا، التي تعمل على قدم وساق، من اجل ان تجنبها كابوس الإفلاس، عبر شراء ديون إيطاليا إن امكن. نفس الشيء بالنسبة للمغرب، على البنك المركزي المغربي (بنك المغرب)، ان يساند ويدعم الديون الداخلية، مع احترام أهدافها بخصوص التضخم. من جهة أخرى، قد يكون على المغرب، مواجهة تحديات اقتصادية صعبة التسيير لها علاقة ب”المؤشر الاستثماري”، بيد انه و دولة “بوتسوانا”، ليسا تابعين للمؤشر، لأن ولوجه أمر مهم للمغرب، بيد أنه سيمكنه من استقطاب الاستثمارات و القروض المباشرة، قد يمكن المغرب من فتح أبواب التدفقات المالية صوب إفريقيا، لذلك يجب التفكير بجدية في هذه المسألة، لكي تتجنب دول كالمغرب، التبعات الاقتصادية للأزمة الحالية.
بالنسبة للتساؤل الثاني، المتعلق بكيفية الاستغلال الجيد لل”ممتلكات الإفريقية المشتركة”، والنموذج العالمي الجديد… أجاب دانييل كوهن بأن الأزمة تفتح النقاش لدى السوسيولوجيين، بخصوص الطرق الناجعة لمجابهة الأزمة، شيء ما قد يشبه “التقسيم الثلاثي للنماذج”، المستندة على الدولة أو القطاع الخاص أو كليهما، إلا أن الدولة كمثال فرنسا، تتحرك وفق السعة الاستيعابية للمستشفيات، والباقي في مهب الريح، يختلف الأمر بالنسبة لدولة كالسويد، إلا أن النماذج المعول عليها، لمواجهة الأزمة ستعتمد على “النماذج التقنية”، كعمليات الفحص على نطاق واسع للبحث عن المرضى المحتملين، سواء كما قامت به الفيتنام او جوجل تقنيا، لكن الاساس يكمن في دمج التقنيتين معا، وإشراك المؤسسات العمومية الاخرى (الجامعات)، او البنوك المركزية كحال البنك المركزي الاوروبي، لتطوير خط دفاعي موحد و قوي. أخيرا، من الضروري إلقاء نظرة متفحصة، على القطاعات التي ستعاني الأمرين، للعودة لسابق عهدها قبل الجائحة، مثل خدمات الفنادق و المقاهي و المطاعم وغيرها، المتبنية لنظام “الإيصال إلى المنزل” ك”أوبر إيت” و “امازون برايم”…، التي تعتمد على الخدمات السابقة لما توفره من مصاريف، تضاف إلى أرباحها المالية، وتحطم من الجهة الأخرى المنافسة السوقية، وتحرم المتاجر الصغيرة من حصة سوقية مهمة، والتي ستصعب عليها العودة بعد الأزمة إن لم تغير من نظرتها المستقبلية.
انتقلت دفة الحوار، إلى محمد لوليشكي، الذي حاول الإجابة عن التساؤل بخصوص ، تنوع الشراكات الخارجية للمغرب، حيث قال إن المغرب حاول أن يبقى “محايدا” بطريقته الخاصة، ولكن دون أن يلتزم الجمود في المشاركة السياسية الدولية، حتى في علاقته مع الصين و الولايات المتحدة، معترفا بكلتا الدولتين و استقلالهما، لكي يتمكن من الحفاظ على حرية حركته الجيو-سياسية الدولية. بالنسبة للسؤال الثاني، حول “الاعتماد على الذات” الإفريقي، يقول ان إفريقيا تبحث عن الاعتماد على ذاتها، لما فيه من منفعة لها على عدة مستويات، إلا أن هذا الطريق مليء بالعقبات، خاصة المجالية بين بعض دولها غير المستقرة، كما تعتمد ومازالت على المساعدات الخارجية، إلا أن نموذج التعاون المغربي “جنوب-جنوب”، قد نأى بنفسه عن بقية نماذج التعاون، لما قدمه من سيولة و سهولة، في التوصل للقرارات المصيرية بين الدول الأعضاء.
ذكر “ميغيل موراتينوس”، في خضم مشاركته، بضرورة التفكير خارج الصندوق، حول الريادة العالمية الاستثنائية، المخصصة لدولة واحدة فقط، كحال الولايات المتحدة حاليا، “طارحا الفكرة حول توفير قيادة أو ريادة عالمية مشتركة بين بضعة دول”، ستمكن مواطني العالم، من التوفر على إجابات سريعة و وافية لأسئلتهم. ابان ميغيل موراتينوس، عن رغبته في الثورة على الافكار الحالية، باعتباره مواطنا عالميا، خصيصا حول العلاقات الدولية الافتراضية، التي تقتل العلاقات البشرية الحقيقية. ذكر أيضا، بان الاقتصاد الرقمي، ليس هو حجر الاساس، لبناء اقتصاد عالمي جديد، لأنه لا يزال يعتمد على الاقتصاد الحقيقي الملموس، وهنا بحسبه يأتي دور الدولة و الديمقراطيات، في تمكين المواطنين من إقرار مصيرهم، و في التأسيس لنموذج تنوي عالمي جديد، بعيدا عن سياسة “الاخ الاكبر”، يعتمد على التضامن العالمي الحقيقي في جميع المجالات. بالنسبة للتساؤل حول “الحرب العالمية الثالثة”، أجاب ميغيل موراتينوس بسخرية “بأننا لا نحتاج لحرب عالمية ثالثة، ما دمنا نعيش حربا ثالثة بالفعل!. إننا نعيش ما قد يبدو كحرب عالمية ثالثة، ليست مشابهة للحروب الأخرى. علينا بالعكس أن نعيد التفكير في الميزانية العسكرية، وأن نوجهها لمن هم قادرون على مواجهة الفيروس، أي للمقاتلين من الأطباء و الباحثين والأطر العاملة في المجال”. يعتقد أيضا، بأن للأزمة الوبائية العالمية، آثارها العديدة على الحكامة المغربية. على تكتل “المغرب العربي”، أن يعزز علاقاته الإقليمية بين الدول المكونة له، وأن الوقت مناسب لحل المشاكل الإقليمية بين دوله، لاسيما ما يتعلق بمشكل “الصحراء المغربية”، إذ على “المغرب العربي” الجديد، أن يقوي أواصر العلاقات مع دول المنطقة المتوسطية، وعلى الدول الاوروبية أن تقوي علاقتها بالمغرب العربي، متسائلا عن جدوى طلب مادة “الباراسيتامول” الصينية، في حين كان يمكن الاستعانة بالخبرة الصيدلية المغربية للحصول عليها!، مع ان سلاسل الإنتاج المغاربية اقرب و أئمن من نظيرتها الصينية.
انتقل الحديث، إلى يوسف العمراني، الذي أجاب بعجالة عن السؤال حول “السياسة الخارجية الدفاعية للمغرب”، مجيبا بأن الشراكة الخارجية تعتبر من ركائز التعاملات الخارجية السياسية للمغرب، وان التنوع الطارئ بها أساسه التحركات الحكيمة للمملكة، وقد تخالف هذه الفكرة بشكل بسيط، ما أجاب به محمد لوليشكي مسبقا، رافضين ان نعرض علاقاتنا الاوروبية و الامريكية للخطر، ملتزمين الحياد بين الكيانيين الدولين من ناحية المبادلات التجارية، إلا ان المغرب بقي منفتحا على الفرص المقدمة له، لاسيما ان إفريقيا تمثل للمغرب اليوم، فرصة مهمة في مجال التبادلات المجالية الاقتصادية، بالرغم من ان القارة السمراء، قد تعاني الامرين بعد ازمة كورونا، لإيجاد استثمارات مالية جديدة، او استقطاب اخرى لمواصلة بناء إفريقيا، هنا ياتي دور المغرب، لاقتناص الفرصة وتعزيز دوره القيادي، عبر التوجيهات الملكية السامية. بالنسبة للعلاقة بين المغرب و اوروبا، والتي هي أساسية ومهمة بالنسبة للمغرب، خصوصا مع دول الاورو-متوسطية، لانها ستدعم مساعينا لإثبات جدارتنا الصناعية، وفي سلاسل الإنتاج المحلية، التي ستجعل اوروبا تفكر في إفريقيا و تتخلى ربما عن التنين الصيني تدريجيا. في ما يخص العلاقة مع دول المغرب العربي، لانها فرصة لبناء علاقات إقليمية جديدة، عملية و نافعة لكلا الطرفين المغربي و الجزائري، وان الحل يمكن الوصول إليه بخصوص الصحراء، ما دمنا قادرين على تكوين علاقات إقتصادية مجالية و قوية، في النطاق المغاربي للبلدان الخمسة، معتمدين على 3 نقاط اساسية تكمن في “النظرة المستقبلية” و “القيادة الإفريقية” و “الالتزام” بتطبيق ما فيه منفعة لإفريقيا وللجميع.
في الأخير، شكر شكيب بنموسى، الحاضرين من المحاورين في الندوة، على مشاركتهم لآرائهم القيمة و العقلانية والغنية، التي أثرت النقاش حول النموذج التنموي الجديد، ومؤكدا على إلزامية الإستعانة بها كمرجعيات أساسية لهذه الفترة، كما رغب في تلخيص ما سجله من نقاط، بخصوص ما جاء في هذه الندوة. أول نقطة تعلقت باستمرارية الأزمة الحالية، وان ملامح العالم الجديد بدأت ترسم وتلاحظ، وان العالم سيبحث عن قيادة مشتركة محتملة. ثاني نقطة تتعلق بالعلاقات الاجتماعية الدولية، والارتباط الدولي بين الدول، وأن عالم اليوم يرتكز على القرب الإقليمي أكثر من الدولي، وان النموذج المشتغل عليه بالمغرب، يركز على هذه النقط. ثالث نقطة، ترتبط بالتعقيدات العالمية، وبمشاعر التيه الشعبوية، وان الرغبة في إيجاد قبس نور دولي، ستغلب على التحركات الدولية المستقبلية. رابع نقطة أشارت إلى وجود فرص يجب اقتناصها، مرتبطة بالتحركات الدولية ما بعد الأزمة، و أيضا بالتعاون المغاربي و الإفريقي، خصوصا في التعاون “جنوب-جنوب”، ومع أوروبا في علاقاتنا الاقتصادية بها، لذلك علينا النظر إلى المستقبل، وتحديد أولوياتنا بالنسبة لهذه الملفات.