لطيفة التّاقي تصرخ في وجه الذّكور :«لِمَ لستم مثل أبي…!»

صدرت للكاتبة المغربية لطيفة التاقي ـ عن مؤسسة الموجة الثّقافية ـ رواية (الطّبيب الجلاد) في ثلاث وتسعين صفحة من القطع الصغير.
غلاف الرواية رسم يُظهر رجلا يلبس وزرة الطبيب، يضع نظارة سميكةوسمّاعة، أحدُ طرفي السّماعة على أذنه، بينما يحملُ بيده اليُمنىالطّرف الآخرَ.تقف في مواجهته امرأة تفوقه طولا، امرأة عليها علامات الأناقة والدّهشة، وكأنها تعود برأسها إلى الخلف وهي تنظرُ إلى ذلك الشيء الغريب الذي يحمله الطّبيب: نظارتين معلّقتين بطرف السماعة الأخر.
تُوطّن الكاتبةُ للفجيعة مكانها، وتُعلنُ مُسبقا أنّ أطوار القبح القادمِ تدور رحاهُ في مكان باذخ الجمال.مكان كانَ جميلا قبل أنْ تمتدّ إليه يدُ التخريب، كما سيُذكرُ في الرواية لاحقا، فلم تتبقّ غير الذاكرة معينا لكل جميل.
أمام ناظري جبل (تاصمّيت) تدور رحى النزال الذي يجمعُ (سماح)الشخصية الرئيسة في الرّوايةوكتيبة من الذكور. (تاصميت) هو الجبل الذي تتوسّده مدينة بني ملال (سيُفصَح عنِ اسم المدينة في الصّفحة 56)، يحضنُ المدينة وكانّه أبٌ لها، يُربّتُ على أكتاف أبنائها كلمّاضاقت بهم الأرض.
«أيّها الذّكوريون! لمَ لستم مثلَ آبائكم الكرام، لِمَ أنتم قُساةٌ جُفاةٌ، تعيثون في الأنثى عسفا وظلما وتعقيما، !؟» هكذا ودِدتْ سماحُ لو تصيحُ في وجه هذا العالم الذّكوريّ القبيح القاسي.
أحداث الرّواية بسيطة تتنامى ببطء شديد (الحال المنطلقُ ثم الحلم بالخصب والإزهارُ فالفجيعة والنّدبة).(سماح) «بطلة» الرواية امرأة حالمة بالحبّ والجمال (يصفها الساردُ بالفراشة)،وحيدةٌ عزلاء تواجه تقلّبات الحياة وصروفها (تُنسبُ تلك الصّروف إلى القَدر طيلة الرّواية)، وتواجه الذّكرَ الشّرير متعدّد الشّكل والصّورة، الذكرُ الذي يسومها هضما وقهرا في البيت، الذّكرُ الذي حال بينها وبين الخصب والإنتاج، وهو الذّكر المتواطئ الذي عزّها في الخطاب، فضاعَ حقُّها سرَبا بين الرّدهات.
تحاول الكاتبة لطيفة التّاقي أن تثأر لبطلتها (لنفسها) بالحكي، باللغة، بالتّعبير، بالبوح العمومي، لعلّ ذلك يَشفي غليلها أو يخفف من وطأة الألم النّازل. والألمُ النّازل هنا شديد الوقع بالغ التدمير، فمن تكون الأنثى من غير «رّحِمها».
إنّ حجم المأساة في الرّواية كبير مضاعفٌ، أكبرُ من أن تلوذ صاحبتُه بالصّمت والانزواء. ففي مقابل الكرامة، تُمتهن ُ المرأة وينكّل بها زوج شرهٌ بخيلٌ مستحوذ، وفي مقابل الخِصب يُقابل الرّحمُ بالتعقيم و”التيئيس» المُبكّر، وفي مقابل العدل يأتي التسويف والغمط. قهرٌ ثلاثيُ الأطراف يحوط بالأنثى الحالمة، إنها أشبهُ “بليلى” وهي تواجه “ذئبا” بأوجه ثلاثة.
ترفعُ لطيفة التاقي في هذه الرواية راية التحذير والاستنجاد، تصرخُ وتستصرخ، وتقول للنّاس ضاع حق “سماح” رفسا بين المبضع والمشرط، وبين الملفّات وأدوات الإثبات التي لم تُدن أحدا.
بهذا الحكي “الصّارخ” تقول الكاتبة إنّ الأخطاء ليست سواء، وأنّ شرّ هذه الأخطاء ذلك الذي يحوّل الأرض جُرزا يبابا محترقة، فليس أشد على البشر جميعا إناثهم وذكورهم من المَحل والجدب والقفر (كلّ اليقين في الله بأنّه سيفعلُ بي ما يريد، أضعفه أنّني سأنتهي منَ الآلام المتكررة والتي تقسمُ ظهري وبطني. ناهيك عن نفسيتي كامرأةٍ يخرجُ حيضُها من ثدييها) (ص 69).
وبين الزوج الطّاغية، الزوج “الحارث” افتراضا، والطّبيب “مانع” البذرة من التبرعم، يُتلاعبُ بالسّيدة “سماح”، بعد أنْ ينكّل بها “الرجل”/ الذكر تنكيلا ويصدّها صدّا عنيفا تفلس بعدها كل معاني المودّة والسكينة (آهٍ من عناء السّفر، ومن كثرة الفحوصات المؤلمة والتي أدّت بسماح إلى النّفور من كلّ قضيب عضويّ أو حديديّ سواءٌ للفحص أو الاستمتاع) (ص34). هل بقي شيء.؟!


الكاتب : عبد الحكيم برنوص

  

بتاريخ : 04/09/2024