على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
تعد قلعة بران، الواقعة في رومانيا، واحدة من أشهر المعالم السياحية في العالم بسبب ارتباطها الوثيق بأسطورة دراكولا، وتاريخها الطويل والمثير. تقع في منطقة ترانسيلفانيا، وهي واحدة من الوجهات الأكثر شهرة في الثقافة الشعبية. فإلى جانب كونها معلما تاريخيا، يُعتقد أن قلعة بران هي مكان ذو طابع غامض ومعروف بوجود العديد من الظواهر الخارقة التي أسرت خيال الزوار على مر العصور
تم بناء قلعة بران في القرن الرابع عشر، وتحديدا في عام 1377، بأمر من الملك لويس الأول ملك هنغاريا، وذلك بهدف تأمين الحدود ضد الغزاة. أما شهرتها فقد ارتبطت أولا بالكاتب الأيرلندي برام ستوكر الذي ألف روايته الشهيرة «دراكولا» في عام 1897، حيث ربط العديد من الناس بين قلعة بران وقصة دراكولا، رغم أن القلعة لم تكن في الواقع مسكنا للكونت دراكولا الحقيقي (فامبري) في التاريخ، لكنها أصبحت رمزا في الأدب والفن للشرور الخارقة.
لقد أصبحت قلعة بران محط اهتمام العديد من الباحثين في الظواهر الخارقة والمغامرين الباحثين عن الماورائيات. وهناك العديد من القصص التي تحكي عن ظهور أشباح وأصوات غريبة، فضلا عن تجارب روحية لا يمكن تفسيرها. من أشهر الظواهر الخارقة التي ارتبطت بالقلعة:
أشباح الفرسان والمجندين القدامى، ويقال بأن بعض الزوار شعروا بوجود كيانات غير مرئية، سواء كانوا جنودا قدامى أو فرسانا من العصور الوسطى، يواصلون حراسة القلعة حتى بعد وفاتهم.
الأنوار الغامضة، حيث أن بعض الزوار أكدوا أنهم رأوا أنوارا غريبة تطوف حول أسوار القلعة في الليل، وهو ما يُعتقد أنه ظواهر غير طبيعية مرتبطة بالطاقة الماورائية.
الضوضاء الغريبة والأصوات مثل صرير الأبواب وصدح الأجراس المجهولة التي لا يستطيع أحد تحديد مصدرها، والتي أصبحت جزءا من الأساطير المحيطة بالقلعة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت قلعة بران على مر العصور، العديد من الحوادث التي تُعد غامضة أو خارقة للطبيعة، ومن بينها :
في منتصف القرن العشرين كان هناك العديد من الأشخاص الذين زاروا القلعة في فترات مختلفة وزعموا أنهم شعروا بدوار مفاجئ أو فقدان للوعي بمجرد دخولهم إلى بعض الغرف المعينة في القلعة، وبعضهم تحدث عن رؤية كائنات غريبة أو ظلال تتحرك.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، انتشرت قصة شهيرة عن سائح اختفى أثناء استكشاف القلعة، رغم أنه كان برفقة مجموعة من الناس. وبعد عدة أيام من البحث، تم العثور عليه في أحد الأبراج مع تغييرات غريبة في ملامحه.
في وقت من الأوقات، كانت قلعة بران تحتفل بعيد الهالوين بحفلات تنكرية، حيث يرتدي الزوار زي دراكولا والمخلوقات الخيالية. ولكن في بعض الأحيان، زعم البعض أن الأجواء في تلك الليالي تنطوي على شيء غريب أو غير مريح، مما جعلها تكتسب طابعا أكثر غموضا.
ألهمت قلعة بران العديد من الكتاب والفنانين، ومن أهم الأعمال حولها ، «دراكولا» لبرام ستوكر، فعلى الرغم من أن القلعة لم تكن منزل دراكولا الحقيقي، فإنها كانت مصدر إلهام كبير لبرام ستوكر في كتابة روايته الشهيرة. تحتوي الرواية على العديد من الإشارات إلى القلاع الشرقية الغامضة، ومنها قلعة بران، في تصويرها لكائنات مصاصي الدماء.
وهناك كتب أخرى لعديد من المؤلفين الآخرين تأثروا بقصة دراكولا وقلعة بران في أعمالهم الأدبية، مثل «المصور» لستيفن كينغ الذي كتب عن كائنات خارقة تعيش في أماكن مثل القلعة.
فنيا، أنتجت العديد من الأفلام والمسلسلات المستلهمة من قلعة بران، فقد لعبت قلعة بران دورا بارزا في العديد من هذه الأعمال التي تناولت الأساطير المتعلقة بالمصاصين والأرواح الشريرة، ومن بين أشهر الأفلام التي استلهمت من قلعة بران: فيلم «دراكولا» (1931) وهو أحد أشهر الأفلام التي استلهمت من رواية برام ستوكر الشهيرة، وأخرجه تود براوينغ، ويعد من أقدم الأفلام التي جعلت من قلعة بران رمزا لموطن دراكولا.
فيلم «الدماء الأخيرة» (1995) ويعرض قصة معركة بين مصاصي الدماء والإنسان، وتتم العديد من الأحداث في قلعة مشابهة لقلعة بران، مع تصوير الأجواء الغامضة والتاريخ المظلم.
مسلسل «دراكولا» (2020)، وهو من إنتاج شبكة بي بي سي، هذا المسلسل كان بمثابة إعادة تأويل لقصة دراكولا الكلاسيكية، حيث تم تصوير مشاهد منه في أماكن مشابهة لقلعة بران، كما عُرضت مشاهد تحتوي على العديد من الظواهر الخارقة.
ولا تزال قلعة بران، بموقعها الاستراتيجي وتاريخها المثير، منبعا للقصص والأساطير التي تغذي الخيال البشري، سواء كانت ظواهر خارقة أو أحداث غامضة، وتظل رمزا للغموض والفزع، ووجهة للمسافرين الذين يبحثون عن المغامرة والإثارة.
وعلى الرغم من تاريخها المثير، تُعد قلعة بران اليوم واحدة من الوجهات السياحية المفضلة لمحبي الأساطير والظواهر الخارقة، وهناك العديد من الجولات التي تُنظم لتسليط الضوء على تاريخ القلعة وأساطيرها، حيث يمكن للزوار استكشاف أبراجها المظلمة والغرف المليئة بالغموض.