انطلقت أشغال اليوم الدراسي بمعهد الموافقة لتدريس اللاهوت في موضوع: «دور أرشيڤات الجماعات الدينية في الحفاظ على الذاكرة وبناء التنوع»، بالرباط يوم الثلاثاء 23 يناير 2024.
افتتح هذا اليوم الدراسي بكلمة ترحيبية من الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو من أسقفية الرباط وسيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الطائفة الإسرائيلية (اليهودية( بالمغرب وممثل عن مؤسسة USAID وكالة الولايات المتحدة للتنمية الخارجية، وأجمعت كلمات الافتتاح على الإشادة بمختلف المظاهر القائمة على التسامح والتعايش الديني للمملكة المغربية، والتي تستمد روحها ومنطوقها من التوجيهات الملكية نظرا لما تحظى به من عناية ورعاية ملكية سامية إضافة إلى حرص وتعاون الجهات المعنية من مؤسسات دينية مختلفة وحلفاء سياسيين من المغاربة ومن الأجانب على حد سواء.
وانطلقت أشغال اليوم الدراسي بندوة تمحور موضوعها حول تقديم لأهمية الأرشيڤات الدينية في الحفاظ على الذاكرة ونقلها ، وشارك في هذه الندوة كل من الدكتورة سيمون مرجان-ؤوحنا، دكتورة علوم الأديان وأنظمة التفكير وعضو مجلس الإدارة والمجلس العلمي للهيئة الفرنسية للأرشيڤات اليهودية، والپروفيسور يوسف الكلام من مؤسسة دار الحديث الحسنية، والمونسنيور أوسكار إيون إيون، المستشار-المؤرشِف بالرعية الرئيسية للرباط، ونسق أشغال هذه الندوة الپروفيسور عبد الرحمن غريوة عن دار الحديث الحسنية.
في مستهل الندوة: عرضت الدكتورة سيمون مرجان- ؤوحنا ـ أصالة وعراقة المكون اليهودي العبري بالمملكة المغربية، وذلك عبر ذكر بعض العلامات التاريخية المسجلة في هذا الأمر ومن أبرزها إحدى اللقى الأثرية بمدينة وليلي لما قبل الميلاد والتي تؤرخ لحاخام اسمه ربي يهودا، وكما عرجت الدكتورة أيضا على بعض المحطات التي كانت من مساهمة اليهود المغاربة في إغناء ذاكرة الجمعية بأرشيڤات صمدت ليومنا هذا وأيضا إسهاماتهم الكبيرة المتمثلة والمتجلية في إدخال أول مطبعة حديثة للمغرب سنة 1867.
وبعدها تحدث الپروفيسور يوسف الكلام عن بعض المخطوطات الخاصة بالفتاوى والنوازل التي تؤرخ لتغير الفكر الديني الفقهي الإسلامي المغربي عبر التاريخ مشيرا إلى بعض الفتاوى المتعلقة بعلاقة المسلمين مع أهل الكتاب آنذاك إضافة لمواضيع أخرى كعمل المرأة وغيرها.
وكما اختتمت المداخلات بمداخلة المونسينيور أوسكار إيون بسرد أهم منجزات قسم الأرشيڤ بكنيسة الرباط الكاثوليكية وأيضا بالكاميرون وكنائس أخرى كاثوليكية بالمغرب، وليفتح باب النقاش من طرف الحضور حول نفس المحور.
وفي الحصة الثانية، من برنامج اليوم الدراسي، ركز النقاش على موضوع الحفاظ على الأرشيڤ وترميمه بما في ذلك مظاهر الثقافة المادية، بمساهمة كل من أسقف مدينة الرباط الأب: دانييل نوريسا وإدريس الشلواتي، عن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وزهور رحيحل، أمينة المتحف اليهودي بالدار البيضاء، وعبد الرحيم كاسو، المهندس المعماري والمناضل في مجال الترميم، ونسق أشغال هذه الحصة من النقاش الدكتور إدريس خروز.
واستعرض الأب دانييل لمحطات من تاريخ تأسيس الأرشيڤ الكنسي الخاص بالكنيسة الكاثوليكية بالمغرب بصفة عامة وبالرباط خاصة، حيث ذكر أعلاما في هذا المجال من قبيل الأب الأسقف Le Fèvre الذي كان أيضا سفير المقعد الرسولي بالمغرب في الخمسينيات ومؤسس ديري تومليلين وئيقبابن اللذين كانا معلمتين في مجال البحث اللاهوتي والأرشڤة الدينية بالمغرب، وكما تطرق إدريس الشلواتي لمحطات من تاريخ المكتبة الوطنية التي كانت بداية خزانة للأرشفة والبحث قبل أن يتم فصلها لتصبح مؤسستين هما المكتبة الوطنية وأرشيف المغرب، وأكد الشلواتي على أهمية الجهود المبذولة لجعلها متاحة للجميع، كما تحدث عن التقنيات المستخدمة في المكتبة للحفاظ عليها وكذا ترميم المخطوطات العتيقة وما تحمله من قيمة علمية وتاريخية .
من جهتها قدمت زهور رحيحل عرضا بصريا يتعلق بتاريخ المؤسسة الوطنية للتراث اليهودي والتي تعتني بتحفيظه وكذلك مرحلة تأسيس المتحف اليهودي بالدار البيضاء، وعن الرعاية الملكية لعمليات ترميم البيع والمقابر والأضرحة اليهودية التي تفوق 600 موقع مع عرض أمثلة بصرية عن كل فئة وفي كل منطقة من ربوع المملكة في مدنها كما في قراها، مشيرة إلى التقليد الأصيل المحلي لليهود الأمازيغ في التدين اليهودي والمسمى «توشاڤيم» والذي يميزهم عن اليهود الصفارديم (الأندلسيين).
وانسجاما مع ما سبق قام المهندس المعماري عبد الرحيم كاسو، وهو الذي عمل مع زهور رحيحل على ترميم بعض المآثر اليهودية، بعرض مادة بصرية تحدث فيها عن مشاريع الترميم من إسلامية ومسيحية ومن أبرزها كاتدرائية القلب المقدس بالدار البيضاء، وكذا مسجد تينمل وأنه الآن ستتم عملية ترميم جديدة له بعد ما تضرر من زلزال الحوز، وهنا أكد المهندس المعماري على أهمية الاستعانة بالبحث الميداني والعلمي وكذا الخبرة المحلية وشهادات من أجل إنجاز الترميم بشكل أمين ورصين.