للسنة الخامسة على التوالي .. صالون «ألعيوض الثقافي» يحول قرية صغيرة هادئة إلى مزار للفنانين والمثقفين

في مبادرة ذاتية وغيرة على الفن والثقافة والتراث المحلي،استطاع الفاعل الجمعوي والمثقف العضوي الأستاذ والدكتورخالد ألعيوض أن يخلق الاستثناء بقريته الصغيرة الهادئة أولاد ميمون، بإنشاء صالون أدبي وثقافي متميز،أبى إلا أن يطلق عليه بالأمازيغية إسم (زاويت ن تاوسنا)أي زاوية اللقاء والتواصل بين الفنانين والمثقفين والطلبة الجامعيين…
وأصبح هذا الصالون في ظرف وجيز، ومنذ تأسيسه، مزارا يحج إليه كافة المثقفين والفنانين والموسيقيين على اختلاف مشاربهم و ألوانهم سواء باللغة الأمازيغية أو العربية أو الأجنبية، بل صار نقطة مضيئة في سماء قرية صغيرة هادئة وإشعاعا ثقافيا وفنيا قل نظيره بجهة سوس ماسة نظرا لمستوى الأنشطة التي تجرى بهذا الفضاء الاستثنائي.بل حول قرية أولاد ميمون بجماعة سيدي بيبي بإقليم اشتوكة أيت باها إلى مزار لكل من يقصد هذا الفضاء، سواء من داخل الجهة أو خارجها،بعد أن حول صاحبه هذا الصالون الآن إلى فضاء مفتوح في وجه الجمعيات المختلفة والطلبة الجامعيين الذين يختارون الصالون لتنظيم أنشطتهم العلمية والاجتماعية من حين لآخر.
وكانت فكرة تأسيس صالون ثقافي وفني بهذه القرية قد انبثقت،كما صرح بذلك الأستاذ خالد ألعيوض لوسائل الإعلام، حينما راوده مقترح”تحويل بيت العائلة، بيت جدي الطالب سيدي محمد أوبراهيم،كما تعرفه البيوت القديمة، هذا البيت الذي بقي مهجورا لسنوات طويلة، وأنا مهووس بالتاريخ،أحب التاريخ وأشتغل دوما على مخازن (إكودار) بسوس ،فقلت لماذا لا أرمم تراث العائلة أولا؟ فكان هذا هو المنطق،فطلبت من الأب ومن الأسرة بأن أتكفل بهذه المعلمة، ثم بدأت في إصلاحها وترميمها حتى أصبحت مكانا لتجميع أفراد العائلة أولا في المناسبات،كالأعياد وغيره”.
واستطرد كلامه بقوله:” بعد مدة راودتني فكرة ثانية دفعتني إلى جمع الكتب،خاصة أن الوالد رحمه الله كانت لديه خزانة قيمة، فقمت بجمعها وترتيبها لتكون أيضا رهن إشارة العموم،فكان هذا المنطق الذي تم بالحمد لله فجمعت كل الكتب،ولدي اليوم خزانة كبيرة جدا،تتضمن عددا كبيرا من الكتب النادرة التي أشتغل الآن على تصنيفها لتصبح مستقبلا مفتوحة للعموم بمن فيهم الباحثين فكانت إذن هذه هي المنطلقات الأولى لإنشاء هذا الصالون الثقافي”.
“لكن لما فتحت هذا المُنشأة في وجه العموم الذي انبهر لهندسة المكان ولطريقة البناء التي اتبعتها،يقول ألعيوض،”بحيث صارت تستهوي الأصدقاء فبدأوا يزورون هذا الفضاء، وبعدها شرعوا في تنظيم الجلسات الثقافية،حيث تم تقديم أشرطة سينمائية وتوقيع كتب ثقافية وإبداعية مختلفة سواء في مجال الفن أوالموسيقى أو التاريخ …وهكذا نضجت الفكرة لتتحول في ما بعد إلى تأسيس صالون ثقافي،فقلنا في أنفسنا لما لا نجعل منزل جدي رحمه الله فضاء ثقافيا، فانطلقت فكرة خلق صالون ألعيوض الثقافي ليشرع في تنظيم أنشطة ثقافية مميزة”.
وأضاف ألعيوض”أنا اليوم أستغرب كثيرا للحصيلة الحالية،ذلك أن الصالون احتضن أكثر من 50 نشاطا في سنة واحدة،وهذا رقم قياسي لم تصله حتى الفضاءات الثقافية الرسمية والعمومية،ولحد الآن يُسيّرالصالون بطريقة جمعوية،بحيث تتم البرمجة لتنظيم أي نشاط ثقافي بشكل مجاني وتلقائي وعفوي،وهكذا ما أسميه فضاء للتسيير الذاتي (un espace autogéré )ونعني به فضاء ينظم ذاته بذاته مع الآخرين،وهذا ما أردته منذ البداية».
أما عن اختيار اسم(زاويت ن تاوسنا)،فيؤكد الأستاذ ألعيوض أنه»أثناء تنظيم أحد الأنشطة اتفق أصدقاء الصالون على تغيير اسمه، فكانت الوثيقة التي وقعها الجميع ليصبح الاسم الجديد هو»زاويت ن تاوسنا»والسؤال المطروح هو لماذا زاوية للثقافة؟لأن الزاوية لدى الصوفية هي الراحة والسكينة لطلب العلم أيضا،وللإطعام في الوقت ذاته وكلمة «تاوسنا»تعني بالأمازيغية الثقافة،لذلك جعلنا هذا الفضاء زاوية ثقافية،لكنها زاوية لا تنتمي إلى الحركة الصوفية بل زوارها هم المثقفون المغاربة بكل بساطة».
و»أردنا كذلك أن نخرج من اسم صالونات النخبة المعروفة سواء بالمغرب أوالمشرق، بحيث جعلناه صالونا بعيدا على النخبوية لأنه مفتوح للجميع ولجميع الطبقات والفئات، فهو يقدم أنشطة للطفل وللمرأة وللصحافيين ولرجال التعليم،وللأساتذة الجامعيين والباحثين والفنانين …إنه بكل اختصار زاوية بهذا المفهوم ونعني به فضاء يلجه ويقصده الجميع».
هذا ويعتبر الدكتور خالد ألعيوض مدرسة قائمة الذات ولاسيما في العمل الجمعوي والثقافي بسوس، زيادة على عمله المهني في قطاع التعليم،حيث راكم في العمل الميداني الجمعوي والتربوي عدة تجارب ناجحة ومهمة طوال 30 سنة.وكانت له أيضا إسهامات كثيرة في تأطير التعاونيات النسائية وفي إنجاز أبحاث عن التراث المحلي بسوس من أبرزها أبحاثه الأولى عن المخازن الجماعية بالأطلس الصغير الغربي في هذا الشأن، شارك في إنجاز12 برنامجا تلفزيا بمختلف القنوات المغربية والعربية والتركية حول هذا الموروث المغربي»إكودار»، وقدم محاضرات ونظم معارض للصور عن هذه المخازن الجماعية بسوس بكل من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا.
هذا ويعد الأستاذ ألعيوض من مؤسسي التجربة الجمعوية القروية بسوس منذ 1993 والتي اشتهرت آنذاك بالبحث عن حلول للإختلالات الموروثة والمتسببة في تهميش العالم القروي بإقليم اشتوكة أيت باها لأنه كان يعاني سابقا من خصاص كبير في الطرقات والمسالك والماء الشروب والكهرباء، فضلا عن البحث عن حلول ناجعة لمحاربة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات ومنه تم اقتراح فكرة إحداث النقل المدرسي في الوسط القروي،وغيرها من التجارب الجمعوية التي أصبحت في ما بعد معممة على المستوى الوطني.
وبدأ ألعيوض مساره المهني في قطاع التعليم بمدينة الصويرة سنة 1988،وبعدها تعلم الأبجديات الأولى للظاهرة الجمعوية الجديدة في المغرب سنة 1993-1997،حيث ساهم في تأسيس جمعيات القرب أوما يسمى حاليا بالجمعيات التنموية التي أصبحت اليوم تجارب رائدة،فساهم في تأسيس تجربة»جمعية أولاد ميمون للتنمية والتعاون»،والتي أصبحت هي الأخرى مدرسة وطنية يتعلم منها الجميع في مجال فك العزلة عن العالم القروي بتزويد ساكنته بالماء الصالح للشرب والكهرباء القروية.لكن مع المدة انتقل في مساره الجمعوي إلى الشق الثقافي ، حيث كان وراء تأسيس مهرجانات ثقافية وفنية بقريته من أبرزها مهرجان الربيع الأول سنة 1997 ثم المساهمة في تأسيس جمعية تيويزي المشهورة بتجاربها التنموية في الموسم 2000/2001.


الكاتب : عبد اللطيف الكامل

  

بتاريخ : 12/11/2022