مما لا جدال فيه، أن معاناة حواضرنا من اكتظاظ وجريمة وخصاص في ضروريات الحياة من تعليم وصحة وسكن، مصدرها معاناة بوادينا المتخلى عنها عمليا، رغم التصريحات التي توحي في مضامينها بأن المسؤولين قرروا إعادة النظر في التهميش الذي يعاني منه المجال القروي، كلما تعلق الأمر بضروريات الحياة المشار إليها من تعليم وصحة وماء والوقاية من الكوارث الطبيعية كالتي جرفت البشر والبقر في «اجوكاك»، وفي «تيزيرت» بإقليم تارودانت وفي جهات أخرى .
تعودت التذكير، ولو مرة أو مرتين في السنة، بمعاناة ساكنة إقليم تارودانت الشاسع، 82 جماعة قروية فقيرة وسبع بلديات تتوفر على موارد لابأس بها.
جماعات قروية عديدة ، و رغم مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ما زالت تعاني من نقائص، في التعليم والصحة والماء الشروب، مما أرغم الساكنة على الهجرة الكلية بعد الجزئية، حاملين منازلهم في قلوبهم أينما حلوا وارتحلوا، حيث يرعون بتآزرهم اللوز وأركان ، وبتعاضدهم يرعون مصالح الساكنة بواسطة اللقاءات اليومية في المواقع الافتراضية وبواسطة العمل الجمعوي التعاضدي الجاد.
لنأخذ كنموذج الجماعات الثلاث : جماعة والقاضي، جماعة النحيت و جماعة تيسفان، منذ التقسيم الجماعي 1992 وهي تطالب ببناء إعدادية وداخلية بوالقاضي لأبناء وبنات هذه الجماعات، خاصة وجماعة النحيت ومنذ ست سنوات تتوفر على المدرسة الجماعاتية، كما تتوفر على النقل المدرسي لمائتين وسبعين تلميذا وتلميذة.
كما تتوفر الجماعتان «والقاضي وتيسفان» على نفس العدد فأكثر لكل منهما، وللتذكير تبرع أحد المحسنين بوعاء عقاري لبناء الإعدادية المشار إليها – عبارة عن هكتارين – حفظه وسلمه لمديرية التعليم بتارودانت، أضف إلى هذا، كون رؤساء الجماعات الثلاث عقدوا شراكة مع المدير الإقليمي للتعليم وكون المجتمع المدني لجنة سداسية مساعدة تقوم بالاتصال بالجهات المسؤولة ، مع العلم أن مجلس جماعة النحيت طرح موضوع الإعدادية في إحدى دوراته العادية سنة 1993 محضر دورة فبراير.
وفي السياق ذاته ، سبق أن نشرنا تحقيقات عن اعدادية وثانوية ايغرم، أوضحنا فيها عدم توفرها على إمكانيات استيعاب تلامذة ست عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة هي بلدية ايغرم. صحيح أشرف عامل الإقليم على وضع الحجر الأساسي لثلاث دور للطالب والطالبات سنة 2017، على أن تستعمل سنة 2018 ، لكن للأسف لم يتم إنجازها بعد، وكان الأمل أن يتخلص تلامذة ست عشرة جماعة قروية ممن لا منحة لهم ولهن، والتلميذات خاصة، من اكتظاظ في البنايات المؤقتة التابعة لبلدية ايغرم، وهو اكتظاظ لا يوفر لهن فضاءات للقراءة والكتابة والنوم المريح. وقد سبقت الإشارة في تحقيق سابق إلى خصاص في الماء الشروب والنظافة ، وتبذل مجهودات من طرف البلدية والعمالة في توفيرها إلى أن يصل الماء من سد المختار السوسي حسب ما وعدت به الجهات المسؤولة. لكن دون توفير المنح ودور الطالب وتقريب الإعداديات بداخلياتها إلى الساكنة كإعدادية والقاضي المشار إليها ، سيتضاعف الهدر المدرسي، بل والهدر السكاني المصطلح عليه بالهجرة الكلية بعد الجزئية.
حين ينوب «التضامن»
عن الجهات المسؤولة
لابد من توجيه الشكر للمجتمع المدنــي، بجماعة النحيت الذي ناب وينوب عن مصالح وزارة التربية الوطنية في توفير المنح تطوعيا، بواسطة المواقع التواصلية، لإنقاذ بنات المنطقة من التشرد ومن الجهل الذي جعل الفتاة القروية لعقود طويلة بعيدة كل البعد عن مسايرة مستجدات الشأن الوطني والعالمي. وتم دفع المنح هذه السنة 2019/2020 كسابقاتها، وللسنة السادسة على التوالي، بإعدادية أكادير الكبير بمدينة ايت ملول لحوالي أربعين تلميذة، حيث تتوفر الدراسة والداخلية، عملية كللت بالنجاح بفضل تعاون وتضامن طاقم الإدارة والداخلية وطاقم التدريس والنيابة والأكاديمية ، مع العلم أن هناك المؤدى عنهم من طرف المحسنين في إعدادية وثانوية الأرك بإيغرم وتارودانت.
هذا وتجدر الإشارة إلى أ-ن ساكنة جماعات أخرى تقوم بالمساهمة في المنح بدرجات متفاوتة، نيابة عن مصالح الوزارة الوصية، ويفرض الواجب الإشادة بجمعية التمدرس التابعة للمدرسة الجماعاتية للنحيت التي توفر النقل للتلاميذ من منازلهن إلى أيت ملول بداية السنة ونهايتها وفي كل عطلة، بل وتقوم بالمراقبة المستمرة.
إن عدم توفير المنح لأبناء وبنات فقراء «العالم القروي» يكرس التهميش والإقصاء ، علما بأن «العالم القــــــــــروي» يزود الحواضــــر بكل شـيء، خاصة المعادن النفيسة واليد العاملة، من عمال وتجار، إضافة إلى المهاجرين الذين يمدون الخزينة بالعملة الصعبة. لنتذكر هنا فقط، أن ذهاب هؤلاء لقضاء عطلة عيد الأضحى في قراهم بهذه الجهة أو تلك، يسبب لسكان المدن مشاكل عديدة، كما هو الشأن بالنسبة للدارالبيضاء مثلا؟