يواصل الدكتور أحمد موسى، أستاذ اللغة الفارسية وآدابها بكلية الآداب بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، مدّ جسور التواصل بين الأمتين العريقتين والجارتين، الأمة العربية والأمة الإيرانية، التي تربطهما أواصر كثيرة وتاريخية. فبعد أن نقل إلى اللغة العربية رائعتين من روائع الأدب القصصي الإيراني الحديث، رواية «عيناها» لبزرك علوي الصادرة عن المجلس الوطني الكويتي في العام 2014م، والمجموعة القصصية «آبشوران» لعلي أشرف درويشيان الصادرة عن دار روافد سنة 2016م. ها هو اليوم يتحف قراء العربية بترجمتين أخريين لأثرين روائيين كبيرين بإجماع النقاد الإيرانيين.
رواية «سيمفونية الموتى» لعباس معروفي، الصادرة حديثاً عن دار المتوسط للنشر والتوزيع. وهي واحدة من الروايات القليلة المشهورة والجيدة خلال السنوات الأخيرة في إيران، أبدعها روائي ينتمي إلى الجيل الجديد. وقد شهدت إقبالاً كبيراً من لدن القراء والنقاد على حد سواء. هي رواية ذات بنية متينة تتميز بأسلوب سلس. وظف الكاتب، عن وعي وبدقة ورقة، تقنيات خاصة في الرواية بشكل عام، وفي أقسامها المختلفة أيضاً.
يستهل عباس معروفي «سيمفونية الموتى» بمقدمة مختصرة عن قصة قتل قابيل لهابيل من خلال افتتاحه بالآية رقم 26 من سورة المائدة. ولعل للكاتب دوافع جعلته يقحم هذه المقدمة القرآنية، من ذلك مقاربة «الذنب الأول» و»قتل الأخ لأخيه» بسبب الطمع أو الحسد أو الملك أو العشق.
«سيمفونية الموتى» ليست فقط قصة «قتل الأخ» البسيطة. بل إنها سيمفونية حياة الناس باختلاف اضطراباتهم الروحية والشخصية، الذين ارتبط مصيرهم بمصير المجتمع. المجتمع الذي تماثل حياتُه النارَ تحت الرماد، مجتمع يعلم الجميع أنه حي، لكن لا وجود لأمارة تدل على بقائه على قيد الحياة.
«سيمفونية الموتى» لمعروفي تبتدئ بقصة قابيل وهابيل وتعزف على وترها. ورغم أن أسلوب معروفي في سرد الوقائع اعتمد على البداية والنهاية، وتداخل الأحداث والعودة إلى الماضي بشكل متكرر (فلاش باك)، أي أنه خلق فضاءً في مقطع زماني قصير، لكنه في الآن نفسه كان يوسّع هذا الفضاء متوسلاً باسترجاع الماضي، وهي تقنية متداولة، ويمكن أيضاً ملاحظة أن معروفي في خلقه لقصة الرواية رسم دائرة، على نفس إيقاع السيمفونية الموسيقية، يتحرك على قطرها من الحركة الأولى إلى الحركة الثانية وإلى الثالثة، إلى أن يصل إلى الحركة الرابعة حيث يجد القارئ نفسه مجدداً في بداية القصة.
أسلوب السرد في «سيمفونية الموتى»، يمتاز بالرجوع إلى الماضي في زمن الحال، وتغيير الراوي يتم بسرعة كبيرة لدرجة يحتاج فيها القارئ، أحياناً، كي لا تضيع منه أحداث الرواية، الرجوع إلى الفقرة السابقة وإعادة قراءتها. ويتم تغيير الزمان من الماضي إلى الحاضر ومن الحاضر إلى الماضي وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً.
رواية «جن إيراني» لبهرام صادقي والصادرة حديثاً عن دار الربيع بالقاهرة. يمكن اعتبار رواية «جن إيراني» لبهرام صادقي الخطوة الثانية على سلم القصة الحديثة في إيران بعد رائعة صادق هدايت «البومة العمياء». الرواية تدور في فضاء سريالي بالكامل وموهم، وشخصياتها قبل أن تكون حقيقية فهي رموز وإشارات. تحاشى بهرام صادقي في هذا العمل كثرة الحشو وإطالة الكلام والتوضيحات البصرية، وعرّف الشخصيات من خلال الحوار الذي أدراه بين «السكرتير الشاب» و»الدكتور حاتم».
يدور موضوع جن إيراني حول المصير المحتوم للإنسان، وهو تقبّل الحياة الجبرية والموت. يبدو من النظرة الأولى أن صادقي يعتقد أن كل إنسان يبدأ في الموت مع ولادته، والقوى الغيبية ترسم له قدره الذي لا يملك تغييره. سواء قبلت الموت أم لم تقبل، خفت أم لم تخف، لابد أن تخضع له في نهاية الأمر. وفي هذا الخضم من يكون غارقاً في ملذات الحياة يكون الأكثر خوفاً من الموت. لكن ليس هذا التحليل سوى الغطاء الظاهر للقصة لأنها قصة رمزية وسريالية.
جن إيراني كناية عن العالم الفاني والزائل. وكل من يتعلّق بهذا العالم ويريد الخلود فيه يجد نفسه، في لحظة مفاجئة، يتذوق طعم الموت عبر حقنة أعدها الدكتور حاتم خصيصاً لهذا الغرض.
الزمن الخارجي الذي تدور فيه أحداث الرواية هي ليلة تمتد إلى أولى بشائر الصبح. وفي هذا الزمن القصير تلج تراجيديا الموت في الجسد المادي للغافلين وتؤثر في غضون سبعة أيام، ويبدو أنها إشارة إلى «رؤيا الأصوار السبعة» التي وردت في مكاشفات يوحنا : «عش هذا الأسبوع المتبقي وكأنه مائة سنة…وحتى لحظة الموت لا تحس بأي حسرة أو غم».
لمد جسور التواصل الأدبي بين الفارسية والعربية : أحمد موسى يترجم روايتي «سيمفونية الموتى» و«جن إيراني»

بتاريخ : 03/03/2018