على خلفية إصدار محكمة جزائرية أمرا دوليا بالقبض على الجنرال المتقاعد خالد نزار، أكد المحامي الإسباني المختص في القانون الدولي وإجراءات التسليم، ألكساندرو تيريلي أنه «سيكون من الصعب جدا على الجزائر المطالبة بنزار»، مشيرا إلى وجود «العديد من العناصر التي تعمل لصالح الجنرال».
وأضاف تيريلي في تصريح لموقع «كل شيء عن الجزائر»: «الأول والأهم هو أنه يُمنع تمامًا على دولة مثل إسبانيا تسليم أجنبي عندما يواجه مخاطر الإدانة بعقوبة الإعدام».
وتنص المادة 77 من قانون القضاء العسكري الجزائري أنه يعاقب بالإعدام الاعتداء الذي يكون الغرض منه إما القضاء على نظام الحكم أو تغييره، وإما تحريض المواطنين أو السكان على حمل السلاح ضد سلطة الدولة أو ضد بعضهم بعضا، وإما المساس بوحدة التراب الوطني، ويعتبر في حكم الاعتداء تنفيذ الاعتداء أو محاولة تنفيذه».
والثلاثاء الماضي، أصدرت المحكمة العسكرية بالبليدة أمرا دوليا بالقبض على الجنرال المتقاعد خالد نزار، ونجله لطفي نزار مسير شركة «أس ال سي سمارت لينك كومينيكايشن»، وبلحمدين فريد مسير الشركة الجزائرية الصيدلانية العامة.
ويتابع نزار وابنه وبلحمدين بتهمة التآمر والمساس بالنظام العام وهي التهمة التي تعاقب عليها المادتان 77 و78 من قانون العقوبات الجزائري والمادة 284 من قانون القضاء العسكري الجزائري.
وانتشرت شائعات تفيد بأن الجنرال المتقاعد خالد نزار متواجد حاليا بإسبانيا.
ووقعت إسبانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مواثيق واتفاقيات تمنع عقوبة الإعدام وطرد أو تسليم شخص إلى بلد يواجه فيه عقوبة الإعدام، كما يقول ذات المحامي.
ويؤكد محام آخر مختص في إجراءات التسليم أن المحاكم الإسبانية مطالبة أيضا باتباع قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي أصدرت العديد من القرارات التي تحظر تسليم أجنبي إلى بلد يواجه فيه عقوبة الإعدام.
وسجل المحامي، وفق ما أفاد الموقع الجزائري، أن هناك عنصرا آخر في صالح نزار وهو أنه لا يحاكم بسبب جريمة القانون العام، وإنما بسبب جرائم ذات طابع سياسي، مؤكدا أن المحاكم الإسبانية والأوروبية توفر حماية خاصة للذين يحاكمون بسبب جرائم سياسية، وبالتالي يكاد يكون من المستحيل تسليم شخص بسببها.
وحول هذه القضية، يؤكد المحامي تيريلي أن الهجوم على سلطة الدولة وعلى سلطة الجيش يندرج تماما في إطار الملاحقات القضائية ذات الطابع السياسي.
بالإضافة إلى ذلك، يضيف المحامي، يُحتمل أن يرفض القضاء الإسباني تلقائيًا تسليم المجرمين في حالة الحكم عليهم غيابيا، لافتا إلى وجود أشخاص من بينهم أمريكيون جنوبيون، قاموا بعمليات قتل وبأشياء فظيعة لم يتم تسليمهم إلى بلادهم بسبب الطابع السياسي للقضايا المرفوعة ضدهم.
وأوضح المحامي المتخصص في القانون الدولي أنه حتى لو اضطر القضاء الإسباني إلى اتخاذ قرار بشأن تسليم خالد نزار فإن ذلك يكون بعد إجراء طويل يدوم ثلاث سنوات على الأقل مع العلم أن الحكومة الإسبانية لديها إمكانية فرض حق النقض (الفيتو) ومنع تسليمه.
الحرب الخفية بين صالح و نزار
في السياق نفسه، نشرت صحيفة «الموندو» الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن حيثيات إصدار الجزائر مذكرة توقيف دولية ضد وزير الدفاع السابق خالد نزار.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير إن القضاء العسكري يحاكم خالد نزار بتهمة التآمر ضد النظام العام، وهي تهمة تحتمل عقوبة الإعدام وفقا للمادة 77 من القانون الجنائي الجزائري.
وتشمل القضية ابنه لطفي الذي يدير شركة الربط الذكي للاتصالات «إس إل سي»، وفريد بلحمدين مدير الشركة الجزائرية للصيدلانية العامة، وذلك حسب ما تم تداوله على التلفزيون الحكومي.
وحسب الصحافة المحلية، كان نزار قد فر إلى إسبانيا، ومكث فيها لمدة شهر. وقد التقى بابنه لطفي في وقت لاحق. وقد كان نزار، البالغ من العمر 81 سنة، رئيسا للأركان العامة للجيش الجزائري بين سنتي 1988 و1990، عندما أصبح وزيرا للدفاع، المنصب الذي تولاه إلى غاية سنة 1993، في منتصف الحرب الأهلية.
وفي يناير 1992، كان نزار من بين المخططين الرئيسين للانقلاب العسكري الذي أوقف العملية الانتخابية التي كانت ستقود الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة، وأطلقت حربا أهلية تسببت في مقتل حوالي 200 ألف شخص وعشرات الآلاف من المفقودين. وبعد أن نجا من هجوم في سنة 1993، اعتزل نزار الحياة العامة، لكنه استمر في خططه وتسيير أموره خلف الكواليس.
ونقلت الصحيفة عن وسائل الإعلام الجزائرية، أن أسماء الرجال الثلاثة المفتش عنهم ظهرت خلال التحقيق في قضية ضد سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقال في الثاني من شهر أبريل. ويبدو أن الجميع متهمون بالمناورة في السلطة لمحاولة الحفاظ على نظام بوتفليقة في خضم موجة من الاحتجاجات لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجزائر.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار القاضي الجزائري كان متوقعا منذ ظهور تغريدة في 15 يوليوز، في رواية نُسبت إلى نزار، حيث اتهم الرجل القوي الحالي للبلاد الجنرال أحمد قايد صالح «بالتعدي بالوسائل العسكرية على السلطة». ويشغل صالح حاليا منصب رئيس الأركان العامة للجيش، ومنذ استقالة بوتفليقة تولى السلطة «بحكم الأمر الواقع».
وأوردت الصحيفة أن هذه التغريدة كشفت سرا يجهله الكثيرون، وهو الحرب الخفية القائمة بين أحمد قايد صالح والجنرال خالد نزار. وفي خضم كل هذا، بدأت حركة الاحتجاج الشعبية التي اندلعت في منتصف شهر فبراير، وواصل الشعب الجزائري احتجاجه السلمي في الشارع؛ تعبيرا عن رغبته في إنهاء نظام فاسد وغير عادل.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن شخصيات «عشيرة بوتفليقة» الذين وقع الزج بهم في السجن بسبب الفساد منذ المظاهرات كثيرون، من بينهم الجنرالان المتقاعدان محمد مدين المعروف باسم «توفيق»، وعثمان طرطاق الملقب «بالبشير»، اللذين شأنهما شأن الجنرال خالد نزار، تلطخت أيديهما بالدماء خلال الحرب الأهلية في التسعينيات.
تحريض الجيش على التمرد
وكان خالد نزار وزير الدفاع الجزائري الأسبق، قد حرّض، في كلمة مصورة، علانية إطارات الجيش على التمرد على خصمه رئيس أركان الجيش الحالي الفريق أحمد قايد صالح.
وخاطب نزار في الكلمة المصورة بموقع مجهول حيث يقيم بعد فراره خارج البلاد، من وصفهم بـ»رفاقه في الجيش» بعدم القبول بالوضع الشاذ الذي يفرضه قايد صالح دون أن يذكره بالاسم.
وقال في إحدى المقاطع: «إن المدني هو الذي ينبغي أن يتخذ القرارات الكبرى المتعلقة بالسلم والحرب، بينما يتولى العسكري تنفيذ معظم القرارات؟ كيف يمكننا أن نقبل بالوضع الشاذ الذي نعيشه؟ نائب وزير يلغي الوزراء والوزير الأول ورئيس الدولة المؤقت.. إننا نعيش في عالم مقلوب حقا».
وتابع نزار يناشد إطارات الجيش بتغيير الوضع الحالي الذي يقود للهاوية حسب زعمه، قائلا: «لا بد من إزاحة الكهنة المبتدئين الذين يعتقدون أنهم يملكون ناصية العلم باستعمال الوسائل السلمية والملائمة، فهؤلاء يحركهم طموحهم المفرط وغرورهم بأنفسهم وتكبرهم وعصبيتهم».
واللافت في كلام نزار تركيزه كثيرا على البعد الدولي في كلمته واستشهاده بلقاءات أجراها مع ضباط سامين في دول أوربية وانقلاب العقيدة العسكرية الأوربية من معاداة روسيا إلى معاداة المغرب العربي وشمال إفريقيا.
ويخشى ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع السياسي والناشط في الحراك الشعبي، أن تؤدي هذه المواجهة المفتوحة بين ضباط سامين في المؤسسة العسكرية إلى خطر دخول العامل الأجنبي على خط الأزمة الجزائرية التي بقيت محافظة على طابعها الداخلي المحض.
وتوقع جابي أن لا يتوقف خالد نزار عند هذا الحدّ، خصوصا بعد أن هدّد بإخراج ملفات تخص فترة المواجهة بين الجيش والجماعات الإرهابية سنوات التسعينات وفتحها أمام قضاء دول أجنبية.
والغريب وفق قراءة ناصر جابي أن هذا السلوك يأتي من رجل زاول أكبر المناصب ويفترض أنه لديه حس رجل الدولة ولا ينساق وراء هذه الدعوات الخطيرة في أول مواجهة له من يراهم خصومه.
«تأثير محدود على الجيش»
ويعدّ نزار من صقور المؤسسة العسكرية سنوات التسعينات، حيث كان يشغل منصب وزير الدفاع إلى غاية سنة 1993، وكان وراء أغلب القرارات التي أعقبتها أحداث عنف، وفي مقدمتها إلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت في دورها الأول الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية كاسحة في نهاية سنة 1991 وكذلك دفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة سنة 1992.
وقلّل جابي من تأثير خطاب نزار على ضباط المؤسسة العسكرية، بالنظر إلى سمعته غير الجيدة وسوابقه داخل المؤسسة العسكرية بالإضافة إلى انقطاعه عن المؤسسة العسكرية مدة طويلة بعد أن غادرها منذ قرابة 26 سنة، الأمر الذي يجعله غريبا عن الجيل الجديد من الضباط داخل الجيش.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن نزار ينتمي إلى جيل أصبح كله اليوم في صفوف التقاعد، وبالتالي هو خارج اللعبة ولا يمكنه أن يقلب الموازين بمجرد خطاب يلقيه من الخارج.
وتفاعل الجزائريون بشدة مع كلمة نزار على مواقع التواصل الاجتماعي من زوايا مختلفة، بعضها حذّر من خطورة ما قيل عن المؤسسة العسكرية، وبعضها الآخر سخر منه ومن لغته العربية الركيكة، وجزء منها دعا للاعتبار من انقلاب حال نزار الذي كان أحد أقوى رجالات الجزائر في التسعينات وتحول إلى ضابط فار يلقي الخطابات من الخارج.
ويرى سعيد صالحي نائب رئيس الرابط الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بأن تصريحات خالد نزار خطيرة كونها تمس انسجام الجيش، وهو ما يؤكد ضرورة انسحاب الجيش من السياسة وعدم جعله عرضة لمثل هذه المزايدات.
ويحمل صالحي رئيس أركان الجيش، جزءا من المشكلة، كون تدخله في الشأن السياسي، أصبح يعرض ليس فقط الجيش وإنما البلاد كلها لخطر الانفجار.
وأبرز صالحي أن الجزائر تحتاج إلى جيش قوي يكون في خدمة الدولة لحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أنه ليس هناك أبدا داع للتدخل في الحراك الشعبي ومحاولة توجيهه لأنه بقي محافظا على سلميته وطابعه الوطني.
وختم الناشط في الحراك الشعبي، بأن على قادة الجيش الحاليين والسابقين أن ينسحبوا من المشهد ويتركوا الشعب يختار طريقه ويمارس بكل حرية سيادته.
«ملهاة جديدة»
وكانت محكمة عسكرية بالجزائر، قد أصدرت الأسبوع الماضي، أمرا دوليا بالقبض على نزار، عقب تغريداته المعادية لقائد الجيش الحالي على حسابه بموقع «تويتر» منذ منتصف شهر يوليو الماضي والتي اعتبره فيها خطرا على مستقبل البلاد.
وكتب نزار الذي يرجح بأنه فوق التراب الإسباني، في أولى تغريداته يقول بأن الجزائر حاليا رهينة شخص فظ فرض العهدة الرابعة وكان وراء العهدة الخامسة، ينبغي أن يوضع له حد لأن البلاد في خطر.
ووفق زوبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، فإن تصريحات نزار تدخل في إطار العصب داخل النظام ولا تعني الشعب من قريب ولا من بعيد.
وأوضحت عسول أن الجزائر تحتاج اليوم إلى لغة العقل والبحث عن حلول لأزمتها السياسية وليس إدخالها في متاهات جديدة تزيد من تعقيد الوضع.
وقالت إن هذا الصراع لا ينبغي أن يشغلنا عن الحراك ومطالبه التي تؤكد على ضرورة رحيل «العصابة» الموجودة في الواجهة المدنية للحكم ومن ثم الذهاب إلى انتخابات وفق الضمانات التي يطلبها الشعب.
من هو خالد نزار
كان أقوى رجل في النظام الجزائري في النصف الأول من التسعينيات، قبل أن ينسحب من المشهد بعد تراجع دوره وتأثيره، وبقي الوحيد بين الجنرالات أصحاب «القرار الفعلي» إذ تحدث صراحة عن دوره في وسائل الإعلام وعبر أكثر من كتاب، وأن قرار توقيف «المسار الانتخابي» كان بتوافق مع جنرالات آخرين، تاركا ما جرى للتاريخ.
خالد نزار المولود بولاية باتنة بمنطقة الأوراس في عام 1937، سلك طريق والده الذي كان يعمل رقيبا في الجيش الفرنسي، فالتحق بالمدرسة الحربية الفرنسية، ولكن سرعان ما فر من الجيش الفرنسي في عام 1958 ليلتحق بجيش التحرير الوطني الجزائري في منطقة يتولى قيادتها الشاذلي بن جديد.
وأثيرت حوله في تلك السنوات الصعبة شكوك كثيرة بحكم التحاقه المتأخر بالثورة ووجوده في باريس، فكلف بالتواجد في تونس ليقوم بتدريب الثوار، حتى حصلت الجزائر على استقلالها في عام 1962.
مسار الخدمة العسكرية
ترقى في الخدمة العسكرية بعد التحرير وأصبح في عام 1982 قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة، ثم قائدا للقوات البرية ونائبا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي.
كلف بـ»إعادة النظام» في أحداث عام 1988 التي قتل فيها نحو 600 جزائري، واتهم نزار بالسماح بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين والتسبب في مجزرة.
بعدها بعامين كان الرئيس الشاذلي بن جديد يعينه وزيرا للدفاع، وسيقود فيما بعد انقلابا على الانتخابات التي فازت بدورتها الأولى «جبهة الإنقاذ»، وسيجبر قائده في فترة حرب الاستقلال بن جديد على الاستقالة في عام 1992.
وسيدخل نزار مع جنرالات آخرين كان من بينهم، عبد المجيد تاغيت قائد البحرية الوطنية، ومحمد تواتي مستشار وزارة الدفاع، ومحمد لعماري قائد جيش البر، في مباحثات سرية لوضع خطة لقطع الطريق على الإسلاميين الذين كانوا على وشك الوصول للسلطة بالانتخابات.
استقالة الشاذلي
ونشرت مجلة «جون أفريك» الفرنسية تقريرا حول الظروف الغامضة التي دفعت بالرئيس بن جديد للاستقالة بعدما أيد المضي في الانتخابات، روت فيه كيف قام «جنرالات فرنسا»، كما يسميهم الشعب، بإجباره على التنحي، حتى يقوموا بإجهاض «المسار الديمقراطي».
ومع استقالة بن جديد «الإجبارية»، دخلت الجزائر في نفق مظلم، واشتعلت في البلاد حرب أهلية أودت بحياة ما لا يقل عن 200 ألف جزائري، واختفاء عشرات الآلاف، وتهجير مليون شخص، ونفي جزء كبير من النخبة الجزائرية.
ورغم عرض قدمته «جبهة الإنقاذ» ينص على الاكتفاء بالمقاعد التي فازوا بها في الدور الأول، إلا أن الجيش كان قد حسم أمره، ودفع بتعزيزات كبيرة نحو العاصمة لفرض سياسة الأمر الواقع، من خلال وضع الرئيس أمام خيارين: الاستقالة أو إغراق البلاد في حمام دم.
لكن الرئيس بن جديد استقال وغرقت البلاد في عشر سنوات من الدماء أطلق عليها الجزائريون «العشرية الحمراء « أو «العشرية السوداء» وأيضا «سنوات الجمر».
كان الجيش هو صانع الملوك في الجزائر، مثل باقي البلدان العربية، وهو أيضا سيد الانقلابات، ولم ينتظر العسكر طويلا لصبغ هويتهم على جميع مفاصل الدولة، فبعد إعلان الاستقلال بقليل، كان الانقلاب الأول بقيادة هواري بومدين ضد رفيقه الرئيس أحمد بن بلة.
وبعد وفاة بومدين في عام 1978، عين العسكر العقيد الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية، وفي عام 1992، قرر العسكر الإطاحة بالرئيس المعين وإجباره على الاستقالة، ثم شكلوا مجلسا أعلى للدولة، وضعوا على رأسه العقيد علي كافي، ثم جاء العسكر بمجاهد ورمز كبير هو محمد بوضياف ونصبوه رئيسا للدولة، وبعد أن شرع في كشف ملفات الفساد، قتل بوضياف وهو يلقي خطابا في مسرح عنابة.
ولملء الفراغ المفاجئ عين الجنرال اليمين زروال رئيسا في عام 1994 قبل أن ينسحب زروال خوفا على نفسه من مصير بوضياف، وأخيرا اهتدوا إلى عبدالعزيز بوتفليقة في عام 1999، الذي حكم باسم الجنرالات والعسكر 20 عاما، وحتى عندما قامت ثورة فبراير الماضي ما كان لبوتفليقة أن يترك كرسي الحكم لولا أن الجيش حسم أمره، وطلب من بوتفليقة الاستقالة دون إبطاء أو تأخير.
في المشهد الذي تتقدمه البزة العسكرية والنياشين على الصدور والرتب على الأكتاف، كان خالد نزار حاضرا، وحمل على كتفه مرحلة قاتمة وقاحلة في تاريخ الجزائر، جعلته في مرمى المحاكم الدولية.
واتهمه الشاذلي بن جديد بكونه جاسوسا لفرنسا، ويتهمه كثيرون بأنه يقف وراء اغتيال الرئيس بوضياف، وهو ما فنده نزار بصفة قطعية، متهما رئيس الحكومة في تلك الفترة «بترويج الفكرة» في عزاء بوضياف بحضور زوجته التي اقتنعت بتورط نزار بقتل زوجها .
وقبلها كان يتعرض في عام 1993، لمحاولة اغتيال فاشلة، وهو ما جعله يبتعد عن المشهد الرسمي إلى أن انسحب من الحياة السياسية بعد تسلم السلطة من قبل زروال في عام 1994.
وكان الجنرال نزار أحد الأعضاء الخمسة في المجلس الأعلى للدولة الذي تولى الحكم في البلاد إثر استقالة بن جديد.
ورفعت ضده عدة قضايا لكونه غطى عمليات التعذيب في الفترة التي تولى فيها وزارة الدفاع ما بين عامي 1991 و1993، ورفعت ضده شكاوى بهذا الصدد في باريس عامي 2001 و2002 حيث حاول القضاء الفرنسي توقيفه إلا أنه غادر فرنسا مسرعا بعد أن أبلغ أن هناك مذكرة توقيف ضده بتهمة التعذيب، وأرسلت له السلطات الجزائرية طائرة خاصة إلى باريس ليغادر فرنسا من دون أن يتم توقيفه.
وفي عام 2011 أخضعته السلطات القضائية بسويسرا لاستجواب بشأن قضايا تعذيب، واستجوبته النيابة السويسرية عشر ساعات بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبعد أن أطلق سراحه في اليوم التالي، غادر نزار سويسرا مقابل تعهده بالاستجابة لطلبات المثول من طرف القضاء.
وردا على اتهامات له حول الأموال الطائلة التي يمتلكها، يدافع نزار عن نفسه بقوله إنها «حلال ومن عرق جبينه» فهو يؤكد أنه كان يمتلك شركة مقاولات حصلت على الكثير من العطاءات حين كان في السلطة، كما أنه يمتلك مع عائلته شركة للإنترنت في الجزائر.
العلاقة مع سعيد بوتفليقة
وبعد أن سربت أقوال عن اتصاله بسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وربما كنوع من تهدئة غضب قائد الجيش قائد صالح، فقد كشف خالد نزار أن سعيد بوتفليقة استشاره حول إقالة قايد صالح وإعلان حالة الطوارئ في مواجهة الحراك الشعبي.
وألمح نزار إلى أن سعيد كان «الحاكم الفعلي للبلاد وأن الرئيس كان مغيبا، وحتى الدقيقة الأخيرة كان سعيد يتمسك بالسلطة ويناور من أجل الإبقاء عليها».
وأضاف: «لقد تمسك سعيد، بالسلطة، وهذا كان واضحا من قيامه بمحاولات التفاف، ومناورات ومخططات للحفاظ على وضع يده على شؤون البلاد».
تصريحات نزار تتطابق مع توعد قائد أركان الجيش الجزائري قايد صالح أطرافا لم يسمها بتدبير «مخططات تهدد استقرار البلاد»، فيما قامت الصحافة المؤيدة للجيش بالحديث عن تورط سعيد بوتفليقة في تلك الأعمال.
نزار يعرف أنه لا يمكنه العودة إلى دائرة الضوء من جديد، لكن يبدو أنه يريد التقرب من العسكر ومن الحالة الجزائرية الجديدة لضمان بقاء «الضغوط السياسية» لمنع الادعاء السويسري من انتهاء التحقيق معه.
ورغم أن القضية أغلقت في يناير في عام 2017، ورفض المدعي العام اعتماد مفهوم «النزاع المسلح غير الدولي» لتوصيف الوضع الذي كان سائدا في الجزائر خلال تلك الأعوام.. إلا أنه في يونيو من نفس العام، توصلت المحكمة الجنائية الفدرالية إلى استنتاج آخر، فهي قدرت أن المواجهات التي حصلت في الجزائر كانت عنيفة لدرجة أنه يمكن وصفها بـ «الشديدة» بالمعنى المنصوص عليه في معاهدات جنيف وفق القانون الدولي.
وفي الأشهر الأخيرة، قررت الجزائر أن تخفض إلى أدنى مستوى علاقاتها مع الاتحاد الكونفدرالي السويسري، وذلك منذ قرار إعادة فتح ملف القضية ضد نزار.