مأساة الطفلة يسرى: غرق أم إهمال قاتل؟ الفصل 432 من القانون الجنائي يجيب

وقع ما كان من الواجب تفادي وقوعه يوم الخميس الخامس من رمضان 1446 هجرية الموافق 6 مارس 2025 في مدينة بركان، وحدث ما لا يندرج ضمن حالات الحادث الفجائي أو القوة القاهرة…. ،»غرقت» الطفلة وجرفتها مياه الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة هذا اليوم.
لكن الغريب في الأمر والعجيب في طبيعة هذا «الغرق»، أنه على خلاف أحداث الغرق بسبب هطول الأمطار والتي عادة ما تكون القرى والبوادي وسفوح الجبال بالوديان والأنهار، فإن حادثة «غرق» الطفلة اليوم بمدينة بركان حدثت في واضحة النهار وأمام عيون الناس وبمنطقة حضرية، حيث غرقت الطفلة في بالوعة صرف المياه العادمة تتواجد بشارع عام في طور الإنجاز يدخل ضمن برنامج التأهيل الحضري الذي تشهده مدينة بركان.
نعم لم يكن للقدر يد في هذه الحادثة.
ففي حوادث الغرق والأضرار المادية و المعنوية التي تسببها الفيضانات، استقرت اجتهادات محكمة النقض التي استنار بها العمل القضائي المغربي، أنها تندرج ضمن مسؤولية الدولة عنها، وقضى بأدائها لفائدة المتضررين منها التعويضات المستحقة.
وإذا كانت هذه المسؤولية القانونية عن الفيضانات تندرج في طبيعتها ضمن أصناف مسؤولية الدولة عن أعمالها الإدارية، فإن حادثة غرق الطفلة ببالوعة صرف المياه العادمة بمدينة بركان تبقى خارجة عن هذه الأصناف، على اعتبار أنها وقعت في شارع عام في طور الإنجاز تتداخل فيه مسؤولية الجماعة بمسؤولية المقاولة نائلة الصفقة.
وتبعا لذلك، فإن طبيعة المسؤولية القانونية لا يمكن تدفيقها إلا بالرجوع إلى دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال؛ ذلك يتضح إلى بنود هذا الدفتر أنه يضع عدة التزامات على المقاولة نائلة الصفقة، ومن بينها التزامات السلامة والذي تفرض عليه اتخاذ العديد من التدابير الاحترازية والاحتياطية لدرء ومنع وقوع مخاطر تحدق بالمارة، كوضع أسيجة وعلامات الخطر والتحذير خارج الورش المراد إنجازه.
وعلى هذا الأساس، كان من اللازم على المقاولة نائلة الصفقة وضع سياجات وممرات ٱمنة تظل تحت مسؤوليتها وتحت مراقبة الجماعة صاحبة الصفقة إلى غاية التسليم المؤقت لمشروع الطريق العام.
هذه التدابير الاحترازية والاحتياطية المتمثلة في تسييج المشروع ووضع علامات التحذير والخطر ووضع ممرات ٱمنة، يبدو أنه لم يتم احترامها من طرف المقاولة نائلة الصفقة والجماعة صاحبة الصفقة، الأمر الذي يؤكد مسؤولية المقاولة نائلة الصفقة والجماعة صاحبة الصفقة.
وإذا كان المسؤولية بينهما مشتركة، فإن كل واحدة منهما تظل مستقلة عن الأخرى من حيث طبيعتهما القانونية، إذ تظل مسؤولية الجماعة ذات طبيعة إدارية بسبب إخلالها بواجب المراقبة المنصوص عليه في مرسوم الصفقات العمومية؛ في حين لا تكتسي مسؤولية المقاولة نائلة الصفقة طبيعة إدارية، بل تندرج ضمن صنف ٱخر من أصناف المسؤولية القانونية.
إن مسؤولية المقاولة نائلة الصفقة تظل مسؤولية جنائية صرفة تطبيقا لمقتضيات الفصل 432 من مجموعة القانون الجنائي التي تنص على ما يلي: « من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين، أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم.»
وتأسيسا على هذه المقتضيات، ففي نازلة الحال فإن التكييف القانوني للفعل الذي تعرضت له الطفلة الغارقة يجعله جريمة قتل غير عمدي منصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 432 من مجموعة القانون الجنائي، وتظل عناصرها وأركانها التكوينية قائمة وثابتة، وخاصة ركنها المادي المتمثل في عدم احترام النظم والقوانين الجاري العمل بها، فالمقاولة نائلة الصفقة تعتبر الفاعل الأصلي لجريمة القتل غير العمد نظرا لعدم تبصرها وعدم احتياطها وعدم انتباهها وعدم احترامها لدفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنصوص في المرسوم الصادر بشأن تطبيق مرسوم الصفقات العمومية.
هذا، وفي ظل ثبوت المسؤولية الجنائية للمقاولة نائلة الصفقة فإن ذوي الحقوق يبقى من حقهم الانتصاب كطرف مدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تعرضوا لها بسبب جريمة القتل غير العمدي، كما يبقى من حقهم إثارة المسؤولية الإدارية لجماعة بركان بسبب إخلالها بواجب المراقبة وتطبيق العقوبات الإدارية على المقاولة نائلة الصفقة.
رحم الله الطفلة وأسكنها فسيح جناته.

( *)عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


الكاتب : عبد المنعم محسيني ( *)

  

بتاريخ : 08/03/2025