وكالات
أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، أول أمس الإثنين، النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، التي أظهرت نتائجها الأولية تفوقا واضحا للمرشح المستقبل قيس سعيّد. فبعد فرز نحو 75 بالمئة من الأصوات، قال التلفزيون التونسي إن نسبة المشاركة تجاوزت الـ57.8 بالمئة، حصل خلالها قيس سعيد على نحو 76.9 بالمئة، وفقا لاستطلاعات مؤسسة «سيغما كونساي» لسبر الآراء.
وقالت مؤسسة «سيغما كونساي»، إن عدد الناخبين الذين صوتوا لقيس سعيد، يفوق بكثير عدد الذين صوتوا للباجي قايد السبسي، والمنصف المرزوقي، في الانتخابات السابقة.
واللافت أن نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تجاوزت الـ57.8 بالمئة، إذ وصلت نسبة المشاركة في الجولة الأولى إلى 49 بالمئة، فيما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 41 بالمئة فقط.
ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات التونسية بالخارج، حاجز العشرين بالمئة.
وكان التلفزيون التونسي، قال إن كلفة الانتخابات على خزينة الدولة بلغت 140 مليون دينار، أي ما يعادل نحو 48.8 مليون دولار.
انتهى عهد الوصاية
قال المرشح الرئاسي التونسي الذي أعلنت نتائج استطلاعات الرأي، فوزه الكاسح قيس سعيّد في أول كلمة له، إن «عهد الوصاية انتهى على أي كان».
وقال سعيّد: «أعطيتم درسا للعالم كله في التمسك بالشرعية الدستورية وما جرى ثورة لم يعهدها الفلافسة وعلماء الاجتماع والسياسة».
وأضاف: «أبهرتم العالم بعطائكم بعرقكم بدمائكم، وليطمئن الجميع وسأحمل الرسالة، والأمانة بكل صدق وإخلاص بأعبائها وأوزارها نحو تونس جديدة التي صاغها الشعب في عام 2011».
وتابع سعيّد اليوم تحققون ان شاء الله ما تريدون بالثورة، هذه الجملة العابرة من التاريخ العابرة للقارات» مشيرا إلى أن عهد «الوصاية انتهى على أي كان».
وشدد على أن الدولة ستستمر بقوانينها وتعهداتها الدولية، والدولة ليست اشخاصا ونحن نعي ما نقول ونعرف معنى استمرار الدولة بالقوانين والتشريعات.
وقال سعيّد: «العلاقات في الداخل ستبنى على أساس الثقة والمسؤولية، ونحن بحاجة لتجديد الثقة بين الحكام والمحكومين وسنعمل بقواعد الدستور وسنعمل من أجل القضايا العابرة، وأولها القضية الفلسطينية، وكنت أتمنى أن يكون العلم الفلسطيني بجانب العلم التونسي هنا».
ولفت إلى أن الكثير من الشعوب استلهمت من الشعب التونسي دروسا، من أحرارها وحرائرها بالإضافة لهذه القدرة على التنظيم خارج الاطر التقليدية، وسنعمل بنفس الصدق والاخلاص ونتحمل الامانة بكل اعبائها واوزارها، وكل خطوة نخطوها حسيبنا فيها ربنا وشعبنا.
القروي يقر بهزيمته
أقر المرشح الرئاسي التونسي، نبيل القروي، الأحد، بهزيمته بالدور الثاني للانتخابات الرئاسية، معتبرا أنه جرى «حرمانه» من التواصل مع الناخبين.
جاء ذلك في كلمة ألقاها القروي خلال مؤتمر صحفي بمقر حملته الرئاسية، بالعاصمة تونس، عقب الإعلان عن خسارته بالاقتراع أمام منافسه قيس سعيد، وفق تقديرات أولية.
وتوجه القروي بالشكر إلى كل التونسيين الذي صوتوا لصالحه وصوتوا لـ»سعيد».
وأكد تعرضه للسجن «باطلا»، مشيرا إلى أنه رغم حالته النفسية والبدنية إلا أنه أجرى المناظرة رغم أنه لم يكن مستعدا لها.
ولفت إلى أنه كان بإمكانه مقابلة أنصاره وأعضاء حملته والشخصيات والمنظمات الوطنية، وتوجيه حملته في حين أنه كان في السجن ولم يكن بإمكانه القيام بهذا الأمر.
وقضى القروي نحو شهر ونصف موقوفا بالسجن، على خلفية اتهامات بالفساد.
واعتبر القروي أن «تكافؤ الفرص لم يتوفر بسبب الإفراج عنه قبل 48 ساعة فقط من الاقتراع، قائلا: «تم حرماني من التواصل مع الناخبين التونسيين».
ولفت إلى أن حزبه «قلب تونس» في انتظار النتائج الرسمية التي ستقدمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، «ومن ثم سيعرفون كيف يتصرفون».
«روبوكوب» تونس
عبر أستاذ القانون الدولي، قيس سعيد (61 عاما)، الدور الثاني لانتخابات الرئاسة التونسية، إلى قصر قرطاج الرئاسي، من دون أن يمتلك ماكينات إعلامية ولا لوبيات سياسية ولا حتى إمكانيات هائلة أو لافتات عملاقة، بحسب نتائج استطلاع خروج من مراكز اقتراع.
ويعتبر أستاذ القانون الدستوري رجل الصرامة و»النظافة» في نظر فئة واسعة من التونسيين، علما بانه يقدم نفسه كمستقل، متبنيا بعض الأفكار المحافظة.
وحقق المرشح المستقل فوزا عريضا أمام منافسه نبيل القروي (59 عامًا)، مرشح حزب «قلب تونس»، في نتيجة متوقعة، على عكس الزلزال السياسي الذي أحدثه تصدره للدور الأول من الاقتراع، منتصف سبتمبر الماضي، لكونه آنذاك شخصية مغمورة.
فاز سعيّد بكل التوليفة الاستثنائية الكامنة فيه، وبالاختلاف الطاغي على كل شيء بشخصيته.. طريقة حديثه وتفكيره وتصرفاته وقناعاته.
وهو مناهض شرس للنظام السابق ولنواقص الحكومات المتعاقبة منذ 2011، وداعم قوي لمطالب ثورة 2011، التي أطاحت بالرئيس حينها، زين العابدين بن علي (1987: 2011).
ونقل التليفزيون نتائج أولية نشرتها مؤسسة سيغما كونساي لسبر الآراء، الأحد، تحقيق المرشح المستقل لرئاسيات تونس قيس سعيد 76.9 بالمئة من الأصوات، ليقترب إلى قصر قرطاج.
وقالت المؤسسة (خاصة) إن سعيد حصل على 76.9 بالمائة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في حين حصل مرشح حزب «قلب تونس» نبيل القروي على 23.1 بالمئة.
فمن هو قيس سعيد.. الأكاديمي الذي حصد تأييدا من مختلف التيارات السياسية والعائلات الفكرية وفئات المجتمع التونسي، ليحصل على تلك النسبة المرتفعة من الأصوات؟.
تستعرض الأناضول أهم ملامح الرجل القادم من خلف الأحزاب والتشكيلات والحسابات والاعتبارات، ليزعزع الأرض تحت أقدام الأحزاب، ويطيح بأقطاب تقليدية مهيمنة على السلطة:
لا يبيع الوهم
«أنا لا أبيع الوهم للشعب التونسي، وبرنامجي الذي أعلنته واضحا، وهو أن الشعب هو مصدر السلطات، والدستور يجب أن يكون قاعديًا، ولا توجد ما تسمى دولة مدنية ولا دينية».
هكذا وصف سعيد، المعروف بلغته العربية الفصحى، منهجه وأيدلوجيته الفكرية، وهو الذي قال إنه ترشح مدفوعا بإكراهات واقع يرى أنه لم يرق إلى تطلعات شعب ثار على نظام مستبد.
وأطلقت عليه تسمية «روبوكوب» من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لأنه دائما ما يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبدون توقف.
مستقل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ إذ لم يُعرف له أي انتماء سياسي قبل الثورة أو بعدها، وهو ناقم على الأحزاب التي يرى أن عهدها «أفلس وولى».
ويرى أيضًا أن السلطة «ستكون بيد الشعب الذي يقرر مصيره ويسطر خياراته»، وهو ما أطلق عليه عبارة «الانتقال الثوري الجديد»، وهو أساس شعار حملته الانتخابية: «الشعب يريد».
منافس لكن بمبادىء تجلت في رفضه القيام بحملته الانتخابية، عملًا بمبدأ تكافؤ الفرص مع القروي، حين كان الأخير موقوفًا بتهمة تبييض أموال وتهرب ضريبي، وهو ما جعل سعيد يحصد تقديرًا حتى من مناوئيه.
لا يحب البروتوكولات، وأعلن أنه لن يسكن في قصر قرطاج، ولن تكون زوجته القاضية «سيدة تونس الأولى»، وأنه يريد أن يعيش مواطنا تونسيا بسيطًا كما هو.
الدولة والمدنية
واجه سعيّد محاولات لتشويهه من جانب منتقديه ممن يعيبون عليه عدم التصدي للنظام السابق، ويتهمونه بـ»ركوب» موجة الثورة طمعًا في تحقيق مكاسب شخصية.
ورد عليهم بقوله إنه لم يكن ثوريًا ومعارضًا للنظام السابق بالمعنى المتعارف عليه، لكنه مع ذلك رفض مناصب عديدة في العهد السابق.
وتابع: «قلت (لا) يوم كان البعض ممن يظهرون اليوم في وسائل الإعلام يتمنون الاقتراب من دائرة القرار».
عارض المشروع الرئاسي للمساواة في الميراث بين المرأة والرجل، وقال إنه لن يقوم بتأويل نص قرآني.
وشدد على أن «المسألة محسومة بالنص القرآني، وهو واضح وصريح ولا يحتاج للتأويل.. فنحن لسنا ضيعة ولا بستانا، بل دولة».
يُحسب له أيضا تمسكه باستقلاليته، حيث رفض حتى وقت قريب قبل الاقتراع، التحالف مع أي حزب سياسي، تمامًا كما رفض تمويل الدولة لحملته الانتخابي «حتى لا يكون رهين أي جهة كانت من ناحية مالية أو سياسية»، على حد قوله.
رغم ذلك، أثار سعيّد ضجة كبيرة بظهوره، في 2018، مع رضا بلحاج، ممثل حزب «التحرير» السلفي المتشدد؛ ما جعل كثيرين يعتقدون أن المرشح الرئاسي بدأ في اختيار قواعده، ويراهن على إقناع أنصار الحزب للاصطفاف خلفه، رغم أن أدبيات الحزب لا تؤمن بالدولة ولا بالانتخابات.
الدراسة والمسار الأكاديمي
ولد سعيد في 22 فبراير 1958 بتونس، وحصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
وهو حاصل أيضا على دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني في «سان ريمو» الإيطالية.
بدأ حياته المهنية، في 1986، مدرسا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمدينة سوسة (شرق)، قبل أن ينتقل في 1999 للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.
تقلد بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من أجل الإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
كما عمل سعيد، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، خبيرا متعاونا مع المعهد العربي لحقوق الإنسان من 1993 إلى 1995.
حصل في 1997 على عضوية المجلس العلمي وعضوية مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، وهو أيضًا رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية (مستقل).
لم يحصل سعيّد الذي يلقبه أنصاره ب»الأستاذ» احتراما لشخصه، على شهادة الدكتوراه وكانت كتاباته ومنشوراته نادرة.
لسعيّد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية اشراف شبيل، التي ظهرت لأول مرّة برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية بشعرها القصيرة ونظارتيها الشمسيتين.
ينظر إليه «كرجل نظيف» ويقطن منزلا في منطقة اجتماعية متوسطة ومقر حملته الانتخابية مكتب متواضع وسط العاصمة.
يتذكر صحفي من فرانس برس، أن سعيّد وحين يدخل صباحا الكلية يبدأ بالقاء التحية على كل من يصادفه من زملائه الذين يدرسون معه وعمّال النظافة والموظفين بالادارة والطلبة، ويسأل عن أحوالهم وأحوال عائلتهم فردا فردا.
تضم شبكة أنصاره بالأساس طلبة متطوعين، إلى جانب شخصيات كان حضورها بارزا خلال احتجاجات «القصبة 1» عام 2011 والتي كانت منعطفا في مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد اثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
عرف شهرة واستحسانا من قبل التونسيين خلال ظهوره المتعدد منذ 2011 في وسائل الإعلام التونسية، يقدم التفسيرات والتوضيحات ويبسط المسائل الدستورية المعقدة خلال كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014.
قال عنه خبير القانون الدستوري وأستاذه السابق عياض بن عاشور، في تصريح لصحيفة «لاكروا» الفرنسية «هو بالفعل محافظ جدا وليس إسلاميا ولا يقدم قناعاته الشخصية في خصوص المسائل ذات الأولوية».
تأثير الإسلام السياسي
تتباين الآراء بشأن تقييم مشاركة أحزاب الإسلام السياسي في السلطة، ومدى تأثيرها على شعبيتها، في مختلف الدول العربية.
ففي حين يرى البعض أن المشاركة تشكل سببا رئيسا في تراجع شعبية تلك الحركات، يرى آخرون أنها ما زالت الأكثر حضورا والأوسع شعبية.
ووفقا لمراقبين، فإن فوز حركة النهضة التونسية بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، التي جرت الأسبوع الماضي، يقدم دليلا على احتفاظ الإسلام السياسي بموقعه المتصدر في المشهد الانتخابي.
وجاءت النتائج على خلاف توقعات كثير من المحللين من احتمالية تراجع فرص فوز النهضة تحت وقع خسارة نائب رئيسها، عبد الفتاح مورو، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف الشهر الماضي.
ورغم فوز النهضة بالمركز الأول (52 مقعدا) في الانتخابات البرلمانية، إلا أنها تراجعت بالمقارنة مع نتائج 2014 والتي فازت فيها بـ68 مقعدا، وهو ما عدّه مراقبون تراجعا في شعبيتها.
وعلى العموم، فإن تجارب مشاركة الحركات الإسلامية السياسية في السلطة تثير جدلا داخل صفوفها، وفي أوساط المراقبين والدوائر المعنية، إذ يُشار إلى أن مشاركتها غالبا ما تفضي إلى انكشاف قدرتها على الإنجاز بعد انتقالها من مواقع المعارضة إلى كراسي الحكم، وبالتالي تآكل شعبيتها نتيجة عجزها عن الوفاء بما وعدت جماهيرها به، واضطرارها إلى التنازل عن بعض مبادئها تحت ضغوط الواقع وإكراهاته حسب لمراقبين.
وفي هذا السياق يرى الكاتب والباحث السوري، أحمد الرمح أن «فشل الحركات الإسلامية السياسية المشاركة في السلطة أظهر ضعفها أمام جماهيرها، وهو ما أفضى بالتالي إلى تراجع شعبيتها كثيرا».
وأرجع الرمح فشل الحركات الإسلامية في السلطة إلى عدة أسباب، من أبرزها «تمكن كثير من السلطات الاستبدادية من توظيف تلك الحركات كأداة ووسيلة لامتصاص الغضب الشعبي من السياسات الداخلية لتلك الأنظمة»، مضيفا «فكانت تلك الحركات تقدم نفسها باعتبارها أنموذجا إسلاميا يعد الشارع دائما بأحلام وردية، لكنها سرعان ما تتبخر من غير أن يتحقق منها شيء يُذكر».
وتابع سرد أسباب فشل تلك الحركات مشيرا إلى أن «ضعف خبرتها في إدارة السلطة التنفيذية، أوقعها في حرج شديد»، مستشهدا بحالة «حزب العدالة والتنمية في المغرب» الذي تولى السلطة التنفيذية لأكثر من دورتين لكنه فشل في تحقيق كثير من الوعود، ما أدّى إلى انحسار شعبيته.
ولفت الرمح إلى أن «حركات الإسلام السياسي تسرف كثيرا في تقديم الوعود لجماهيرها، دون وعي منها بطبيعة الواقع الذي تتحرك فيه، وإمكانيات تحقيق ذلك، فتصدم بعد ذلك بحجم المعوقات والموانع من جهة، إضافة لضعفها وقلة خبرتها في إدارة السلطة التنفيذية».
وأضاف: «لهذه الأسباب وغيرها فشلت تلك الحركات، وهي الأهم والأكثر تأثيرا من الأسباب الموضوعية التي عادة ما تعلق عليها تلك الحركات أسباب فشلها» مشيرا إلى أن خلاصة تجارب تلك الحركات تقول أنها «ناجحة بامتيار وهي تعمل في صفوف المعارضة، لكنها فاشلة بامتيار كذلك حينما تنتقل إلى كراسي الحكم».
من جهته اعتبر الكاتب والأكاديمي المصري هاني نسيرة أن «تجربة الحركات الإسلامية في الحكم أحد الأسباب الرئيسة المسؤولة عن تراجع شعبيتها في أوساط جماهيرها وقواعدها» مستشهدا بخسارة مرشح النهضة عبد الفتاح مورو في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس.
ولفت نسيرة إلى أن «تجربة تلك الحركات في السلطة كانت مرة، وأثبتت أن حديث الوعود الذي تمارسه إذا ارتبط بالحالة الدينية لا يعدو أن يكون أحلاما سرعان ما تتبدد على صخرة الواقع».
وردا على سؤال حول أسباب فشل تلك الحركات في إنجاز ما وعدت به بعد تسلمها السلطة أرجع نسيرة أسباب ذلك إلى «كون تلك الحركات تمتلك فقه الجماعات ولا تمتلك فقه الدولة، ولم تتمكن من الانتقال من منطق الجماعات إلى منطق الدولة» على حد قوله.
ووافق نسيرة على «التوصيف الذي يرى أن بعض الحركات الإسلامية التي دخلت دهاليز الحكم بتحالفات اضطرت معها إلى التنازل عن بعض مبادئها الأمر الذي أضرَّ بشعبيتها كثيرا»، واصفا إياه «بالتوصيف الدقيق».
بدوره قال القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني ارشيد «إنّ سؤال تآكل شعبية الحركات الإسلامية السياسية بسبب مشاركتها في الحكم، ينطلق من عدة فرضيات، واعتبارها مسلمات، والذهاب إلى دراسة نتائج تلك المسلمات المفترضة وتداعياتها على مستقبل الحركات الإسلامية» منتقدا ذلك بأنه «ليس منهجا علميا».
وقال بني ارشيد: «حتى ندخل البيوت من أبوابها لبحث الموضوع بعلمية وحيادية من الضروري استعراض الحركات الإسلامية التي حكمت أو شاركت في الحكم، أو تلك التي شاركت في الحياة السياسية والمدنية، ومقارنتها بالأحزاب السياسية الإسلامية التي رفضت مبدأ المشاركة في (الحكم، و/أو الحكومات، و/أو الحياة السياسية، مثل الانتخابات البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني».
وأضاف: «وحين يتم تقييم تجارب مشاركة الحركات الإسلامية في العمل السياسي، لا بد من طرح السؤال التالي: هل جميع التجارب في جميع الأقطار متشابهة، أم أنها تختلف في نتائجها من تجربة إلى أخرى؟ هل تجربة تونس مثلا مثل تجربة المغرب؟ أو تجربة السودان مثل تجربة تركيا (سيجادل البعض في كون التجربة التركية إسلامية أم لا)؟».
وتابع: «ولا بد أثناء عملية الدراسة والتحليل والمقارنة من استحضار البيئة الخاصة بكل تجربة في كل قطر أيضا، علما بأن دولا عربية كثيرة تخلو من المشاركة الشعبية، حيث تنفرد العائلة أو الفرد بالحكم».
ولفت بني ارشيد، الذي شغل نائب المراقب العام الأسبق في إخوان الأردن إلى أن «الأمثلة الواقعية لنتائج مشاركة الحركات الإسلامية ليست متشابهة، وفي الحالات التي تراجعت فيها شعبية الحركات الإسلامية لا بد من عملية مراجعات جادة حول أسباب هذه النتيجة».
ولم يتردد بني ارشيد بالقول إنه «لا يخفى على أحد، ولا يمكن إنكار أن خبرة الحركات الإسلامية في تسيير أمور الدولة متواضعة، وأن التأهيل النظري ليس كافيا، وأن خوض التجربة العملية واكتساب الخبرة أمر ضروري، لكن المبالغة في تقدير ايجابيات المشاركة لدى بعض الحركات أدّى إلى الحرص على المشاركة بأي ثمن، ما أفضى إلى التماهي مع الواقع السياسي القاسي، ومن ثم أدّى إلى تراجع في شعبية تلك الحركات».
وبخصوص تراجع عدد المقاعد التي فازت بها حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نبه بني ارشيد على أنه «بالرغم من هذا التراجع إلا أن النهضة بقيت الحاضر الوحيد في كل الانتخابات التونسية بعد الثورة، فيما تراجعت أو تلاشت بقية الأحزاب السياسية».
وختم حديثه بالتعليق على ما يقال عن تنازل الحركات الإسلامية المشاركة في الحكم عن بعض مبادئها، بأن «هذا العنوان يُشكل أحد التحديات أمام الحركات الإسلامية، وهي مدعوة إلى تحديد المبادئ والثوابت، والمصالح المعتبرة».