مايربط التعبيرات الفنية المعاصرة بالأفضية العمومية للمدن

تساهم فنون الشارع في الديناميات الثقافية والفنية التي تعرفها الأوساط الحضرية عبر العروض الفنية والمسرحية التي تعرض في الأفضية العمومية، والساحات الخارجية لدور الشباب والممرات، وذلك راجع لوعيها بأهمية الفن في تعزيز السلوك المدني المواطن وكذا معالجة الظواهر المشينة و الرقي بالذوق العام كما هو الشأن في الغرافيتي الذي يزين جداريات المدن بلوحات فنية عملاقة.
فكل تمظهرات التعبيرات الفنية ساهمت بشكل كبير في تفعيل الدينامية الثقافية بالفضاءات العمومية في المدن المغربية التي تنتشر فيها مختلف أشكال فنون الثقافة الحضرية.وتدخل تلك التعبيرات الفنية ضمن ثقافة الشباب وتشمل فنون الشارع،التي تختلف وتتنوع شكلا ومضمونا: (العزف على الآلات الموسيقية والغناء أو النحت، أو الكتابة أو الرسم أو الحكي …وغيرها). إنها بوجه عام تشير إلى تجليات الثقافة الحضرية وتمظهراتها في الفضاء العمومي باعتباره فضاء تواصليا.
كما أن “فرجات الشارع “هي وسيلة، تفتح للشباب مجالا للتعبير عن آرائهم التي تتعلق بالشأن العام المجتمعي، وإسماع صوتهم للآخر في فضاء مفتوح للجميع، وهو الشيء الذي يجعلهم محط أنظار الجميع، في ظل أنهم يتخذون من الفضاءات العمومية ميدانا للتعبيرعن هذه القضايا. تجد هذه المجموعات هامشا من الحرية لتحقيق ذاتها وتشكيل هويتها اجتماعيا سياسيا وثقافيا، حيث أصبح هذا الفضاء العمومي يشكل ركحا لهم ، وهذا يحيل إلى منظور “التفاعلية الرمزية ” الذي ينطلق من الذات وماتصدره من أفعال تساهم في التأثير في المحيط الإجتماعي.
إن الوضعية التفاعلية بهذا المعنى وضعية لعب مسرحي مركزها الأداء المظهري و الحركي و القولي في وضعية وجها لوجه مع الآخرين، على اعتبار أن الذات كيان اجتماعي ينبني من خلال عملية التفاعل الرمزي بين الذات و الآخر ، وهو مايدفع كذلك إلى استدماج القيم و الاتجاهات السائدة في الوسط الاجتماعي التفاعلي.
ولا يفصل التعبير الفني عما يدور في سياقه من مظاهر ثقافية واجتماعية وأحداث يومية، فيكون بذلك الفضاء مجالا يستمد منه الشباب تعابيرهم الفنية المرتبطة بمضامين حية وواقعية، وفضاء للتعبير عن المشاعر والأحاسيس ، فرجات الشارع جعل من الفضاءات العمومية مكانا رمزيا للقاء و التناقل والاستكشاف ومكان للتعبير الفني و السياسي والثقافي.
تشكل الفضاءات العمومية بالنسبة للشباب الحضري، ركحا مسرحيا للعمل الفني، حيث يتخذون من هذا المكان فضاء للتعبير ولعرض مختلف الأشكال الفنية على اختلافها، كما يعتبرون أن وجودهم بالساحات العمومية عبر الحصول على التراخيص القانونية و هو شكل من أشكال “الحق في المدينة “نظرا لأنه من حقهم كمواطنين استغلاله للتعبير والإبداع الفني. ويعرف “الحق في المدينة” في هذا السياق بأنه يشمل: الحقوق المعترف بها دوليا للسكن، الأمن الإجتماعي، العمل، مستوى معيشة ملائم، الترفيه، المعلومات، التنظيم وحرية التجمع، المشاركة و التعبير عن الذات ” و الثقافة، إنها تشمل كل حقوق ومسؤوليات المواطنةبما لايتعارض مع المسؤوليات والقواعد القانونية .
إن الحياة اليومية بالأوساط الحضرية متعطشة للروابط الفنية و الاجتماعية في ظل العزلة التي تطغى على الحياة المدينية، وتصاعد الفردانية وغياب التعارف والتجانس بين الأفراد نتيجة لوثيرة التمدن ، التي تعرف تسارعا في الوقت الراهن مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية وينتج قيم وأنماط سلوك جديدة.


الكاتب : الحسين طلبوي

  

بتاريخ : 26/10/2023