كانت بداية هذا الملف الحقوقي يوم 24 نونبر 1977، حين وصلت لائحة تضم معتقلين سياسيين اتحاديين، صدر في حقها عفو ملكي بمناسبة عيد الأضحى، إلى مطبعة جريدة «المحرر» بزنقة الجندي روش بالدار البيضاء، حيث يعمل الابن البكر للمختفي القسري أحمد بن موسى برهيش، فقد نبهه رفاقه وزملاؤه في المطبعة أن اسم والده موجود ضمن لائحة المعفى عليهم من السجن المركزي بالقنيطرة، وأن عليه التوجه رفقة والدته إلى هناك لاستقباله. أخذ الابن عدد الجريدة معه، حيث توجد اللائحة بالأسماء في أعلى يمين الصفحة الأولى، كخبر رئيسي أول، واسم والده هو التاسع ضمن 17 معتقلا سياسيا اتحاديا، ضمنهم عبد الرحمن شوجار (المراكشي)، محمد عواد (عامل الجريدة)، أحمد أباعقيل، بوشوا مبارك والزوليطي مبارك (من مجموعة شيخ العرب)… إلخ، وتوجه إلى أمه وإخوته ليبشرهم بالخبر.
فعلا توجه الابن ذاك رفقة والدته فرحين رأسا إلى القنيطرة في انتظار خروج رب العائلة مع المجموعة المعفى عنها، وبقوا ينتظرون هناك لساعات رفقة باقي عائلات المعتقلين بالسجن المركزي. ثم كانت الصدمة أن خرج كل المعفى عنهم، عدا رب العائلة أحمد بن موسى برهيش. ما السبب؟ فكان الجواب: «إن والدكم توفي ودفن منذ أسابيع.». كيف توفي وضمن أية ظروف؟ لا جواب رسمي حينها. أين دفن وأين قبره، ومن دفنه؟ لا جواب رسمي أيضا. فدخلت العائلة مرحلة مقاومة طويلة النفس لكشف الحقيقة، لا تزال متواصلة إلى اليوم.
سيصدر سنوات بعد ذلك، ضمن أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة، مقرر تحكيمي (رقم ن. 1100)، ملف (رقم 766/ 883 س. ع.) بتاريخ 3 يوليوز 2002، يؤكد من حيث الموضوع أنه قد تبين للهيئة من دراسة مستندات الملف أن قضية السيد أحمد بن موسى برهيش «تدخل ضمن حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي». مثلما سيصدر مقرر أممي لمجلس حقوق الإنسان الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة، أقر فيه الفريق الأممي بأن حالة السيد برهيش تندرج ضمن حالات الاختفاء القسري مجهول المصير، وذلك في الدورة 117 لذلك المجلس الدولي المنعقدة بسراييفو ما بين 11 و15 فبراير 2019.
هذه الوثائق الصلبة قانونيا، قدمتها العائلة منذ 2019، إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصفته الجهة المخولة قانونيا، وبقوة أحكام الدستور المغربي، متابعة تنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة في ملفات مماثلة وكذا تتبع ملفات الاختفاء القسري، اعتبارا لأنها الجهة الإدارية التي تتعامل معها رئاسة الحكومة في ملفات ذات صلة مماثلة. ولقد راسلتها في مناسبات عدة للوصول إلى تحديد أسباب الوفاة ومكان الدفن والجهة التي قامت بالدفن. ولا تزال تلك العائلة تنتظر الجواب الفصل والإنصاف. صحيح أنه قد تم تسليمها وثيقة رسمية تعود إلى إدارة مستشفى الإدريسي بالقنيطرة تحدد تاريخ دخول السجين برهيش إلى مصالحها للعلاج وأنه توفي بأحدى غرفها، مع تحديد تاريخ الوفاة، لكن لا شئ مذكور فيها عن سبب الوفاة ولا عن الجهة التي تسلمت الجثة.
بعد بحثنا الصحفي في حيثيات هذا الملف، أخبرنا أن على العائلة أن تراسل رئاسة الحكومة مباشرة لتطلب منها، بصفتها رئيسة الإدارة المغربية، الكشف عن مصير رب العائلة ومكان دفنه، لأن الإدارة هي مالكة الوسائل المادية واللوجيستيكية للقيام بذلك. لكن بالعودة إلى القانون المنظم لعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اتضح أن المجلس هو الجهة المكلفة والمخولة قانونا بمراسلة رئاسة الحكومة باسم العائلة. هل تم هذا الإجراء الإداري أم لا؟ لم نستطع الجزم قطعيا في ذلك، رغم بحثنا الصحفي فيه. ولا شئ يؤكد ذلك بالنسبة للعائلة.
الخلاصة هي أن عائلة المواطن المغربي المرحوم أحمد بن موسى برهيش، من مجموعة شيخ العرب (المعتقل سنة 1964، الصادر في حقه حكم قضائي أمام محكمة مراكش بتاريخ 14 أبريل 1967، ملف عدد 162/ 67، يقضي بسجنه 25 سنة)، تطالب الجهات المسؤولة، من رئاسة الحكومة ومن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تفعيل روح هيئة الإنصاف والمصالحة، والتجاوب مع مقرراتها التحكيمية وكذا مع المقرر الأممي الخاص بملفه، وتشرع في تفعيل مسطرة الكشف رسميا ونهائيا عن ظروف وفاته بدقة ومكان دفنه رحمه الله، حتى تمارس حقها الإنساني في الترحم على روحه وأن يكون لها قبر تقف عنده لتقرأ عليه الفاتحة، وأن هذا هو المعنى الكامل للإنصاف والمصالحة بالنسبة لها، هي التي تنتظر في عذاب متواصل منذ نونبر 1977، الطي النهائي لملف رب العائلة.
متى تنصف الحقيقة في ملف المختفي السياسي قسرا أحمد بن موسى برهيش؟
الكاتب : أنس عثمان
بتاريخ : 03/03/2023