مثقفون غربيون في رسالة جوابية إلى المثقفين العرب: التزامنا بحق الشعب الفلسطيني لن يخبو طريق السلام طريق وعرة، لكنها الوحيدة الممكنة

 

بعد أن ساهم التضليل الإعلامي الغربي في تقديم صورة مغلوطة وعكسية لما يحصل من مجازر وحرب إبادة ضد الفلسطينيين بغزة، استسلم العديد من المثقفين في الغرب لهذا الخطاب المضلل وهو ما أصاب المثقفين وكل ذوي الضمائر الحية في العالم بخيبة أمل كبيرة تجاه بعض الأسماء التي عرفت بمناصرتها اللامشروطة للحرية والتحرر وحقوق الإنسان في العالم، والتي اختارت الصمت وهي ترى جثث الأطفال وأشلاءهم تتناثر وسط الرماد والخراب.
هذا الموقف دفع مجموعة من المثقفين العرب إلى بعث رسالة إلى المثقفين في الغرب، ممن انساقوا وراء مواقف حكوماتهم الرسمية التي تعاملت مع الشعب الفلسطيني وما يحصل من مقاومة بوصفه «إرهابا»، في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الذي يقر حقوق الشعوب في تحرير أراضيها المحتلة بالوسائل كافة، بما فيها العمل المسلح، أو من اختاروا موقف الصامت المتفرج.
الرسالة أرسلت، عبر نسختيها الإنجليزية والفرنسية، إلى مؤسسات ثقافية وجامعات ومراكز أبحاث ومطبوعات غربية، تدعو إلى حوار ثقافي حول المبادئ والقيم التي ناضلت شعوب العالم طويلا من أجلها، وموقع قضية فلسطين فيها، عسى أن يُصحح الضمير الثقافي الرؤى والمواقف الخاطئة التي يقع فيها كثير من المثقفين في الغرب. وهي الرسالة التي ذُيلت بتوقيع عشرات المثقفين من معظم البلدان العربية، مثل أدونيس ومارسيل خليفة وعبد الإله بلقزيز ونصير شمة وعلوية صبح وعزيز العظمة وعلى أومليل وشوقي بزيع وأمين الزاوي ومحمد برادة ومحمد المعزوز وواسينى الأعرج وفخري صالح وداود عبد السيد وعبده وازن ونبيل عبد الفتاح.
وقد توصل الشاعر والناقد أدونيس برد على هذه الرسالة موقع من عدد من المثقفين الغربيين نذكر من بينهم: دومينيك فيدال (صحفي ومؤرخ)
فيليب تانسلين (شاعر وفيلسوف)، فرانسيس كومبس ( شاعر)
كريستوف دوفين (شاعر)، إيف فارغاس، (فيلسوف) بيير كورس سالييس، (عالم اجتماع)، يؤكدون من خلالها أن التزامهم بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني لن يخبو، مضيفين «إننا ندرك العمل الشاق الذي قمنا به منذ زمن طويل جدا لجعل صوت القانون مسموعا من قبل للصامتين بل للخرسان، في سبيل إحقاق العدل وفي سبيل إنسانية تحترم ذاتها».
وقد جاء في الرد أن المثقفين الغربيين، بدورهم، يشاركون العالم الحر قلقه وسخطه أمام الأحداث المأساوية التي تجري في غزة وفلسطين، مع إحساسهم العميق بالعجز تجاه مذابح الآلاف من الرجال والنساء والأطفال.وأكد موقعو الرسالة (30 توقيعا) أنهم يشتركون مع كل أحرار العالم ومثقفيه «القيم الأخلاقية الأساسية للحضارة الإنسانية»، داعين إلى «فرض وقف إطلاق النار، وإنهاء حصار المياه والكهرباء، وضمان المرور الآمن للشاحنات الإنسانية التي تحاول مساعدة السكان الفلسطينيين في القطاع».
وأضافت الرسالة أن على المثقفين في كل العالم، أمام هذه الأحداث الرهيبة، أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن حقوقهم مهما كانت الظروف.
ولفتت الرسالة إلى الوقع السيء لعملية حماس في 7 أكتوبر الماضي، وهو الوقع الذي أيقظ وسط الرأي العام الغربي، عقدة الذنب تجاه ذكرى المحرقة، إلا أن هذا لا يبرر حسب الرسالة، الأعمال الانتقامية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة وآلاف القتلى الذين تسببت في قتلهم مع ما أثاره الأمر من ازدواجية في المعايير، ازدواجية ترى دم الفلسطيني وحياته «أرخص حوالي أكثر من عشر مرات أقل من حياة الاسرائيلي»، وهو ما يتطلب «التمرد على هذه الأحادية التي تنهج سياسة الكيل بمكيالين»، وتعزيز الحوار بين الشرق والغرب، خاصة حول تاريخ الشعوب وثقافاتها وحضاراتها».
هذه الازدواجية اعتبرتها الرسالة جزءا لا ينفصل عن العنصرية التي لا تزال تميز الفكر السائد في الغرب وتثير الغضب العميق، وهي ما يجعل الفلسطينيين اليوم يشعرون باليأس ويشعرون بتخلي الجميع عن قضيتهم، خاصة أن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي المحتلة أو المستعمرات غير الشرعية لم تفعّل قط، وحتى الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحقهم تبقى دون عقوبة . وأضافت الرسالة أنه «من غير العدل الادعاء بأن كل شيء بدأ في 7 أكتوبر» ومحو تاريخ من الظلم والاستعمار منذ النكبة ، في ظل وضع عالمي لا يعترف إلا بالقوة طريقا لإعادة رسم خريطة التوازنات الدولية وتحقيق «المصالح العليا للدول الغربية ولدول الجوار أيضا».
وحول مستقبل غزة وفلسطين بعد الحرب، أوضحت الرسالة أنه عند انتهاء هذه الحرب،» لا يمكن تصور مستقبل الإسرائيليين بدون الفلسطينيين. لن يكون بمقدور أي مبادرة أن تأتي بـ»حل نهائي» لهذا النزاع. ويبدو لنا أن الحل الوحيد هو أن نسلك معا طريق السلام، قد تكون طريقا وعرة ولكنها الوحيدة الممكنة. الأرض التي شكلتها فلسطين التاريخية وإسرائيل هي أرض صغيرة ولكن بمقدورها أن تصبح مجالا يتسع للجميع، شريطة أن نضع حدا للعلاقات الاستعمارية وللميز العنصري» ، وأن «الأمل الوحيد الممكن، للفلسطينيين والإسرائيليين، هو المسار الذي حددته جنوب إفريقيا بفضل مانديلا وبوتا عندما تحرر هذا البلد من الميز العنصري عبر الاعتراف بالحقوق المتساوية للجميع».
واعتبر المثقفون في رسالتهم أن حل الدولتين الذي دافعوا عنه دائما فقد مصداقيته بشكل رهيب بسبب الطريقة التي انحرفت بها اتفاقات أوسلو وانتهكت، معتبرين لا أنه «لا يزال نقطة العبور الوحيدة الممكنة اليوم. لكن على المدى الطويل سيتعين علينا إيجاد طريقة للعيش معا، وللعيش معا، سيتعين علينا رفض جميع القوميات المتطرفة والتعصب الديني والقوى التيوقراطية والعنصرية وقبول العيش في دولة مختلطة، ربما فيدرالية، ديمقراطية وعلمانية مثلما تم اقتراحه منذ زمن غير بعيد».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 14/11/2023