مواعدات رقمية: من الخفقان الى الخيبة
استجوبت خلال الشريط الوثائقي الذي عهد إلي بإنجازه حوالي ثلاثين عازبا من مختلف الأعمار والأوساط، الشباب كما المسنين، كان التساؤل حول العلاقة بمواقع المواعدة. الموقع بالنسبة الى كوليت/Colette»، سيدة مطلقة، في العقد الخامس من عمرها، تعيش في منطقة (le Gers)، فرصة لا تعوض للقاء برجال خارج قريتها الصغيرة، هناك حيث الكل على معرفة ببعضه بعضا. بالنسبة الى «سيرج/Serge»، شاب باريسي لم يجاوز الثلاثين من عمره، الموقع أداة تسمح، قبل كل شيء، باختبار قدرته على «الإثارة الجنسية/Sex-Appeal» ومراكمة مغامراته. على طبق تتيح له هذه الخدمة الرقمية إمكانات يومية جديدة، فهو يعشق برمجة مواعدات عديدة في نفس الأمسية بحثا عن تحقيق الإنجاز. أيضا هناك «دلفين/Delphine» التي قاربت عقدها الرابع، والتي تعتبر موقع «ميتيك» نافذة اختبارية مثيرة يمكنها، يوما ما، أن تهديها الرجل النموذجي، حتى وإن كان ذلك ليس هدفا في حد ذاته.
احتفظت خلال العشرات من استجواباتي للعديد من العزاب بأنموذج من ثلاث مراحل أمسكني قياسه طبقا لمحكيات مستخدمي اليوم الذين يقدمون، بكثافة، على تطبيقات المواعدة. يبدو أن الخطاطة قد حالفها الحظ في أن تكون إجرائية.
المرحلة الأولى هي الفترة المسوقة، فترة الإحساس البهيج بالقدرة على توسيع نطاق العلاقات خارج الأفق العائلي والمهني. انطباع بسهولة الوصول إلى المئات من الإمكانات، فقط، ببعض النقرات. فرصة متاحة أمام شخص جاهز، وكئيب، ومتخلى عنه، أو مطلق، لأن يتمكن، حالا، من استرداد توثبه دونما انتظار للقاء جسدي غير مؤكد. يستقبل موقع «ميتيك»، أيضا، العديد من الأشخاص المتزوجين الذين تستفرد بهم بعض المواقع المنافسة بوصفهم شريحة مستهدفة، كموقع «Ashley Madison»، أو موقع «(2009)Gleeden»، اللذين يدعيان سبقهما كأول موقع للمواعدة خارج المؤسسة الزوجية، مواقع كانت النساء وراء التفكير في إنجازها، لكن تمويلها كان من قبل رجلين! مرة أخرى، النساء هن اللواتي يتعين إغراؤهن لاجتذاب الزبائن الذكور. أن يتمكن الشخص من الاطمئنان لرصيده الإغرائي، وأن يدرك، بسرعة، أنه موضوع إعجاب، فتلك خاصية تثير جرعة من الدوبامين مشجعة. إيجابية، جدا، هذه المرحلة الأولى طالما أنها تغدق الثناء على «الأنا» النرجسي، «L›ego»، معززة تقدير الذات وربما ممتلكة لوظيفة تعويضية من خلال تقديم فرص لانهائية. تصوروا، العالم رهن أيديكم ولا ينتظر أحدا سواكم! ثم بعد ذلك، تأتي الفترة الثانية، تدريجيا ينزع هذا الوعد الجميل الى أن يتحول إلى خيبة أمل. تتتابع اللقاءات وتتشابه، ويغدو عرض الذات، في زمن محدود عملية ميكانيكية. المستخدم غارق في مقارنة دائمة للفرص، وحمولة اللقاء «السحرية» و «المدهشة» باتت تائهة داخل تطبيق المستخدم، وهو التطبيق الذي يعيد نفسه على نحو متكرر كما سطرت ذلك، منذ عشرين سنة، الباحثة السوسيولوجية «إيفا إيلوز/Eva Illouz» في مساءلتها للتمفصل القائم بين الحب والحداثة، «تتناسب ميكانيكية الرغبة، بشكل أفضل، و الندرة».
حسب الباحثة الجامعية: «بقدر ما نلاقي الأشخاص، بقدر ما نعي الخصاص لديهم». لذلك، إذا كانت المحاولة، في أحايين كثيرة، تدفع بالعازب الى مباشرة تطبيقه أكثر، فإنه يصبح أكثر واقعية لأن السحر ولى.
آن الفترة الثالثة، سواء عثر الشخص على حبه (هذا قد يحدث كما لا تخطئ الإشارة الى ذلك مواقع المواعدة) أو تخلى عن التطبيق محطم القلب جراء هذا الإجراء الذي أضر به أكثر مما جلب إليه النفع، أو تمكن من تنظيم وترشيد استخدامه، فإنه يعتبر أداة اللقاء هاته، غير كافية لنماء حياته العاطفية. لكن فكرة الحصول، دوما، على ماهو أفضل، تزج بالعازب، خلال فترة البحث، وعلى نحو ما، داخل حالة من عدم الرضى الدائم. هذا ما تشير إليه «إيفا إيلوز/Eva Illouz» في معرض حديثها عن طفرة مواقع المواعدة على المباشر الحي (En ligne) : «لقد أصبحنا آلات تقويمية. اقترابنا من الأشخاص، طبقا لجوهر الحب، بات أقل، وغدا أكثر إذا ما نظرنا إليه من زاوية كونه أثر تقويم، أو أثر خيار على صعيد الاستهلاك». في غمرة علاقة عابرة، ننزع الى التحليق، بسرعة صوب مغامرات أخرى. يزيد الإصرار لدى المستخدم وتصيبه مضاعفة الممكنات بالدوار. طبعا الأمر لا يتعلق بالعودة إلى زواج مصلحة، حيث ليس للمرأة حتى حق اختيار شريكها مع بقائها مجبرة على أن تمضي الباقي من حياتها مع كائن مفروض عليها، ولكن بعملية استبدال كما توجز ذلك، مرة، أخرى، الباحثة إيفا إيلوز، يبدو أننا «استبدلنا الحرية بعدم استقرار معمم». بعد مداعبتي الأولى للموضوع وللشريط الوثائقي الذي اختص جزء منه بالآثار العكسية لموقع «ميتيك»، بدا لي مهما تحليل أدوات سنة 2020، ومن جملتها تطبيق تاندر/Tinder الذي فرض نفسه كمدارة لا غنى عنها في ما يتصل بالعلاقات الحديثة. لنسجل، بالمناسبة، أن موقع «تاندر»، و «ميتيك» ينتميان، من الآن وصاعدا، الى نفس المجموعة، يتعلق الأمر بالعملاق الأمريكي «Match.com» كيوبيد (إله الحب) رقمي يجتذب، عاليا، عشرات الآلاف من المنخرطين وأكثر من ثمانية ملايين مستخدم يؤدون نقدا، نصفهم، والتعبير لـ»تاندر» «لإشعال الفتيل». «ماتش/Match»، إذن، كان وراء لقاء الملايين من الأشخاص. سلطة ضخمة يحوزها لوغاريتم Match الذي يقرر بشأن إمكانات المستخدمين العاطفيين أو الجنسية، هل يتمتع ملاك الحب، هذا، بحياد مطلق؟ وكيف يلمع سهامه الملتهبة؟ وعلى الأخص، هل صحيح أنه لا يريد بنا إلا خيرا؟