“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 19 : جيل بدون جنس

قد لا أكون «الطفل العامل/Baby Boomer» الذي رأى النور ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية سنوات الستينات. أنا من الجيل الذي درج على قيم وإيديولوجيا ما بعد 1968. أن تتمكن من الاستفادة من مزيد حريات أكثر من أبويك، فذاك ما يبدو لي طموحا محمودا بالتمام، ومتناسبا مع تفتح الشباب – حركية أكثر، ومزيد من حرية التعبير، والقدرة على التمتع بحرية جنسية أكبر.
يبدو أن الجيل (ز،Z) «المواليد بدءا من سنة1995»،لا يستفيد، حقيقة، من هذه الفكرة الأخيرة. لقد أثبتت دراسات أمريكية أن الأجيال الشابة تمارس الجنس اقل مما كان عليه الأمر بالنسبة الى آبائهم. يذهب الملاحظون إلى حد إثارة ما يمكن تسميته ب « الفتور الجنسي/Récession Sexuelle». بحسب فريق من الباحثين وبإشراف من الطبيب المختص النفسي «جون توينغ/Jean Twinge»، والذي ندين له بمصطلح «Igen» لتعيين أولئك الذين ولدوا وفي أيديهم هاتف آيفون، فإن نسبة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم مابين 14 و18 سنة والذين كانت لهم علاقات جنسية، قد تراجعت من 54 بالمائة الى 40 بالمائة، وقفزت نسبة البالغين الذين صرحوا «ألا تجربة لديهم بالمرة»، خلال السنة الفارطة، من18 بالمائة عند نهاية سنة 1990 إلى 22 بالمائة في المرحلة الممتدة مابين 2014 و2016. منزع نعثر عليه في المملكة المتحدة ولدى الأزواج الأستراليين، أما لدى الفلنديين، فقد لاحظت الدراسة المعنونة ب»نهاية الجنس/FinSex» تقلصا في وتيرة العلاقات الجنسية وتزايدا في عملية الاستمناء. كيف يمكن أن تفسر هذا الوضع دون أن تتحول الى «عجوز أحمق/Vieux con»، أو أن تتعرض لأذى من طرف «أخرق عتيق/Ok Boomer» كما ينطقها قراء هذه السطور من الفتيان (إن كانوا فعلا من بين قراء هذا الكتاب)؟
ثمة ملاحظات عديدة تفرض نفسها. لأول مرة، منذ قرن من الزمن، ينزع الشباب الأمريكي البالغ، أكثر فأكثر، إلى البقاء في منزله صحبة الوالدين، مفضلا ذلك على الزواج أو العيش مع شريك آخر. إنه «أثر التانغاي/L’effet Tanguy» الذي أخرجه سينمائيا في فرنسا سنة 2001، «اتيان شاتيلييز/Etienne Chatiliez» سنة 2020 لم يعد ثمة داع إلى إنجاز فيلم حول الموضوع، طالما أن الوضعية بدت، من الآن وصاعدا، تافهة. طول أمد المرحلة الدراسية وصعوبة الحصول على سكن وفقدان الثقة في المستقبل، كل ذلك يدفع بالشباب الى البقاء، أطول مدة ممكنة، داخل بيت العائلة، وتلك وضعية غير مناسبة لاختبار حياة جنسية جامحة.
ارتفاع نسبة التزود بالهواتف «الذكية» والشاشات يتزامن، أيضا، وهذا الفتور الجنسي. على السرير ربما قد يعثر زوج شباب «Un jeune Couple» – صحبة نيتفليكس عبر المشاهدة الباردة لأحد من المسلسلات أثناء بعض من ساعات ترفيهه – على المزيد من الإشباع المباشر أكثر منه داخل البحث عن النشوة الجنسية. حالة من المتعة مثيرة جدا. لكنها تستلزم، الى جانب ذلك، نوعا من الجهد الذي تبقى نتائجه غير مضمونة. أفضل للعازب أن يظل، بسهولة، في بيته ليحادث، على «تاندر» شخصا، ربما، لن يلاقيه أبدا، من أن يرغم نفسه على ارتياد حانة بمشروبات باهظة الثمن. طبعا ثمة سهولة في الوصول إلى الافلام الإباحية إلى درجة أن «سحر الشيء» بات نزاعا إلى الظهور قدر تفشي الاستمناء أمام الشاشات، (مابين سنيين 1992 و2014، تضاعفت نسبة الرجال الذين يمارسون العادة السرية خلال أسبوع واحد لتصل 54 بالمائة. رقم تضاعف ثلاث مرات لدى النساء ليصل نسبة 26 بالمائة).
الافضل من ذلك، أيضا، قراءة الأسرار الخاصة بشاب أمريكي تلقتها مجلة «نيويورك ماغازين» واستعادتها الأسبوعية الفرنسية «البريد الدولي/Le courier International» في سياق ملف كبير يسائل هذا التراجع الليبيدي: «مع الانترنت يسهل إشباع حاجاتنا الجوهرية، الاجتماعية والجنسية، والتي تعوزنا الشجاعة لإعلانها في عالم الواقع سعيا وراء استيفائها. ليس لأن الانترنت يقدم إشباعا أكثر من الجنس أو العلاقات الغرامية، لأن الحال ليست كذلك، ولكن لأنه يمكن أن يمنح، فقط، ما يكفي من الإشباع، سدا للحاجات (…) أعتقد أنه صحي أن نتساءل: إن لم يكن لدي كل هذا، هل سأكون متوثبا للخروج أكثر؟ هل سيكون لي المزيد من العلاقات الجنسية؟ بالنسبة إلى كثير من جيلي أعتقد أن الجواب نعم». على الأقل لا أحد سيعترض على هذا الشاب ذي الأربع والعشرين سنة»، لأخرق عتيق/Ok Boomer».
يصف «فليب برونو/Philippe Brenot» أخصائي التحليل النفسي والمعالج الجنسي والمدرس في جامعة باريس – ديكارت، العادات الجنسية على امتداد أجيال عديدة. يستحضر «جنسانية الخصوبة» خلال سنوات الخمسينات، و»الجنسانية المحررة خلال السبعينات، أو أيضا تلك «المقيدة» خلال سنوات ما بعد «السيدا»، سنوات الثمانينات. وماذا عن اليوم؟
هذا المصطلح المفارق، جنسانية عالم اللاتلامس! لنجرب في جراءة، إذا كان الناس يكافحون لأجل اللقاء والاختلاط ببعضهم بعضا،فثمة نزوع شرع في الاطراد، ذاك الخاص بحب متخيل وعلاقات افتراضية تتولى، عبرها، الإنجازات التكنولوجية صيانة وهم الوجود «وجها لوجه» إلى حد ترويض وخداع الذهن الإنساني. لقد حدد جامعيون أمريكيون «الجنسانية الرقمية/ C’igisexualité» من خلال موجتين متعاقبتين: يتعاطى الناس خلال الأولى، الأفلام الإباحية على المباشر الحي (En ligne) والألعاب الجنسية/Sex-Toys وتطبيقات المواعدة. وفي الموجة الثانية، ينسج الناس علاقات أكثر عمقا مع الأشياء التكنولوجية بفضل الذكاء الاصطناعي. علاقات على درجة من العمق قوية إلى حد أنها تبدو كما لو أن الأمر يتعلق، حقيقة، بإنسان شريك.


الكاتب : ترجمة: محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 02/04/2024