التعلُّم من أجل بلد أكثر قوَّة
« Xueixiqiangguo »، أو التَّطبيقُ الأحمرُ الصَّغير
بعد حقبة «ماوتسي تونغ»، الذي سَطَّرَ في سِتِّينَات القرنِ الماضي كتابَه الأحمرَ الصَّغير، عَمَدَ الرَّئيسُ الحاليّ، «تشي جين بينغ /Xijinping «، إلى تطوير دعايته الخاصَّة بواسطة التَّطبيق الرقميّ «Xueixiqiangguo»،أي « التَّعلُّم من أجل بلد أكثر قوَّة «.
لقد تَمَّ تحميل هذا التَّطبيق لما يزيد على مائة مليون مرَّة، منذ يناير 2019. الموظَّفون ( محامون وباحثون وأعضاء الحزب الحاكم ) مدعُوُونَ لاعتمادِ هذا التَّطبيق في أَسرع وقتٍ ممكنٍ، تماماً كَكُلِّ مواطنٍ ينأَى بنفسِه عن أَيِّ مشاكلَ محتملةٍ.
نعثُر في قائمةِ التَّطبيق، على مقالاتٍ وفيديوهات جميعُها على شَرَفِ الرَّئيس، نعثر خصوصاً على مسابقاتٍ لاختبارِ المعلومات حول تاريخِ البلد.
إنَّها صورة توضيحيَّة «لديكتاتوريَّةٍ صينيَّةٍ عن طريق اللَّعب» : أي أنْ تَستخدم اللَّعب لكي تَسُودَ جيِّداً.
وبقدر ما سيَظْهَر المواطن أكثرَ ولاء في أَعْيُنِ الآخرين، بقدر ما سيكسِب نقطاً على التَّطبيق، فالَّلعب في متناول الجميع. حتَّى رجال الصحافة، يَتَعيَّن أنْ يجتازوا على هذه المنصَّة ذاتِها اختباراً يَشْرِط ُتجديد بطائقهم المهنيَّة.
سيكون مستحيلاً أن تواصل نشاطك ما لم تكن جنديّاً في خدمة النِّظام.
لكنَّ الدولة التي أنشأت هذا التَّطبيق بمؤازرةٍ من العملاق التِّكنولوجيّ «علي بابا / (Ali Baba )»، لم تَنْسَقِ على نحوٍ أَهْوَج َوراءَ أهوائِها، بل عَمَدَت إلى حَصْرِ استعمالِ التَّطبيق في مدَّة زمنيَّةٍ لا تتجاوز 32 دقيقة في اليوم، متلافيَّة بذلك تعريضَ إنتاجيَّةَ الأُمَّة لأيِّ خطرٍ يمكن أن يَتَهَدَّدَها.
إِنَّ تطبيقَ»Xueixiqiangguo «،أكثر من مجرَّد «حلٍّ للأحاجي» ابتكرَهُ حِزْب ٌشُيوعِيٌّ حاكِمٌ. ثَمَّة َمقاولة للأمن السيبرانيّ، كشفَت وجود «بابٍ خلفيٍّ» يسمح للدَّولة بأن تُرَاقِبَ عن بعدٍ الهاتفَ» الذَّكِيّ»، مُجَمِّعَةً كلَّ بياناتِه ( سِجِلُّ الاتِّصالات، الصور، الإيمايلات، الرسائل النصِّيَّة القصيرة )، بل ويسمح عبر برنامجٍ حتَّى بتحميلِه.
يَتَعَلَّقُ الأَمر إذن بجاسوسِ جيبِ، يراقِبُ ملايينَ المستخدِمين مُتَسَقِّطاً أخبارَهُم دون أن يَعلَموا بذلك، بما في ذلك السيَّاح والدبلوماسيِّين والصحافيِّين الأجانب، الَّذين عَمَدٌوا بِدَاعٍ من الفضول إلى تحميلِ التَّطبيق.
أَسَرَّ لي السيِّد «أُنطوان بونداز / Antoine Bondaz»، الباحثُ بمؤسَّسَةِ البحثِ الاستراتيجيّ( FRS )، والمُبَرَّزُ المُخْتَصُّ في الشأْنِ الصِّينِيّ، أَنَّ المديرية العامة للأمن ( La DGSE ) زَوَّدَتِ الديبلوماسيِّين والتُّجَارَ الوافدين على الصِّين بتعليماتٍ أمنيَّةٍ تَقْضِي بِضرورةِ تَوَخِّي الحِيطَة والحَذر: «إذا شَغَّلْتُم هواتِفكم أثْنَاءَ مغادرة ِأرضيَّةِ المطار، فإنَّكم ستكونونَ موضوعَ تعقُّبٍ، وسيكونُ الوقتُ متأخِّراً لتفادي الأسوأ». نصيحةٌ بسيطةٌ وجازمةٌ في الوقتِ ذاته. لاتَحْمِلُوا في حقائِبِكُم أيّ جهاز إلكترونيّ، وأبداً، لا تَتَّصِلُوا بفرنسا.
كاميراتٌ في كُلِّ زاويةٍ من الأزقَّةِ، عمليَّةُ تنقيطٍ تُلاحِقُكُم مدى الحياة، وتطبيقاتٌ تَقتحم عليكم فضاءكم الشَّخصيّ للتَّجسُّس عليكم، ذاكَ هو المألوفُ اليوميّ للمواطنِ الصِّينيّ، الَّذي لن يعْثُر داخلَ الانترنت على أيِّ معلومةٍ تسمحُ له بفكِّ شيفرة نظام الهيْمَنة هذا.
مألوفٌ يوميٌّ، يكون فيه دوماً تحت أنظارِ جارٍ وَاشٍ محتمَلٍ، جاهزٌ لأنْ يُشير إليه بالأُصْبُع، أملاً في الحصولِ على بعضِ النّقط. مألوفً يوميٌّ، يُسَيِّرُه حِسُّ المواطنةِ كما ينبغي أنْ يتحلَّى به المواطن النموذجيّ، خدمةً لصالحِ البلادِ.
*الإيغور : معسكراتُ الاحتجاز في الزَّمن الرقميّ.
في مستهلِّ مارسَ من سنة 2014، تسلَّل بعض الأشخاص بقوَّةٍ وكثافةٍ إلى محطَّة»Kunming»، ( جنوب البلاد )، مُشْهِرِينَ سكاكينَهُم ومًغْتالينَ مواطنين صينيِّين، هجومٌ دَمويٌّ خَلَّفَ وراءَه واحداً وثلاثينَ قتيلاً، وأكثرَ من مائة وأربعين جريحًا. حدثٌ رأَتْ فيه السُّلُطات «11 شتنبر الصينيّ»، وسريعاً وُجِّهَتْ أصابعُ الاتِّهام إلى «إرهابيِّينَ مُحتَرِفين»، من الأقليَّة المُسْلِمَة لِلإيغور.
انْدَرجَ هذا الحدثُ ضِمْنَ موجةٍ من الهجمات، ( بيكين وأرومكي )، والَّتي كانت وراء تصعيدِ حدَّة سيَّاسة التضييق تُّجاهَ المجموعة المتكلِّمة اللُّغة التُّركيَّة والمستقرَّة بإقليم(Xinjiang). وبدلاً مِنْ أنْ يَستهدِفَ رَدَّ الفِعل الجناة َالرئيسِّيينَ، قام النِّظام بِفَرضِ جهازِ المراقبة في حقِّ 12 مليونا من مُسْلِمي الإيغور، الَّذين يعيشون في هذه الولاية، والتي تضُمُّ 22 مليون نسمة. الولايةُ الأكثَرُ مراقبةً دون شكٍّ على وجه الأرض.
قام الجيشُ مستعيناً بالتِّكنولوجيَّات الجديدة، بعمليَّةِ تنقيطٍ عُنْصُرِيَّة، مع تجميعِ معلوماتٍ عن البصمات وفصائلِ الدَّم والحِمْضِ النَّووي.
صورٌ الأقمارِ الصِّناعيَّة، وكذا شهادات الإيغور، وَثَّقَتْ وجودَ معسكراتِ احتجازٍ، داخلها تَكَدَّسَ ما يقارب مليون شخصٍ، في الوقتِ الَّذي اكتفى فيه النِّظام الصِّينيّ بالإشارة إلى أنَّها ليستْ سِوى «مخيَّمات للتَّربية ضِدَّ التَّطرف»، وطِبْقاً للمعلوماتِ المُسْتَقَاة من مختلفِ وسائلِ الإعلام الدُّولية، والمنظَّمات غير الحكوميَّة، فَقَدْ تَمَّ اعتقال الإيغور في غيابِ أيّ تهمةٍ أو محاكمة.
كانوا خاضعينَ لبرنامجٍ يُزَاوِجُ بين التَّلْقِينِ الإيديولوجيّ والتَّنْكِيلِ الجسديّ، في أُفُقِ استئصالِ كلِّ مُعْتَقَدٍ دينيّ، فضلاً عن ذلك، تَحَدَّثَت المنظَّمات الدُّوَليَّة أيضاً عمَّا جرى بِوَصْفِهِ عمليَّةَ تطهيرٍ عِرْقِيّ تُذَكِّرُ بأفظعِ الَّلحظاتِ الَّتي شَهِدَهَا القرنُ العشرون.