إهداء
إلى مايا، صولال، ونوح :
أَبدًا، لاتَنْسُوا أَنْ تَظَلُّوا
بأعْيُنٍ مُتَطَلِّعةٍ، و أيَادٍ مَمْدُودَةٍ.
مقدمة
لَوْ كانَ بحوزةِ راكِبِي “تَيْتَانِيك” “هواتفُ ذكيةٌ / SMARTPHONES”، كَمْ كانَ سَيَبْلُغ عَدَدُ الَّذين سينْساقُونَ وراءَ إغْرَاءِ الْتِقاطِ سيلفيّ، رُفْقَةَ الأوركستر البُطوليّ، الَّذي ظلَّ يُواصلُ العزفَ حتَّى لحظةِ الغَرَقِ؟
الفصل الأول :
سَطْوَةُ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ
الاجتماعيّ
يَحدُثُ معي أحياناً، في لحظاتِ صَفاءٍ ذِهْنِيٍّ، أَنْ أَتأَمَّلَ الوقتَ المَهْدورَ في التَسَكُّعِ مِنْ تطبيقٍ إلى آخرَ، والتَّجَوُّلِ عَبْرَدُرُوبِ الانترنت الَّتي لانهايةَ لهَا، أَتَسَاءَلُ: متى وكيفَ بدأَ هذا الارْتِمَاءُ الأَعْمَى داخلَ الشَّاشات؟ دُونَمَا شَكٍّ، تُشَاطِرُونَنِي الرَّأْيَ أَنَّ الزَّمَنَ ينْصرِمُ بسُرْعَةٍ كبيرة، لَكِنَّنَا نَظَلُّ رُغْمَ ذلك مُنْشَدِّينَ إلى «أنستغرام»، «وتويتر»، و «فايسبوك»، تِلْكَ المِنَصَّاتُ الَّتي تَحْتَجِزُنَا، نَعْلَقُ بِها، فَتَأْسُرُنَا، غالباً ما أَسْتَحْضِرُ هُنَا، حُكْمَ «جيمس ويليامز/James Williams”، الخبيرُ الاستراتيجيُّ السَّابِق لدى “غوغل”، والَّذي تَرَاجعَ حَدَّ النَّدَمِ عَنْ مَوَاقِفِهِ المُؤَيِّدَةِ للْتِّقْنِيَة: “لاَ أَحَدَ لَحْظَةَ الاحْتِضَار، يُحَدِّثُ نَفْسَهُ قَائِلاً: “لَكَمْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْضِيَّ مَزيداً مِنَ الوقتِ على “فايسبوك”.
إِنَّنَا أَمَامَ إِدْمَانٍ تَتَوَجَّبُ مُجَابَهَتُهُ بِاسْتِمْرَارٍ، حتَّى نَسْتَعيدَ اعْتِبَارَنَا، ونَعُودَ مُجَدَّداً إلى الواقعِ، كَمَا إلى قِرَاءاتِنَا ! نَعَمْ أَعِزَّائِيَّ القُرَّاء، لا تَعْرِضُوا ذَواتَكُم وأَنْتُمْ تَخْتَلِسُونَ النَّظَرَ إلى هَوَاتِفِكُمْ، فَمُتَاجِرُو وادي السيليكون لا يُعْييهِمُ الإِنْتِظَار.
مَوَاقِعُ التَّواصلِ الاجتماعيِّ، بِهَنْدَسَاتِهَا الميكْيافِيلِيَّة، لَيْسَتْ أَحياناً، سِوى صُورةٍ واهِمَةٍ عَنِ اجتماعٍ دافئٍ، تُعَزِّزُ “اتِّصالاً فائقاً/Hyper Connexion” داخلَ مُجْتَمَعِ “اللاَّتَلامُس”، تلك سَتَكُونُ خُطْوَتُنَا الأُولَى صَوْبَ عالمٍ يَتَهَاوَى.
*الإدمانُ، أو حرِّيةُ
الحَرَكَةِ المُفْتَقَدَة.
يَرْتَبِطُ انتشارُ السِّيلفِيّ، أَشَدَّ الارْتِباطِ بانتعاشِ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الاجتماعيّ، وإِلاَّ فما الفائدةُ مِنْ تَجْميعِ صُوَرِنَا الذَّاتِيَة، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِ عَرْضِهَا في وجْهِ العَالَمِ؟ مُمَارَسَةُ السِّيلفيّ، ثَمَرَةُ غريزةٍ قائمةٍ مُنْذُ الطُّفولةِ، إِنَّهَا الرَّغْبَةُ في أَنْ نَكُونَ مَوْضِعَ نَظَرَاتِ الآخرينَ، ومَوْضِعَ تَقْدِيرِهِمْ وحُبِّهِمْ. حِينَمَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا، على هذا النَّحْوِ مِنَ التَّقَاسُمِ، فَلِأَنَّنَا نَنْتَظِرُ، بِشَغَفٍ، أَدْنَى رَدَّ فِعْلٍ، حتَّى لَوْ كان سِلْبِيّاً، المُهِمّ أَلاَّ يَحْدُثَ الأَسْوَأُ: اللاَّمُبَالاَة.
يُشَكِّلُ نَشْرُ السِّيلفيّ، ضمانةً لِكَيْ تَتَلَقَّى مَوَاقِعُ التَّواصُلِ الاجتماعيّ زِيَارَاتِنَا المُتَلَهِّفَة، لِنَذَكِّرْ هُنَا، على عَجَلٍ، بالمُسَلَّمَةِ التَّالية: يَنْهَضُ النَّموذَجُ الاقتصاديُّ لِمِنَصَّاتِ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الاجتماعيّ، على شَدِّ انتباهِ المُسْتَخْدِمِينَ، فهدَفُها أَنْ تُبْقِينَا أَقْصَى فترةٍ زمنيَّةٍ مُمْكِنَةٍ، أمَامَ المُحْتَوى الَّذي تَوَلَّيْنَا، نَحْنُ، عَرْضَهُ، حتَّى يَتَأتَّى لها تسويقٌ جَيِّدٌ لِإشهاراتٍ تُلْزِمُنَا بِهَا. إِنَّ حُلُمَ مُخْتَرِعِيهَا، أَنْ نقْضِيَ أمامها اليومَ بأكْمَلِهِ، بَلْ حياةً بِرُمَّتِهَا.
ظَلَّ «فايسبوك» بَعْدَ إِحْدَاثِهِ سنة 2004، مِنْ طرف «مارك زكربيرغ / Mark Zuckerberg»، مُسْتَخْدَماً ضِمْنَ هذا المَنْحَى، وحَتَّى حُدُودِ السَّاعة.
فهذا «سيان پاركر /Sean Parker»، والَّذي كان مِنْ أوائلِ المُسْتَثْمِرِينَ في هذا المَجَال، يُوجِزُ بوضُوحٍ، في تساؤلِهِ، مُهِمَّتَهُ السَّابقة: «كيفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَسْتَحْوِذَ على الحَدِّ الأَقْصَى مِنْ وَقْتِكُم واهْتِمَامِكُمْ؟»، وبَعْدَ أَنْ رَاكَمَ ثَرْوَةً، إِثْرَ إِحْدَاثِهِ لتطبيقِ «Zuck»، الْتَحَقَ «پاركر» بصُفوفِ المُتَرَاجِعِينَ النَّادِمِينَ، الَّذينَ لَمْ يَتَرَدَّدُوا في فَضْحِ انحرافِ الآليَّاتِ، الَّتي كانوا وَرَاءَ المُشَارَكَةِ في اخْتراعِهَا.
يَسْمَحُ لك «الفايسبوك» بمشاهدةِ صُوَرِ أصدقائِكَ، وبِتَسْلِيَتِكَ، عَبْرَ تَصَفُّحِ الفيديوهاتِ المُتَصَدِّرَةِ لقائمةِ المُشَاهَدَاتِ، وبِإِخْبَارِكَ، عَبْرَ وَساَئِطِكَ المُعْتَادَةِ، وبِالمُحَادَثَةِ، بِفَضْلِ بريدِهِ الصَّوْتِيِّ الخَاصِّ، ورُبَّمَا غداً، سَيَسْمَحُ لَكَ بِأَنْ تبيع وتشتري بِعُمْلَتِهِ الخَاصَّةِ، «لاليبرا/Lalibra»، عَبْرَ آلِيَّةَ السُّوقِ الافتراضيَّة، (Market place)، وأَخيراً يُتِيحُ لَكَ محاولةَ العُثُورِ على حُبِّكَ، على مَوْقِعِ «Facebook Dating»، هذه المِنَصَّةُ يُخَلّدُ اللَّحظَاتِ الأَسَاسِيَّةِ في حَياتِكَ، ويُذَكِّرُكَ، مُنَبِّهَةً، بمواعيدِ الاحتفالاتِ الَّتي يَتَوَجَّبُ عليكَ إِحْيَاؤُهَا. الفايسبوك يَجْعَلُ مِنْكَ الصَّدِيقَ النَّمُوذَجِيّ. هكذا يَحِلُّ المَوْقِعُ مَحَلَّ الذَّاكِرَة.
كانَ «مارك زكربيرغ» قَدْ هَيَّأَ مَشْرُوعاً بالنِّسْبَةِ إلى السَّنَةِ القادِمَة: اختراعُ نَظَّاراتٍ مُتَّصِلَة (Lunettes Connectées). ابتكارٌ، كانَ فِي مَا مَضَى، مَوْضُوعَ مَحْكِيَّاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، وهو مشروعٌ حاولَ «غوغل»، جاهداً، إِخْرَاجَهُ إلى حَيِّزِ الوجودِ سنةَ 2013، لَكِنَّ أمازون، هي مَنِ استطاعَ أَنْ يَظْفَرَ بذلك سنةَ 2019، عَبْرَ إِدْمَاجِ «المُسَاعِدِ الصَّوْتِيّ/Vocal Alexa» داخِلَ إطارِ النَظَّارات. يُمْكِنُكَ أَنْ تُحَادِثَ نَفْسَكَ في الشَّارِعِ العَامّ، وتَسْتَوْضِحَ نَظَّارَاتِكَ عَنْ أحوالِ الطَّقْسِ، أوْ تَسْتَفْسِرَهَا مِنْ أَجْلِ العُثُورِ على الطَّريقِ إلى وجْهَتِكَ. غَيْرَ أَنَّ فايسبوك يَطْمَحُ، على المدى المتوسِّط، إلى اسْتِبْدَالِ الهاتفِ « الذَّكِيّ «، بِنَظَّارَاتِهِ المُتَّصِلَة. حِينَهَا، سَيَظْهَرُ على السَّطْحِ الزُّجَاجِيّ للنَظَّارَاتِ، البروفايل الفايسبوكي الخاصّ بِمُخَاطَبِكَ. يُمْكِنُكَ سَاعَتَهَا، الْتِقَاطُ صُوَرٍ وإِجْرَاءُ مكالماتٍ، بِرَمْشَةِ عَيْنٍ. فَضْلاً عَنْ ذلك، والأَكْثَرُ جُنُوناً، أَنَّ مُقَاوَلَةَ «زكربيرغ»، أَعَادَتْ شِرَاءَ الشَّرِكَةَ المُتَخَصِّصَةَ في مِنَصّاتِ الوَاجِهَةِ العَصَبِيَّةِ، (La Start-Up CTRL Labs)، والَّتي كانتْ بِصَدَدِ تطويرِ وُجَاهَةِ دِمَاغِ-آلة (Interface Cerveau-Machine)، هكذا سَتَتَعَزَّزُ نَظَارَاتُهَا، «بِمَجَسَّاتٍ/Capteurs» قادرةٌ على فَكِّ شيفرةِ إِشارةِ الدِّمَاغِ المعرفيَّةَ. حتَّى الكلاَم لَنْ يكونَ، بَعْدُ، ضَروريّاً، يكفي فقط، أَنْ تُفَكِّرَ لتنفيذِ طَلَبِيَّةٍ ما، وتِلْكَ تِقْنِيَّةٌ معمولٌ بِهَا سَلَفاً، في وِلايةِ كاليفورنيا، عَبْرَ «خُوذَةٍ/Casque»، تُنْجِزُ عَمَليَّاتٍ بسيطة، مِنْ قَبيلِ تَغْييرِ القناةِ على تَلْفَزَةٍ متَّصِلَة، أوْ فَتْحُ السَّتَائِرِ الكهربائيَّة.
يُمْكِنُ لفايسبوك، مع تطويرِ هذه النَظَّاراتِ، إِشبَاعَ اسْتِيهَامِهِ: أَنْ يَظَلَّ دوماً، مُسْتَحْوِذاً على انْتِبَاهِنَا، كَمَا لَوْ كانتْ ثَمَّةَ غَمَّامَاتٍ رقميَّةٕ تُضَلِّلُ رُؤْيَتَنَا. لَمْ يَعُدِ المَرْءُ بحاجةٍ إلى إخراجِ هاتِفِهِ، يَكْفِيهِ فقط، أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ، ويُفَكِّرَ في صَمْتٍ.
إِنْ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بالامتناعِ عن استعمالِ هذه الأدَاةِ الدَّخيلَة، فَلْتَعْلَمْ أَنَّ اسْتِنْتَاجَكَ، لَنْ يَصْمُدَ أَمَامَ الطَّابَعِ العَمَلِيِّ لهذا الابتكار. لِنَثِقَ في نَظَّارَاتِ فايسبوك، حَتَّى نَخْتَبِرَ إِنْ كانتْ فِعْلاً، تَقْتَادُنَا مِنْ أَرْنَبَةِ أُنُوفِنَا.