مجموعة « ميكايلا» لحسن حمامة : مظاهر المفارقة وتجلياتها

« ميكايلا « هي المجموعة القصصية السابعة للقاص المغربي لحسن حمامة وهي قصص تغني (ريبرتواره) السردي بما تتضمنه من تيمات تمتح من مصادر متعددة ، ومرجعيات متنوعة مما يضفي عليها طابع عمق إبداعي يزخر بزخم جمالي ودلالي تغدو معه النصوص أكثر انفتاحا ورحابة وإيحاء.
فقد عمد الكاتب للكشف عن ( طابوهات) ظلت حبيسة الحجز والكتمان في نص « ميكايلا « بالخصوص وهي الطالبة الكندية التي دشنت فصول علاقة مع الطالب المغربي عبد السلام انطلقت من إعجاب داخل عربة المترو : « فقد بدأت في الحقيقة علاقتي بك في عربة المترو … منذ ذلك الوقت وأنا أشعر نحوك بميل خاص وبعلاقة عاطفية تنسج معك « ص 86 لتتطور عبر مكاشفة نتأت أولى خيوطها لنسج شبكة تباين اجتماعي تجسد في وضعية أسرة ميكايلا : « أبي رجل أعمال كبير بكندا « ص 84 ، ووضعية أسرة عبد السلام : « أما عن وضعية أسرتي فهي أسرة متواضعة . صراع أبي الحقيقي مع لقمة الخبز . أمي تعمل في البيت « ص 86، تتشكل معه معالم مفارقة تتعدد تجلياتها ، وتتحدد تمظهراتها ليطال بنية المجتمع الاقتصادية : « هذا الميناء يعتبر من أهم الموانئ الكبرى في العالم يوفر لاقتصاد البلاد المال وفرص العمل» ص 92 على مستوى تنمية تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، عكس بلده الذي تخترمه نواقص واختلالات : « مشكلتنا الرئيسية هي في كيفية تكوين وتأهيل الإنسان . هذا الإنسان المقيد بنوستالجيا الماضي وبالاستبداد ، وبما زرعه المستعمِر من مكائد» 86 ، مجتمع بات محاصرا بتبعات ومخلفات ماض مرهون لتركة تطفح برواسب سياسات ( كولونيالية ) غاشمة أجهزت على كل الرغبات والتطلعات الذاتية لدى الفرد بما كرسته من تفاوت طبقي طمس فرص التكافؤ، وأطبق على آفاقها . وضعية ضمنت استمراريتها حتى بعد جلاء المستعمِر حيث عوض بطغمة من مسؤولين محليين ساهمت في تكريس نفس مسار تغيب فيه الرؤية الشمولية للتعاطي مع أوضاع الراهن والقادم وما يستلزمه ذلك من تخطيط محكم ومعقلن فتهافتت على مراكمة الثروات بنهم وجشع بحس تطغى عليه المصالح الذاتية الضيقة… وتتمظهر هذه المفارقة كذلك في الجانب النفسي بامتداداته الحسية والسيكولوجية في العلاقة مع الآخر( الأنثى) في إطار حميمي نتيجة تراكمات خلفتها أزمنة حرمان ومصادرة قيمية وعرفية : « ألا تتحدثون مع الفتيات في بلدكم ؟ أجبت وشريط من الذكريات المريرة مر سريعا أمام ناظري ، نتعامل في ما بيننا كاللصوص ، نسرق القبل ، ونبوح بمشاعر الحب سرا وخلسة… الشباب والشابات لا ينعمون بالجنس. هو محرم ومسموح به في الزواج فقط « ص 79 ، مقابل ما عاشته ميكايلا من تجارب تعكس اختلاف محيطها العائلي والاجتماعي بما يسوده من علاقات مغايرة نتيجة تربية وتنشئة يحظى فيها التعبير عن الرغبات والمشاعر الذاتية بهامش أوسع مقارنة مع عبد السلام المنحدر من بيئة ومجتمع تترسخ فيه قيم حبلى بأعراف ومواضعات قيمية تتغلغل فيها المحرمات والمحظورات في التعبير عن مشاعر التوق بين الجنسين والذي قد يتوج بعلاقة حميمية كما تبوح بذلك : « أما عن علاقاتي العاطفية ، فلم أعرف الحب إلا مع ويليام ، همت به وأحببته من أعماقي ، القدر خطفه مني في العام الماضي، إثر حادثة بالسيارة … أما عن علاقاتي الجنسية فهي متعددة مع الكثير من الشباب» ص 85، ومن أوجه المفارقة بينهما وتجلياتها وسطهما الأسري. فإذا كان عبد السلام ينتمي لأسرة فقيرة: « صراع أبي الحقيقي مع لقمة الخبز . أمي تعمل في البيت « ص 86 فإنها تنحدر من وسط راقي وميسور : « فأبي من رجال الأعمال الكبار في كندا . رغم غناه وامتلاكه لكثير من الشركات والمصانع فهو محب للعمل … أما أمي فهي فنانة موسيقية « ص 84 ، مما أهلها للاستفادة من هكذا وضع ثري بامتلاكها لسيارة ( بورش) فارهة ، وعيشها في بيت فخم أشبه بقصر ، رفقة والديها ، حياة بذخ و رفاه . مفارقة تغدو أكثر عمقا وتعقيدا حين تجترح صفاقة التقاليد والأعراف على المستوى الديني والأخلاقي لما تشترطه ميكايلا لقبول الزواج من عبد السلام : « لكن لي شرط واحد ، قلت لها ما هو ؟ قالت : أن تمارس الجنس مع أخريات . فإن نجحت ، فأنا لك إلى الأبد يا عبد السلام « ص 102. شرط يبقى معلقا على أفق أسئلة يورط الكاتب المتلقي في إثارتها ، وتجشم التفكير المضني في أبعادها العرفية والدينية داخل مجتمع متشبع بقيم أخلاقية يظل التنصل من إلزاماتها ، والتنكر لمواضعاتها تمردا نوعيا يفرز أسئلة تمس قداسة العلاقة الزوجية وتنال من شرف روابطها المبنية على الوفاء والإخلاص، فهل يحق لشريكة حياته ، التي تشترط عليه معاشرة أخريات، أن تدخل في علاقات حميمية مع آخرين؟ ما مدى تأثير ذلك على حياة زوجية تقوم على الثقة والصفاء؟ كيف سيكون رد فعله إزاء وضع شاذ وناشز؟ فشخصية ميكايلا شكل علامة بارزة داخل نصوص المجموعة فهي التي تحمل عنوان الأضمومة وبها تختتم نصوصها ، وارتباطها بجوهر المفارقة ك تيمة أساسية في المنجز القصصي. وتظل علاقة باقي شخصيات نصوص المجموعة بأحداث ذات حمولة أخلاقية ودلالية بما ترمز له من قيم وشيم ك رقية في تشبثها المتين بالأمل رغم معاناتها من شلل نصفي : « الأمل في أن يعود نصفها السفلي إلى أداء وظائفه الطبيعية « ص 14 ومقاومة اليأس بصبر ومكابدة : « تهجم عليها الكلمات الرصاصية لطبيبها . تنكمش . تتداخل في جسدها؛ للأمانة الطبية ، حالتك ميئوس منها « ص 14، أو فاطنة التي تجابه سلوكيات زوج موسومة بالعنف والعداء : « مرة حاول ضربي بعامود على رأسي . تحاشيت الضربة بذراعي .تكسر الذراع . عانيت كثيرا» ص 46 . صور قهر وجور لزوج مستبد في أبشع مظاهرها وتجلياتها : « كان يحمل علي الأثقال بصور فظيعة كأنني بهيمة « ص 46 ، وكذلك شخصية ولد عمرو التي تعكس أزمة مجتمع تناط أمور تسيير شأنه لشرذمة ، رغم تخبطها في دركات الجهل ، فهي تمتلك سلطة النفوذ : « نجحت وها أنذا في البرلمان ، ورئيسا للمجلس القروي مع العلم أنني لا أفك الحروف « ص 49 ، كما تتطرق النصوص أيضا لنقل ومتابعة ما يدور من أحداث راهنة في محيطها الخارجي كوباء كورونا : « تذكرت أن الملعونة كورونا هي السبب» ص 16 ، وما نتج عنه من تبعات أفرزت توطيد علاقات التآزر والتكافل بين الأفراد : « عندما كان يمر بالحاويتين ، أثناء الحجر الصحي ، يضع يده في جيبه ويخرج بعض النقود ويساعد بها « ص 29 ، وتتم الإشارة كذلك إلى وقائع كالقضية الفلسطينية في بعدها النضالي : « أقسما ألا يتخاذلا ويتراجعا . خططا لعملية فدائية كبيرة . قال قاسم لمحمود :هذه العملية ستترك جرحا غائرا في العدو الصهيوني … وسنرسل رسالة قوية لأمريكا بأن قضيتنا ما زالت حية « ص 19. ولا يفوت القاص فرصة الانفتاح على تيمة الحكي لإغناء نسيج نصوصه ، وتوسيع آفاقها بما ترسمه من انزياح عن خطية القص في تدرج وقائعه واسترسالها : « حكي جدتي آسر . أثناء حكيها لحكاية الغول ألتصق بحضنها … تختلط صورة الغول في ذهني بصورة أمي فأجهش بالبكاء « ص 51 ، ليؤكد عما يشكله الحكي لديه من قيمة تكتسب صدقيتها الإبداعية ، وبعدها الجمالي والدلالي في ما يدونه من قصص وحكايا :» أنا لا يهمني أن أوصف بالسارد أو الراوي أو الكاتب أو القاص أو الحكواتي …. مهمتي الحقيقية أن أحكي وأكتب ما أحكيه « ص 56 ،حكي ينخرط في سيرورة تمتشق السؤال في سياقه الواقعي : « أيوجد عقل سليم لا يهتم بهموم الناس، ولا يساهم في تنوير مجتمعه ؟ « ص 37 لينحو منحى ذا طابع انزياحي محفوف بالغرابة : « بحثت عن رقم تليفون كافكا لأسأله ؛ كيف يخلق مسوخه ويتحكم فيها ؟ « ص 64، فضلا عن لجوئه إلى الكشف عما يعتور المجتمع من أعطاب وهنات بصيغة نقدية حادة : « نحن مازلنا في حرب ضروس مع الاستبداد ، وما ينتج عنه من فساد بكل أنواعه وأشكاله» ص 85.
فنصوص المجموعة تمتح من عدة مرجعيات تتوزع بين ما هو ديني بأبعاده الروحية حيث يحضر النص القرآني : « أصوات تتلو آيات من الذكر الحكيم» ص 23 ، واعتبار الحياة الدنيا «جسرا للآخرة « ، مع التأكيد على قدرة الخالق ومشيئته المطلقة « ليفعل الله ما يشاء ويقدر» ، وما هو تاريخي في إحالته على المرحلة ( الكولونيالية ) وما كرسته من هيمنة موسومة بالتحكم والاستبداد : « منصة كبيرة عليها أعلام فرنسية» ص 42.
نخلص أخيرا إلى أن مجموعة» ميكايلا»، إضافة لتجربة لحسن حمامة الإبداعية في جنس القصة القصيرة التي أغنى من خلالها المتن السردي المغربي بقصص تنزاح عن طرائق الحكي المعهودة في توسلها بأشكال مغايرة ومختلفة.


الكاتب : عبد النبي بزاز

  

بتاريخ : 11/09/2021