المساءلة وإعطاء الحساب تشكل إحدى الدعامات الأساسية للحكامة الجيدة إضافة إلى النزاهة والشفافية والمشاركة
اللحظة تفرض ضرورة التعامل بالجدية المطلوبة والمسؤولية اللازمة مع مختلف التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات
أكد محمد العلمي رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين على عمق و جوهر العمل الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات بالتزام و مسؤولية و في كل أبعاده التي أنشأ من أجلها ، مجلس أعلى للرقابة على المالية العامة والذي ظل دائما في تواصل مع المؤسسة التشريعية بمجلسيها مانحا لها إمكانية المساءلة والتقييم ومساعدالها في ممارسة الرقابة على العمل الحكومي، تجسيدا عمليا حقيقيا للفصل 148 من الدستور،مجددا التأكيد على أن الفريق الاشتراكي لن يتوانى في النقد البناء والتنبيه لكل نقص أو تجاوز، والتصدي لكل خلل أو ممارسة تضر بمصالح المواطنات والمواطنين…
انطلاقا من هذا التأكيد، ينبع منهج تقييمنا للتقرير الذي قدمه رئيس المجلس الأعلى للحسابات، حيث بنينا هذا التقييم على أسس المساءلة السياسية التي تسائل في العمق المرامي و الأهداف من وراء هذا العمل الجبار الذي يقوم به المجلس، حتى نستفز العقل السياسي المغربي للإجابة حول مآلات هذه التقارير وهذا الجهد المبذول.
وقال العلمي إن موقفنا كان دائما في الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، ومن خلاله حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانطلاقا من إيماننا وقناعاتنا المترسخين في تاريخ حزبنا العتيد ، والمتمثلين جملة وتفصيلا في العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية وتفعيل روح الدستور لما يمثلان من مداخل أساسية في بنائنا لوطن ديمقراطي ينبني على الحكامة والمحاسبة، وهما جوهرا مرامي و أهداف التقارير المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات، التي تتسم بالطبيعة الموضوعية و المجردة، التي تصدمنا دائما بحجم الاختلالات، التي تقف عليها وحجم الوقت السياسي والتنموي، الذي يضيع هباء في وطننا العزيز، وتضيع معه انتظارات المواطنين.
واعتبر العلمي أن هذا التقرير ، يضع مسألة الحكامة في كنه المساءلة، هل هي شعار للاستهلاك؟ هل هي لازمة شعرية لا أثر لها على أرض الواقع؟ هل نحن أمام مصطلح للاستهلاك؟
وأوضح رئيس الفريق الاشتراكي أن مرد هذه الأسئلة، أننا نجد أنفسنا أمام نفس الملاحظات التي تقف على كل الاختلالات التي تعري سياساتنا العمومية، تذهب حد وصفها بالفظيعة والفادحة والخطيرة، موجها السؤال إلى رئيس المجلس الأعلى للحسابات على البعد الثاني في المنهجية المعتمدة، ألا و هو الجانب الزجري ومدى تأثيره المستقبلي.
وحينما يؤكد رئيس المجلس الأعلى في عرضه وبالضبط في الصفحة 10 على أن «المديونية واصلت وتيرتها المتسارعة على الرغم من الظرفية المواتية خلال أربع سنوات، والتي تميزت بتنامي موارد المنح الخارجية وبتراجع الأسعار العالمية للطاقة والمواد الأساسية»، يطرح السؤال الآني حول مصير المساءلة السياسية، و معه ربط المسؤولية بالمحاسبة ، تماشيا مع أن المساءلة وإعطاء الحساب، يشكلان إحدى الدعامات الأساسية للحكامة الجيدة، إضافة إلى النزاهة والشفافية والمشاركة.
وشدد العلمي على أن الفريق الاشتراكي خلال مناقشته لآخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، عرض على مجلس المستشارين، أن المنطق الاقتصادي السليم، يقوم على جدلية مؤداها ارتباط القرار الاقتصادي الوطني بانعكاساته على المستوى الاجتماعي، بما يعني ظهور العلامات التنموية من رقي اجتماعي ومستوى تعليمي ووضعية صحية متقدمة ومقاولات مواطنة قادرة على المنافسة و أنظمة تقاعد عادلة، و ها نحن اليوم في نفس المسار والسياق، وهو ما لا يسمح به الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وقال رئيس الفريق الاشتراكي إن الجميع يعرف حجم المخاطر والتهديدات التي تهدد وطننا العزيز، وهي مخاطر ترجع بالأساس إلى استمرار نفس النتائج الفاشلة المترتبة عن هدر المالية العامة، بشكل فوضوي أناني ومن غير مساءلة ولا محاسبة ولا مترتبات قضائية، مما انعكس بشكل مباشر، على الأوضاع الاجتماعية، وعزز المؤشرات السلبية وكرس الخلل البنيوي، في مجالات متعددة من بطالة و تعليم و صحة وبنيات تحتية . وهو نفس ما أشار إليه عرض رئيس المجلس الأعلى للحسابات.
ويظهر اليوم أننا أمام واقع أزمة لا يمكن معه التعامل بالتساهل والتجاهل بل بالحزم والمحاسبة. فالمواطن اليوم، ليس قادرا على الانتظار أكثر أمام ما يعانيه من اختلالات في الميدان الصحي والتعليمي والتنموي بصفة عامة ، كما أن تعدد القرارات في تحقيق المشاريع التنموية المبرمجة، بما يعني من غياب التنسيق المؤسساتي وتخبط البعض في حسابات ضيقة، قد زاد من تأزيم الواقع، وخلق الشروط الموضوعية والمادية لما لا يحمد عقباه.
وأكد العلمي، أنه إذا كان القضاء المالي، يعد من بين أهم الآليات الحقيقية في الدول الديمقراطية، والتي تستهدف ضمان الحكامة والشفافية في تدبير الأموال العمومية، فإن هذه اللحظة، تفرض ضرورة التعامل بالجدية المطلوبة والمسؤولية اللازمة، مع مختلف التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، بما فيها التقارير السنوية، وذلك بغية الوقوف على كل الثغرات والاختلالات، التي تعتري تدبير المالية العمومية أو تلك، التي تتعلق بتسيير المرافق العمومية.
فالحكامة الجيدة، يضيف العلمي، وتحقيق النزاهة والشفافية من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة،هي مسؤولية جميع السلطات العمومية والمنظمات المدنية وجميع الفعاليات الحية في المجتمع، ولهذا ينبغي التعاطي من قبل الحكومة باعتبارها المسؤولة عن الإدارات والمرافق العمومية، بشكل إيجابي مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وذلك بلوغ الأهداف المطلوبة في مجال محاربة كل أشكال ومظاهر الفساد. فكلما ارتفعت مؤشرات الفساد، وهذا مع كامل الأسف ما تؤكده جميع التقارير الوطنية والدولية، كلما انخفضت جودة خدمات المرافق العمومية، وتقلصت نسبة الولوج للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر العلمي أنه من اللازم للحكومة أن تتحلى بالجرأة اللازمة لوضع سياسة عمومية مندمجة لمحاربة الفساد ولمعالجة كل الاختلالات المسجلة في تدبير المرافق والمؤسسات العمومية، وهذا هو المدخل الحقيقي لتعبئة الموارد المالية الضرورية لتحقيق التنمية البشرية والمجالية واتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية، تنحاز فيها بشكل مباشر و جريء لمصالح المواطنين تكريسا لمبدأ العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.