( على هامش الذكرى الخمسين للمرحوم الفنان التشكيلي أحمد الشرقاوي كانت مدينة أبي الجعد على موعد من 6 إلى 10 شتنبر الجاري مع ملتقى فني تشكيلي بالمدينة تحت شعار «فنون وروحانيات»).
كلما سافر الزائر إلى مدينة أبي الجعد، وسأل عن أشد الفنانين التشكيليين عشقا لهذه المدينة، تسمع الإجابة: الفنان محمد صبحي، الذي ازداد بين أزقتها الضيقة سنة 1968، وظل منذ دراسته الابتدائية له تأثير بالرسم وخاصة البيئة البجعدية طوال مساره الفني الذي عرف قفزة منذ 2002 إلى يومنا هذا.. وزاد تعلقه وعشقه بكل ما يتعلق بالصورة العريقة والأصيلة لمدينة أبي الجعد من خلال الأزقة الضيقة والأقواس التي تمده بالضوء والظل والذكريات..
مع كونه حمل على عاتقه هذا الفن، الذي وظفه في اللوحات الرملية الزجاجية والنحت على النحاس والرخام والخط العربي.. إلى أنه ظلت ريشته الفنية في اللوحات تنطق وتشهد على فنان عصامي وفطري من الجيل الجديد، الذي أحس بالذات البجعدية، ولم يكن فنه يقتصر على التقليد و المحاكاة، ولكنه يعبرعن الشعور بالوجود التراثي الذي تزخر به مدينة أبي الجعد، وظل ينفض الغبار على هذه الذاكرة البجعدية التي أعاد لها الروح من خلال إبداعه الذي يبحث عن الحركة و السكون الذي تعيشه المدينة.
ولعل الذكرى الخمسينية للمرحوم الفنان التشكيلي أحمد الشرقاوي، كانت محطة لهذه الحركة الفنية البجعدية، أعطت حياة روحية لهذا الفن بأبي الجعد، الذي تشبع به الفنان محمد صبحي، وظلت ريشته تبدع في صمت حائر وفي رنين يخاطب الجمال الإنساني..
هذه الروح الفنية التي يحس يها هذا الفنان اتجاه التراث البجعدي، جعل من زمانها ومكانها ملحمة تاريخية تعيد الكشف عن ذاكرة حية هي اليوم في حاجة ملحة إلى الوعي بجمالها و طبيعتها وروحها.. حتى تعيد الكرامة الانسانية لهذه المعالم التاريخية ذات الإحساس الإنساني..، والذي عبر عنه المرحوم التشكيلي العالمي أحمد الشرقاوي في أغلب لوحاته..
وهذه الإعادة الفنية التي يمتاز بها محمد صبحي جعلت من لوحاته قبلة للزوار من داخل المغرب و خارجه، مما جعل لوحاته الفنية للتراث البجعدي تعبر الحدود المغربية، سيما للذين يبحثون ويعشقون عودة الروح لهذه المدينة و التي تشهد زاويتها الشرقاوية على تاريخها القديم منذ تأسيسها في القرن السادس عشر الميلادي.
فوجه المعالم الأثرية لأبي الجعد أعطاها الفنان محمد صبحي لذة الحس و المادة و جعلها تخترق الحياة لتوقظ روح الشعور بين الإنسان و الآثار.
وقد صنع هذا الفنان لنفسه تمثالا حيا يقف بين التراث كي يشعر بعودة الروح إليها، وهذا ما جعل كل لوحاته تنعم بالحركة. فلا حواجز ممتدة ولا حجارة خرساء.. بل إن سفر الفنان داخل الأقواس والأزقة الضيقة والأضرحة والبوابات الأندلسية القديمة.. قد أحيى فيها سنوات الزمان الغابر، وغرس فيها نبضات الحياة من جديد.
فمميزات هذا الفنان العصامي جعلت من أسلوبه وشكل لوحاته تخاطب الروح البجعدية وتختطف حس المشاهد الذي يركض خلف التأمل والعشق الصادق لهذه المآثر التي لا تموت من شدة الزمان البارد والمظلم..
وهكذا ظلت ريشة هذا الفنان وما تزال، تتحدى تقلبات الدهر، وتظل تخفي وراء أضوائها وظلامها.. تلك الروح التي تمتزج بين الحياة و الإنسان.
هذا الإحساس الذي يشعر به الفنان البجعدي، جعلت غريزته تنفذ داخل تلك المآثر البجعدية وتحاصرها من كل الجهات، ليقف عند الجمال الظاهري والباطني، مما جعل لوحاته تحسم روح هذا العشق الدفين عند الفنان محمد صبحي..