مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ينظم الملتقى 19 للذاكرة والتراث الثقافي

التاريخ وذاكرة المجتمع في أولاد حريز

انعقد بمدينة برشيد، الملتقى التاسع عشر للذاكرة والتراث الثقافي، في موضوع «أولاد حريز وحاضرتها برشيد: التاريخ وذاكرة المجتمع» يوم الخميس 27 يوليوز 2023 بالمعهد العالي لتقنيات الإعلاميات والتجارة والتسيير، من تنظيم مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وبشراكة مع عمالة إقليم برشيد والمجلس الإقليمي لبرشيد، وبتنسيق مع جامعة الحسن الأول وكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية سطات، ونادي القلم المغربي وجمعية ملتقى الذاكرة، بحضور عدد كبير من المسؤولين المحليين والأساتذة والفاعلين والسلطات المنتخبة بالإضافة إلى فاعلين سياسيين وفنانين وإعلاميين ومهتمين بالتاريخ والمجتمع .

في الجلسة الأولى، افتتح أشغال شعيب حليفي رئيس مختبر السرديات،معبرا عن سعادته الكبيرة بهذا الملتقى الذي التأم الباحثون فيه من مختلف المدن والجامعات المغربية بفعل جهود دامت أكثر من سنة ونصف من الإعداد والتواصل والتنسيق والعمل الدؤوب، حيث توقف عند الإرث التاريخي الذي تزخر به الشاوية عموما وبرشيد بوجه خاص برجالاتها ونسائها وأبطالها وعلمائها ومؤهلاتها الاقتصادية والثقافية، مبيّنا أهمية هذه الملتقيات التي دأب مختبر السرديات والجامعة على تنظيمها في مختلف ربوع الوطن وجهاته، عبر فرق البحث التي تنتمي إلى المختبر من مختلف الجامعات المغربية ومن كل التخصصات واللغات، وقد أكد حليفي على الاستعداد الدائم للمختبر لمواصلة هذا المشوار العلمي والوطني خدمة للإنسان والتنمية والتقدم والمستقبل، حفظا للذاكرة والتاريخ والتراث الحضاري العريق الذي ننتمي إليه.
وفي كلمة لرئيس المجلس الإقليمي لبرشيد السيد د/ عثمان بادل الترحيبية بالمشاركين، عبر عن ابتهاجه وسروره بهذا التنسيق المحكم بين الجامعة والمجلس، خاصة وأن الملتقى يصادف الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد، وكذا لكونه يسعى للاحتفاء بالذاكرة المحلية للمنطقة خدمة لقضايا التنمية المجالية من خلال ما سيقدمه من دراسات، تنير طريق الفاعلين المحليين وتعد دعامة أساسية لبناء التصورات المستقبلية من طرف الفاعلين والمهتمين والباحثين.
أما رئيس جامعة الحسن الأول بسطات السيد د/ عبد اللطيف مكرم، فقد عبر عن سعادته الغامرة بهذا اللقاء الذي تنخرط فيه الجامعة برؤية استراتيجية، إدراكا منها للأثر الفعال بما ينتجه من معارف في التنمية المحلية، معتبرا البحث العلمي وانخراط الجامعة ضرورة ملحة لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، خاصة أن أعمال هذا الملتقى تتناول وتدرس منطقة برشيد- أولاد حريز إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، كما ثمن في كلمته جهود الباحثين التي جعلت من الجامعة رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي كلمته، شدّد السيد د/ رشيد الحضري، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء على أهمية هذا الملتقى، علميا وتنمويا بمنطقة اولاد حريز، من خلال انشغاله بالتراث المادي واللامادي والذاكرة والإنسان، مبيّنا التزام وانخراط كلية الآداب بنمسيك عبر أنشطتها المختلفة بهذا الأفق، ولعل ذلك ما تشهد به المنجزات العلمية والأكاديمية والفنية التي تحتضنها وترعاها الكلية عبر باحثيها وطلبتها ومختبراتها، ولعل هذا الملتقى ثمرة لهذا الجهد المتواصل الرامي إلى ربط الجامعة بمحيطها السوسيواقتصادي .
وأكد السيد د/ عبد القادر سبيل، عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الأول بسطات، في كلمته بالمناسبة، على أهمية الانخراط الإيجابي والدينامية المثمرة والحرص الكبير للكلية في الانخراط والانفتاح على المحيط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، مذكرا بأهم المحطات والملتقيات التي ساهمت فيها، منذ إنشائها،( زناتة سنة2019، أولاد محمد سنة 2021، ابن أحمد سنة2022، ثم دمنات ماي 2023.) ومبرزا ما راكمته من تجارب وإصدارات وأعمال ساهمت في تدوين التاريخ ودراسته، ولعل المشاركة والمساهمة في لقاء اولاد حريز، تعميق لهذا التوجه وهذا المسار الذي صار ينمو ويتطور بعمل الباحثين وجهودهم المتواصلة خدمة لقضايا الثقافة والإنسان والمجتمع.
وفي كلمة المنسق العام، بيّن السيد د/ عبد القادر كنكاي أن هذا اللقاء يأتي ثمرة لشراكة ناجحة بين المجلس الإقليمي لبرشيد ومختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك، وذلك في إطار مشروع استراتيجي انخرط فيه المختبر مبكرا يرمي إلى دراسة منطقة الشاوية بكل أبعادها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، وقد نوّه في كلمته أيضا بالروح الوطنية للشركاء والفاعلين في هذا النشاط ووعيهم بضرورة التواصل والتفاعل بين الجامعة ومحيطها ولعل الانشغال بمنطقة اولاد حريز اليوم من شأنه التعريف بالمنطقة وموقعها الاستراتيجي ومؤهلاتها المختفلة وكذا بتاريخها العريق.
التأمت الجلسة العلمية الثانية التي نسق أشغالها د/ جلال زين العابدين (كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس)، وكانت البداية بكلمة د/ إبراهيم أزوغ المنسق العام لكتاب «أولاد حريز: التاريخ وذاكرة المجتمع» أبرز فيها أن الكتاب يضم 27 دراسة أكاديمية لباحثين من تخصصات مختلفة شارك فيها كل من: محمد الفلاح العلوي- خالد سرتي-رشيد شحمي-كريم يوسوفي-عبد الحميد رضا-أمين شنقيطي-التهامي حبشي-شفيق رزيق-عزيز محجوب-جلال زين العابدين-خالد صغروني-خديجة الحسناوي -طارق الهامل-رقية حكيمي-محمد معروف الدفالي-صالح شُكَاكَ- -إدريس النعيمي-حسن المعاني- أناس هيات-مصطفى الميموني- أسماء الرفاعي- رشيد كرايد- ربيعة سحنون- أحمد كوال- سميرة الوتيق- محمد رشيد اكَديرة. تناولوا محاور مختلفة توزّعت بين تاريخ القبيلة، والتحولات المجالية، القروية والحضرية، ثم نماذج من المقاومة الحريزية ومن الأعلام الذين بصموا تاريخ هذه المنطقة، بالإضافة إلى قضايا تراثية.
وفي المداخلة الأولى الموسومة بـ»المقاومة بالشاوية: أولاد حريز» ، أكد د/ صالح شكاك على خصوصية هذه المقاومة والتي كانت سباقة إلى مواجهة التغلغل الفرنسي، حيث واجهت العتاد الفرنسي المتطور بأسلحة بسيطة وتنظيم عفوي وسط سهول مكشوفة، مثلما قاومت – قبل ذلك – المخالطات والحماية القنصلية. وفي هذا السياق برزت قبيلة أولاد حريز التي اشتهرت بخيراتها الفلاحية، ورؤوس الماشية الوفيرة والأراضي الفلاحية الشاسعة، جعلت منها مطمعا للمعمرين الأجانب، لتدخل في مرحلة من الاضطرابات. فبالإضافة إلى الاستيطان الفلاحي واجهت عدة إكراهات طبيعية كالجفاف واجتياح الجراد والأوبئة والمجاعات والتي أثرت على الوضع الديموغرافي وزادت من حدة أعمال اللصوصية وقطع الطرق والهجرة نحو المدن.
وعددت مداخلة د/ محمد معروف الدفالي «نماذج من المقاومة الحريزية نماذج من المقاومين الذين ينتسبون لقبيلة أولاد حريز، مؤكدا على أن أنماط المقاومة منذ تغلغل الفرنسيين اختلفت وتعددت أساليبها وأدواتها، فالمقاومة المسلحة الأولى التي عاصرت بداية الاحتلال تميزت بالمواجهات المباشرة والعنيفة، أما المقاومة المسلحة الثانية فقد اختلفت بشكل كبير عن سابقتها باختلاف السياقات والأهداف.
وفرق المتدخل بين المقاومة الحريزية خارج مجال أولاد حريز خصوصا الدار البيضاء وبين المقاومة المحلية، مذكرا ببعض رموزها، والتي تنوعت ما بين عمليات الإتلاف وتهديد العملاء والخونة والاغتيال.
وبخصوص إحدى المعارك الشهيرة، عرف الباحث طارق الهامل بواحدة من أبرز المعارك التي دارت رحاها بتراب القبيلة وهي معارك سيدي المكي، والتي تلت احتلال قصبة برشيد نظرا لموقعها الاستراتيجي. وكان مجاهدو الشاوية من قبائل عدة من ضمنها أولاد حريز كانوا مرابطين غير بعيدين عنها ينتظرون الوقت المناسبة للهجوم، وهو ما تحقق بعد أن استغلت استيلاء كتيبة فرنسية على قطيع ماشية بمنطقة دار القصيبات، حيث فوجئت الكتيبة بهجوم شرس من طرف المجاهدين الذين كبدوها خسائر فادحة في العدد والعتاد، سميت هذه المعارك في الإيسطوغرافيا الكولونيالية بمعارك سيدي المكي أو معارك دار القصيبات.
المداخلة الرابعة قدمها د/ عزيز محجوب الذي تطرق لموضوع ‹›التحولات المجالية بسهل برشيد وانعكاساتها الاقتصادية والبيئية: حالة الجماعة الترابية الساحل أولاد حريز››، منطلقا من البحث الجغرافي لرصد جوانب متعددة ترتبط بالمجال. وتنبع أهمية جماعة الساحل أولاد حريز -بحسب الباحث- من دورها البارز في التنمية الترابية بإقليم برشيد وتخفيف الضغط الصناعي على الدار البيضاء. وقد قدم الكاتب لأهم خلاصات دراساته في ما يلي:
انحسار الزراعات المسقية وانتشار الزراعة البورية؛
تراجع الأنشطة الفلاحية أمام الأنشطة الصناعية بسبب تراجع الفرشة المائية؛
استقطاب المنطقة لوحدات صناعية وما رافق ذلك من تلوث بيئي، رغم مساهماتها المواطنة؛
تحول وظيفي على مستوى السكن الريفي وتباينه.
أما المداخلة الخامسة فخصصتها دة/ أسماء الرفاعي للتعريف بأحد أعلام القبيلة وهو القائد الحريزي عبد السلام بن محمد بن رشيد ، حيث عرفت بجذوره العائلية والقبلية ، معتمدة في ذلك على وثائق تعود ملكيتها لأسرة الرشيد، ووثائق المديرية الملكية للوثائق وكذلك بعض مصادر التاريخية.واستهلت مداخلتها بالحديث عن قواد أسرة الرشيد، وسرد سيرة مختصرة للقائد محمد بن رشيد الذي تولى القيادة في فترة حكم مولاي عبد الرحمن ثم ولده محمد. وفي عهد مولاي الحسن بزغ نجم القائد عبد السلام الذي احتفظ بقيادة ثلاث قبائل وهي أولاد حريز والمذاكرة وأولاد علي، كما نسج هذا القائد علاقات طيبة مع البلاط العلوي وكذلك مع الشرفاء والفقهاء وأهل العلم، وحظي بثقة السلطان مولاي الحسن الذي كلفه بعدة مهام لعل أبرزها سفارته إلى ألمانيا، ومواقفه من الحماية القنصلية داخل مجال نفوذه، وسعيه للحد منها.
وخصص الباحث التهامي حبشي موضوعه للحديث عن « أولاد حريز – الشاوية: التمثلات الاجتماعية لثلاثة أزمنة تاريخية من خلال الذاكرة الفلاحية» في تمثل الحريزيين لظواهر تاريخية مرتبطة بقيبلة أولاد حريز التي شكل موقعها وجودة أراضيها ومنتوجاتها مجالا للتدافع والتنافر الاقتصادي، وكانت تشوبها اضطرابات وتقوم حولها الصراعات بين قبائل الشاوية أو بينها وبين جيرانها، وازدادت حدتها بعد تزايد التواجد الأوروبي بمدينة الدار البيضاء، والإقبال الكبير على شراء الحبوب والمواد الغذائية.
وانطلق تحليله من خلال أزمنة ثلاث: زمن السيبة قبل الحماية الفرنسية، وزمن المعمرين والمحميين خلال الفترة الاستعمارية، ثم زمن الروح الوطنية خلال فترة الاستقلال.
اختتم اللقاء بكلمة للأستاذ إبراهيم أزوغ شكر عبرها المشاركين والحاضرين والفاعلين، وأكد فيها نجاح الملتقى في تحقيق جملة من الأهداف التي كانت مسطرة، ودعا الباحثين إلى الانخراط الإيجابي والمساهمة في الدورة الثانية للملتقى في السنة القادمة، مؤكدا على استعداد المختبر لمواصلة العمل رفقة كل الباحثين والفاعلين لإنجاح الملتقيات التي يحتضنها فضاء الشاوية أو باقي المجالات الترابية في المغرب.


الكاتب : متابعة : سالم الفائدة

  

بتاريخ : 31/07/2023