لم يستطع المدبرون للشأن المحلي البيضاوي، وضع استراتيجية فكرية ثقافية تسهم في رسم المعالم للهدف الذي تصبو إليه الدولة ألا وهو أن تتحول هذه المدينة إلى عاصمة للمال والأعمال، مدينة جاذبة للاستثمار كي تلعب دورها الطلائعي إن على المستوى القاري أو الدولي… لحدود الآن لم يبد من بيدهم قمرة قيادة المدينة أي مجهود في هذا الباب أو مجرد تلميح يظهر بان لهم رؤية تتماشى وموضع المدينة القادم، فقد ظلت الدارالبيضاء منذ سنوات شاردة عن توجه مدن أخرى أسست لنفسها محطات وتظاهرات أضحت عنوانا لها، كالرباط ومراكش وفاس وأكادير والصويرة وغيرها من المدن، التي جعلت من هذه المحطات نقطة جذب سياحي وترويج اقتصادي، بإطلالة على برنامج عمل مجلس المدينة نجد بأن الشق الثقافي هو آخر ما اهتم به مكتب الدراسات الذي خط هذا البرنامج، وحتى ما هو مدون سرعان ما تلمس أنه يفتقد لأرضية صلبة وتقعيد قوي يسافر بالتنشيط الثقافي إلى الآفاق المرجوة يطاول آفاق الهدف المنشود من عاصمة المال والأعمال، كل البرامج الموضوعة فيه تشبه ما قد تنجزه أي دار للشباب أو جمعية من الجمعيات، بالنظر إلى محدوديتهما المالية، بوادر الفشل ظهرت منذ بداية الولاية الجماعية الحالية، فأول إجراء قامت به وزارة الثقافة، هو سحب معرض الكتاب من الدارالبيضاء، وكان هذا آخر قلاع المدينة من الثقافة، حيث تم نقله إلى الرباط، دون أن يبدي هذا المجلس أي مقاومة لجعله في فضائه الأصلي أو على الأقل لتعويضه بتظاهرة كبرى أخرى تضاهي إشعاعه العربي والإفريقي والدولي، ما جعل المدينة شمطاء بدون مدلول أو معنى، المدبرون لم يبادروا ولو لمرة في إطار المقاربة التشاركية، إلى عقد لقاءات مع باحثين أو مختصين في المجال رغم ان المدينة جامعية بامتياز لرسم خطة تنشيط في مستوى ما تستحقه المدينة بأبعادها الدولية، قد تصدم إذا قرأت البرنامج الموضوع في برنامج عمل المدينة، فهو يتحدث عن مهرجان كبير للعيطة، والحال أن العيطة لها مدنها ومناطقها التي لا يجب ان نخطفها منها علما أن بعض هذه المهرجانات قائمة فيها أصلا، بدل ذلك لو قام من خط البرنامج بسؤال أي مواطن يتجول في الشارع ن عما عرفت به الدارالبيضاء في مجال الغناء الشعبي، لأجابه بأن مدينته كانت المحتضن الأساسي لفن المرساوي، هنا يظهر بأن من فكر لايفرق بين اللونين «عندو بحال العيطة بحال التعياط»، من مظاهر الفشل أيضا، أن إحدى شركات التنمية المحلية فكرت في تشييد متحف رياضي، الشركة بطبيعة الحال تابعة لمجلس المدينة، اختارت الطابق التحت أرضي لمركب محمد الخامس وانطلقت في الأشغال، مع دخول المعول لم ينجح إلا في ضرب بعض ركائز الجناح 6 من الملعب ما أحدث أضرارا به أصبحت تهدد بسقوطه على رؤوس العباد، ما دفع الشركة المسيرة للملعب إلى منع الجمهور من ولوجه وحرم فريقي الوداد والرجاء من مداخيل مالية مهمة، لأن الجناح المدكور يتسع لحوالي 7000 متفرج ، العجيب أو المضحك المبكي هو أنه عندما ظهرت هذه المصيبة خرج مجلس المدينة ليتبرأ مما حصل، فرغم أن الشركة تابعة له فهو لبس على علم بما تقوم به، إذ أكد بأن لا اتفاقية تجمع بينه وبين الشركة أو امر موثق لتقوم بتلك الأشغال، بل إنها لم تذهب إلى مصالح الجماعة للحصول على تراخيص الأشغال، أكثر من هذا وذاك فإن الجماعة لم تمنحه أي اعتماد مالي لتشييد هذا المتحف الرياضي .
كثرة يد المتدخلين في الشأن الثقافي جعل الجميع فاقدا لبوصلة يمكن اعتمادها لرسم خريطة طريق ثقافية تليق بهذه المدينة، ففي نفس الوقت نجد أن مجلس المدينة منشطا ثقافيا وأيضا المقاطعات الستة عشر المؤثثة للمدينة، وكل يتشابه في برامجه ولكل رؤية أو طريقة اشتغال ما يجعل المجهود يتشتت وهو ما يجعل المدينة بدون عنوان بارز لتظاهرات كبري في المستوى المطلوب، اضف إلى ذلك بان للمجلس شركة للتنمية المحلية وهي «كازاإيفنت»، لها اعتمادات مالية خاصة بها وتنظم لقاءات وتظاهرات يصرح أعضاء مجلس المدينة أنفسهم بأن لاعلم لهم بها، دون ان ننسى المصالح الخارجية كمندوبية وزارة الثقافة والشباب والرياضة، التي لها بدورها أنشطة لها مناحي أخرى ولا التقاء لها في خيط ناظم مع ما تريده المدينة، أو ما يفرضه عنوان المدينة الجديد وهو: «الدارالبيضاء عاصمة للمال والأعمال»، عندما تتحدث للمسؤولين عن مجال الثقافة ودورها في التنمية ن يشتكون من ضعف ميزانيتها، أمر مؤسف أن تجد مثل هذا الجواب المؤسف من لدن مدبرين، المفروض أن يكونوا متمكنين من أدوات إبداع وخلق جديدة، فنحن بصدد الدارالبيضاء موطن جل المؤسسات المالية والاقتصادية، وهذه المؤسسات هي المستفيد الول على المستوى المالي من هذه المدينة، فيما تكنس وتنظف البلدية جنبات مؤسساتهم وتوفر لهم الكهرباء العمومي ومواقف السيارات وغير ذلك من الخدمات، أو ليس من المفروض ان يطرق المدبرون أبوابها ويطلبوا منها الإسهام، في هذا المجال الحيوي وأيضا في المجال الاجتماعي، أو هذا أمر عصي على هذه المؤسسات؟ أو أن العقم يوجد في تفاصيل التدبير الفاقد لخطة شاملة من شأنها أن تجعل من الثقافة رافعة جديدة للتنمية في هذه المدينة الغول؟
مدينة أنهكها الإسمنت والتحجر التدبيري، لم يسبق أن سمعنا عن مدبر يتحدث عن المساهمة في إصدار كتب أو مجلدات توثيقية حول المدينة، تكون مرجعا للأجيال القادمة ن الثقافة بالنسبة لهم مجرد منصة ومرور فرق تؤدي لونا من الألوان الغنائية وكفى لله المومنين شر القتال…