يمكن أن تلمس التحول المجتمعي الذي تعرفه مدينة الناظور في حضور المرأة أو غيابها؛ فلا أحد يجادل، بالأمس واليوم وغدًا، أن المرأة هي المؤشر القوي والدال على التحول المجتمعي والتغير الفكري والأخلاقي والسلوكي. المرأة هي عنوان الحداثة، وقاطرة التنمية، ومقياس تغير العقليات.
ويظهر أن المرأة بالناظور بدأت تنتفض على دونية «الحريم» وخسة «الولايا» لتعانق سمو الإنسان ورفعة المواطنة. وهذا ما يمكن للسوسيولوجي أن يلاحظه من خلال معاينة الكثير من السلوكات التي كانت، بالأمس القريب، تدخل في لائحة «الممنوعات والمحرمات».
زائر مدينة الناظور، من أمكنة أخرى وأزمنة مختلفة ـ في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات ـ كان يعتقد أن الناظور مدينة بدون نساء: لا امرأة تجوب الشوارع، لا امرأة في المقاهي، لا امرأة في الفضاءات العامة. مدينة الذكور بعنترية جبروتية وموروث استبدادي.
وكانت الناظور، وكان الرجل… المرأة غائبة بالمطلق، بل مُغيبة قسرًا وجهلوتًا، بل إن المرأة نفسها استبطنت الغياب والانسحاب، استبطنت الطاعة والسجن.
لا امرأة تخرج من دار والديها أو دار زوجها. لها خرجتان فقط وفقط: خرجة إلى دار زوجها وخرجة إلى القبر. وآمنا، وعلى المرأة السلام!
أتذكر، وأنا ابن الناظور، أنه في السبعينيات، لا امرأة في الفضاء العام، وكل من سولت لها نفسها التمرد على الأعراف والتقاليد، فمصيرها أقسى العقوبات المعنوية والمادية. أن تشاهد امرأة في الشارع العام، فتلك فضيحة، وذلك هو العار.
في الموسم الدراسي 1973-1974، وبثانوية عبد الكريم الخطابي، كانت هناك تلميذتان فقط من إقليم الناظور كله، تحضران لاجتياز امتحان البكالوريا: واحدة في شعبة العلوم، والثانية في الآداب! وهذا الأسبوع أزور الناظور. تحول جذري، ثقافة جديدة، وسلوكات جديدة. لاحظت أن المرأة الناظورية حاضرة بقوة وبأخلاق: إنسانة مواطنة، في الشارع العام حاضرة، في المؤسسات فاعلة، في المجتمع رائدة.
لاحظت جدات وأمهات وشابات أنيقات ومحترمات في المقاهي والمطاعم، خصوصًا بمقاهي ومطاعم الكورنيش (Corniche)، واثقات الخطوة، ومنتصبات القامة. نساء الناظور شامخات، مواطنات… زمن الحجر ولى!
زرت ثانويتي الكندي وعبد الكريم الخطابي، مؤسستان عشت في أحضانهما في السبعينيات، فسجلت أن نسبة التلميذات تعلو نسبة التلاميذ عددًا وتفوقًا.
الحياة بالناظور كانت تتوقف مع بداية المساء. بعد صلاة المغرب مباشرة، تصبح شوارع المدينة مهجورة. أما اليوم، فقد لاحظت نساءً وعائلات في المقاهي والفضاءات العامة. البهجة هي العنوان، والطمأنينة سيدة الميدان. لا قلق ولا خوف. وسائل الترفيه متوفرة، فضاءات جذابة وجميلة، وحماية أمنية مسؤولة. قليلة هي المدن المغربية التي أصبحت تنعم بالأمن، ومدينة الناظور في طليعتها.
الناظور مدينة لا يُسرق فيها الأطفال. في مدينة الناظور، يمكنك أن تتحدث في الهاتف متى شئت، دون أن تتعرض للسرقة. يمكنك أن تتجول، حتى ولو بعد منتصف الليل، وحيدًا، دون أن يتعرض لك أحد وسط الطريق.
الناظور تكاد تكون المدينة الوحيدة التي يمكنك أن تسحب النقود من شباك البنك دون أن تلتفت يمينًا ويسارًا، خوفًا من اللصوص الذين قد يحومون حولك.
الناظور تكاد تكون المدينة الوحيدة التي نسبة التحرش فيها قليلة جدًا، وفي حالات استثنائية نادرة.
الناظور مدينة الأمان، مدينة الإخلاص والوفاء. مدينة الرجال والنساء الحقيقيين. من جاء إلى الناظور، سواء كان زائرًا أم ساكنًا على الدوام، يقول إنه لم يرَ في حياته مدينة آمنة مثلها.
يمشي الإنسان فيها بكل ثقة وأمان. يمشي حاملًا هاتفه المحمول والمال في جيبه، لا يخاف أصلًا، واثق أن لا أحد سيتعرض له.
تمشي الفتاة في الناظور بكل ثقة، لأنها واثقة أنها مصونة، محمية، واثقة من أنها خط أحمر. واثقة من أن كل شباب الريف إخوتها، والكل سيهرع للمساعدة إن اقتضى الأمر.
مدينة الناظور مدينة آمنة

بتاريخ : 12/07/2025