مركزية شعار المغرب أولا في الممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي

 

لقد تقدم حزبنا للانتخابات السابقة ببرنامج، تم تكثيفه في شعار أطر الحملة الانتخابية، وهو «المغرب أولا: من أجل تناوب جديد».
ويمكن أن أقول إنه كان الشعار الانتخابي الوحيد الذي يكثف مشروعا سياسيا، ولا يرتكن إلى ما يسمى « الماركوتينغ الانتخابي» من قبيل: تستاهل احسن، أو المعقول، أومع البام نمشيو للقدام… وغيرها.
ذلك أن اعتماد أدوات «الماركوتينغ السياسي» لا يعني التمييع، وجعل الفعل الانتخابي باعتباره فعلا سياسيا في البدء والمنتهى، عبارة عن تسويق منتوج معين، دون احترام لمرجعية الحزب وتاريخه وأدبياته، وبالأساس لمشروعه.
لقد كانت تلك الصرخة «المغرب أولا» تنطلق من سياق حزبي وآخر وطني.
ففي المشهد الحزبي، عشنا صراعات داخل الأغلبية الحكومية السابقة، لم يستطع أي مكون من مكوناتها منعها من الخروج للعلن، وللأسف كانت تلك الصراعات بحسابات حزبية ضيقة، تنتصر للجماعة على حساب الوطن، ولو اقتضى الأمر التوافق على تسويات داخل الحكومة، ومهاجمة مخرجات تلك التسويات في البرلمان من طرف الحزب الذي كان يقود الحكومة وقتها.
ولذلك كنا نقول إن التسويات بمعناها النبيل لا تعني تنازلات للخصم السياسي، بقدر ما تعني تنازلات من أجل الوطن. ووقتها كانت الحكومة خليطا من التوجهات المحافظة واليمينية والوسطية والتقدمية، وكنا أمام مرحلة دقيقة، خصوصا أثناء جائحة كورونا، التي كشفت لنا مجموعة من الاختلالات الهيكلية، والتي كشفت لنا كذلك أنه في لحظات الأزمات الكبرى نكون محتاجين إلى دولة قوية وإلى تضامن مجتمعي، أي جعل المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
أما السياق الوطني، فله علاقة بسياق إقليمي وعالمي ضاغط، فمن جهة أرخت جائحة كورونا بظلالها على اقتصاديات البلدان الشريكة لنا اقتصاديا وتجاريا، مما كانت له عواقب على بلادنا، وكانت الآفاق غير واضحة، وكنا أمام خيارين: إما إنقاذ الاقتصاد الوطني كأولوية، وإما جعل الحق في الولوج للخدمات الصحية والدعم الاجتماعي للأسر المتضررة هو الأولوية، وكان الاختيار الثاني في نهاية المطاف هو المرجح رغم كلفته، ولذلك كان « المغرب أولا» ليس شعارا فقط، بل فلسفة مرحلة، ولم يقف الأمر عند هذه الحدود، ففي هذه المرحلة ستنفجر مجموعة من القضايا المرتبطة إما بقضية الوحدة الترابية، وتصعيد لهجة العداء تجاه المملكة، إلى حدود كانت تهدد في مرحلة معينة السلم في المنطقة، وإما باستهداف المصالح التجارية والاقتصادية للمغرب، وبالتالي كانت كل الاحتمالات واردة، مما جعلنا نركز على التنبيه إلى أن هذه المرحلة يجب أن يؤطرها أكثر من أي مرحلة أخرى حرص الجميع على البحث عن المشترك، وتقليص مساحة الاختلافات. وبالتالي فإن هذا الشعار، خلال الحملة الانتخابية، كان بمثابة جرس إنذار إلى أن انتخابات 2021 لا يجب التعامل معها كأي انتخابات سابقة، بل يجب النظر إليها باعتبار أنها يجب أن تؤسس لقطيعة منتجة وخلاقة، لقطيعة تفتح أفقا جديدا يجب أن يفضي إلى بناء تعاقدات جديدة على أرضية وثيقة معيارية مرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، ومن هنا كان حديثنا عن ضرورة تناوب جديد بعد عشر سنوات من تجربة ترؤس حزب محسوب على الإسلام السياسي للحكومة في سياق إقليمي مطبوع بإعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي إذا كانت رياح 2011 أفضت إلى وصفة دستور جديد وحكومة بتعبيرات تصلها أول مرة، فإن عالم ما بعد كورونا كان يتطلب الانتقال إلى خيارات ونماذج وباراديغمات أخرى، تراهن على أفق الدولة الاجتماعية.
لكن هل هذا يعني أن هذا الشعار انتهى بانتهاء الزمن الانتخابي؟
بالطبع ، لا.
فهو شعار يمكن اعتباره مركزيا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا أخفي رغبة دفينة في جعله واحدا من الشعارات المركزية للمؤتمر الوطني المقبل.
لقد قلنا، المغرب أولا، ولم نقل المغرب وحده، وهنا يجب توضيح بعض الفروقات.
ذلك أن النزوع الوطني عند الاتحاد الاشتراكي باعتباره واحدا من مسارات استمرار الحركة الوطنية، لا يعني أي شوفينية ضيقة، أو أي تنكر للأبعاد التقدمية والإنسانية، بل يعني فقط تقديم الانتماء الوطني على باقي الانتماءات الإقليمية أو الإيديولوجية دون التنكر لباقي الانتماءات، ويمكن التدليل على ذلك بالمرونة التي تعامل معها الاتحاد الاشتراكي بخصوص مثلا إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، فلم ننظر للأمر من منظور إيديولوجي ضيق، أو من منظور هوياتي، أو قومي، بل استطعنا أن نوجد الجسر بين القضية الوطنية الأولى المرتبطة باستكمال مهام التحرير الوطني وعلى رأسها تأمين الوحدة الوطنية والترابية، وبين عدم التنكر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وحق شعب في تقرير مصيره، فكانت الإجابة: كيف نستثمر إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في خدمة المصلحة الوطنية وتيسير ممكنات حل الدولتين كأفق ممكن لحل القضية الفلسطينية بعقلانية وبراغماتية ومبدئية كذلك.
اليوم، نحن في موقع المعارضة البرلمانية، فكيف ستتم أجرأة هذا الشعار؟
في اعتقادي أننا سبق أن حددنا طبيعة المعارضة التي سنمارسها، وهي المعارضة: الوطنية، القوية، المسؤولة، الاقتراحية، التشاركية.
هل يعني هذا إغراقا في الشعارات؟
ليس الأمر كذلك.
لكن أعتقد أن جزءا من طموح التناوب الثاني الذي أطر كذلك شعارنا الانتخابي قد تحقق في حيثيتين اثنتين:
الأولى: في هزيمة خط محافظ كان هو المهيمن في العشرية الأخيرة.
الثاني: التوافق على اعتبار مخرجات لجنة النموذج التنموي ملزمة لأي حكومة جديدة.
وطبعا لم تكتمل كل مفردات هذا التناوب الذي كنا نطمح له، ما دامت بعض من الممارسات قد استمرت، يمكن إجمالها في:
أولا، النزوع الهيمني الذي يلغي البعد التشاركي، والذي هو السمة المهيمنة عند التحالف الأغلبي.
ثانيا، استمرار النزوعات المحافظة والمترددة في خطاب وممارسات الحكومة.
ثالثا، الهوة التي تزداد بين المؤسسات التمثيلية وبين التعبيرات المجتمعية، والتي تهدد بناء الثقة بين المجتمع ومؤسساته من أجل تنزيل سليم لمقتضيات النموذج التنموي.
ولذلك يجب أن نؤسس لمنظور جديد في المعارضة لا يكتفي بأدوار المساءلة والمراقبة في حدودهما الدنياـ بل يسعى إلى مد الجسور مع هذه التعبيرات المجتمعية، والتفكير في آليات لإدماجها في نسق مؤسساتي، يجعل فعل الاعتراض والاحتجاج والرفض بدوره مؤطرا ضمن دينامية وطنية لتنزيل هادئ لمقتضيات النموذج التنموي، عوض الاقتصار على المطالب الفئوية التي هي مشروعة، ولكنها أحيانا تكون متضاربة، بحيث حل مشكل فئة قد يكون على حساب فئات أخرى.
وأهم من يعتقد أن الإيقاع الذي تسير به الحكومة الجديدة يمكن أن يفضي إلى سلم اجتماعي مستدام، ولا يجب أن نفرح بتوالي موجة الاحتجاجات على قراراتها.
فبقدر ما تؤشر هذه الاحتجاجات، التي في أغلبها سلمية مدنية، على دينامية مجتمعية واعية بحقوقها، ولكن في واقع الخصاص الاجتماعي، وغياب رؤية واضحة عند الحكومة، أو حتى فهم لهذه التعبيرات المجتمعية، وفي سياق مطبوع باللايقين على المستوى العالمي في ظل المستجدات الوبائية، فإننا يجب أن نكون مهيئين لأسوأ الاحتمالات، سواء على المستويات الاقتصادية أوالسياسية أو الاحتجاجية.
ومن هنا راهنية التركيز على البعد الوطني في خطاب حزب تقدمي اجتماعي حداثي اشتراكي.
وهذا البعد الوطني يجب أن يشتغل على مسارات متوازية وهي:
1. استكمال مهام التحرير الوطني: أولوية القضية الوطنية.
2. العدالة الاجتماعية والمجالية، بمعنى أنه لا مهادنة في ما قد يهدد السلم الاجتماعي، وأي قرارات حكومية في هذا الاتجاه، يجب مواجهتها بحزم، لأن الجبهة الداخلية تتعزز باقتسام حتى كلفة الخسائر، وليس تحميل الطبقات الدنيا وجغرافيات الهامش وحدها ثقل أية انتكاسات اقتصادية أو وبائية.
3. تعزيز الشعور الجمعي بالانتماء إلى الأمة المغربية، وأعتقد أن أدبيات الحزب وتراثه فيهما ما يكفي لإنارة أفهامنا نحو تملك فكرة: حزب وطني اجتماعي تقدمي حداثي، أي أن نشكل الواجهة التقدمية لتمغرابيت.
أيتها الأخوات والإخوان:
وباختصار، فالمغرب أولا، لا تعني سوى استكمال رسالة الشهيدين المهدي بنبركة وعمر بنجلون، والفقيدين عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، الذين انتقلوا من الوطنية نحو التقدمية دون أن يتنكروا للمنطلق الوطني الأول، لكن هذه الاستمرارية في راهننا الحزبي لا تعني الانتقال من الوطنية نحو التقدمية، فتلك حلقة قد تمت، بل إعادة تملك الوطنية بأفق حداثي، وإذا كان منطلق الرعيل الاتحادي الأول هو جعل الوطنية قرينة التخلص من بقايا الاستعمار، فإن الاتحاديين اليوم يجب أن يضعوا الوطنية في أفق بناء النموذج المغربي للتنمية المجتمعية والبشرية والمستدامة والشاملة. أي طموح: المعجزة المغربية.


الكاتب :   حنان رحاب عضو المكتب السياسي

  

بتاريخ : 07/12/2021

أخبار مرتبطة

  عاش الروائي الطيب صالح تحت رحمة رواية «موسم الهجرة الى الشمال» التي حجبت أعمالا روائية له تضاهيها « ،

لمواكبة أشغال التوسيع والتطوير التي تعرفها محطة تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر، يتم حاليا العمل على إنجاز محطة للضخ بالجرف

  تعود عجلة الدوري الاحترافي يومه الجمعة إلى الدوران، في موسم يعد بالكثير من الإثارة والتشويق، ستكون خلاله الأندية مدفوعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *