واحتاجت هذه التسمية الجديدة للشرق ككل خطاب إلى مفردات جديدة تؤثث الصورة. ولابد لنا أن نشير ههنا إلى مصطلح “الإرهاب” الذي أصبح لصيقا ب”الإسلام” . فمنذ أحداث 11 سبتمبر تحوّلت وجهة الصراعات التي كانت ثقافية بالأساس كما يشير إلى ذلك اولفييه روا[18] لتستثمر في محاربة الإرهاب و الإرهاب الذي هو الإسلام إذ صبغ الاستشراق بمفهوم جديد يرى فيه الغرب الشرق على أنّه جوّ جغرافي يمثل فيه الإسلام نظاما دينيا و ثقافيا غير ملموس[19]. ولا عجب آنذاك أن تتلون كلّ المحاولات للسيطرة على الشرق بمصطلحات لها علاقة قرب أو بعد بالجانب الديني. نذكر من ذلك الحملات الفرنسية على أفغانستان لتحرير المرأة من البرقع . [20]
ثم إنّ “البدائل المعاصرة” أو استشراق “إعادة تكوين المجالات” اتخذ له وسائل جديدة للتشعب والانتشار. فنحن لم نعد نتحدث فقط عن خطاب يحمل الفكر الاستشراقي بل أصبحنا نتحدث أيضا عن “الصورة المرئية”. ونعني بذلك كل المجالات التي تستعين بالصورة مثل التلفاز أو التصوير و غيرها.
إذ أصبحت الصورة تتحكم بشكل كبير في توجيه الرأي العام، إذ يركّز الغرب على بثّ صورة معينة أو جانب معين من الحقيقة لتكوين فكرة معينة لدى المتقبّل. ونمرّ بذلك من صورة غير ملموسة ومتخيّلة إلى صورة حيّة وواقعية – من منظور غربي -. ولعلّ مفهوم الصورة المخترعة الذي أدرجه إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق يسقط ههنا أمام سلطة الصورة. فنحن لم نعد نواجه سلطة واحدة هي الخطاب مدعوما بمؤسسات سياسية وعلمية واقتصادية وأخلاقية إلى غير ذلك بل أصبحنا مضطرين لتحليل خطاب مصحوب بسلطة الصورة .
إنّ السبب الذي جعلنا نعود إلى مشروع إدوارد سعيد هو استمراريته إلى يومنا الحاضر والأدوات التي أشار إليها في كتابه هي الأدوات نفسها التي تستعملها “البدائل المعاصرة”. قد لا نشير بشكل واضح إلى تسمية مقررة لهذه البدائل وما ترددنا هذا إلا ليقيننا أنّ الاستشراق الذي تواصل الى اليوم هو من التعقيد والتركيب ما يجعل تحديد كيان جديد خاص به أمرا عسيرا .
و يظهر هذا التعقيد الذي نشير إليه ههنا بشكل جليّ في توسع مفهوم الاستشراق الذي تجاوز الغرب ليشمل مكونات أخرى، ولعلنا ههنا نبرر ما ذكرناه سابقا بأنّنا لا نزعم تحديد هوية الأطرف المسؤولة عن تغير المجال في الشرق. فالاستشراق منهج في التفكير كما أشار إدوارد سعيد إلى ذلك يتجاوز الكيانات الجاهزة ويطال كل الأطراف. إنّ قولبة الآخر ومحاولة السيطرة عليه فكريا أو حتى جغرافيا والمساهمة، بالتالي في تكوين مجال جديد هو هاجس كل طرف و كل تمظهر سلطوي في هذا العالم وما الاستشراق سوى توصيف لذلك.
فنحن نظلّ دائما ” شرقيّ ” شخص آخر .[21]
هوامش
[1] نقد أنور عبد المالك لأدوات الاستشراق و منهجه.
[2] فوكو ( ميشال ) ، إرادة المعرفة ، ترجمة و تحقيق مطاع صفيدي – جورج ابي صالح ، منشورات مركز الإنماء القومي.
[3] فوكو (ميشال ) ، حفريات المعرفة ، ترجمة سالم يفوت ، المركز الثقافي العربي.
[4] سعيد ( ادوارد ) ، الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق ، ترجمة د.محمد عناني دار الرؤية.
[7] تحليل الصورة مستوحى من محاضرة في أعمال ندوة في جامعة 9 أفريل بتونس حول النظام قيد و حرية سنة 2016.
[8] فوكو (ميشال ) ، حفريات المعرفة ، ترجمة سالم يفوت ، المركز الثقافي العربي.
[9] بدوي (عبد الرحمن ) موسوعة مستشرقون ، دار العلم للملايين ، بيروت 1993 ، ط 3 جديدة.
[10] م.ن
[11] م.ن
[12] قولة لكارل ماركس بتصرف.
[13] فوكو ( ميشال ) ، إرادة المعرفة ، ترجمة و تحقيق مطاع صفيدي – جورج أبي صالح ، منشورات مركز الإنماء القومي.
[14] بدوي (عبد الرحمن ) موسوعة مستشرقون ، دار العلم للملايين ، بيروت 1993 ، ط 3 جديدة.
[15] م.ن
[16] م.ن
[17] م.ن
[18] Olivier Roy , <et si l’orient disparaissait ? > critique 2013-6 (n°793-794 ) , p. 543-552 . distribution électorinique Cairn.info pour Editions de Minuit
[19] م.ن
[20] م.ن
[21] م.ن ( On est toujours l’orientaliste de quelqu’un)