في أجواء من الحذر والترقب، تواصلت الهدنة في قطاع غزة المدمر، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الأحد الماضي، في الوقت الذي تثار فيه تساؤلات عديدة حول مدى قابلية اتفاق الهدنة على الصمود، ومستقبل قطاع غزة ومن سيديره، بالإضافة إلى ما تتطلبه إعادة الإعمار. فالمشاهد التي ظهرت أبرزت أن أغلب المباني سويت بالأرض، في كارثة غير مسبوقة، تبدو معها مهمة إعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي مهمة شاقة للغاية.
في هذا الإطار، أيد وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي تعد بلاده من بين رعاة اتفاق الهدنة، عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. وأعرب عن أمله في أن تعود السلطة الفلسطينية للعب دور الحاكم في غزة بمجرد انتهاء الحرب مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن سكان غزة، وليس أي دولة أخرى، هم من يجب أن يقرروا كيفية حكم القطاع.
ومعلوم أن الاتفاق بين إسرائيل وحماس لم يتضمن كيفية حكم غزة بعد الحرب. ورفضت إسرائيل أي دور حاكم لحماس التي كانت تدير غزة قبل الحرب، لكنها عارضت بنفس القدر تقريبا حكم السلطة الفلسطينية
وسبق لوزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أن كشف عن تفاصيل خطة أشرفت عليها الإدارة الأميركية لإدارة الأوضاع في غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار.
وتنص الخطة على توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت إدارة السلطة الفلسطينية، تحت إشراف إدارة مؤقتة. ودعا بلينكن السلطة الفلسطينية إلى دعوة الشركاء الدوليين للمساعدة في إنشاء إدارة مؤقتة تتحمل مسؤولية القطاعات السلمية مثل البنوك والمياه والطاقة والصحة والتنسيق المدني مع إسرائيل. كما سيتم إنشاء بعثة أمنية جديدة تضم قوات أمنية وطنية فلسطينية بالتعاون مع الأمم المتحدة
وستسلم مسؤولية إدارة القطاع بالكامل إلى “الإدارة الإصلاحية” التي يتم اختيارها بـ”مجرد أن يكون ذلك ممكنا”.
وقال بلينكن في هذا الصدد إن هذه الإدارة ستعمل “في تعاون وثيق” مع “مسؤول كبير” في الأمم المتحدة يشرف على جهود الاستقرار والتعافي الدولية، كما سيتم إنشاء بعثة أمنية جديدة من أعضاء من قوات الأمن الوطنية الشريكة وموظفين فلسطينيين يتم فحصهم.
وفي خطوة أخرى، سيتم إطلاق مبادرة لتدريب وإعداد القوات الأمنية في قطاع غزة. ولتحقيق ذلك، “على إسرائيل القبول بسيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية”، وفق بلينكن، في مقابل “تحمل الفلسطينيين مسؤولية منع حماس من أي دور مستقبلا”.
من جهتها، تسعى حركة حماس إلى تشكيل حكومة تكنوقراط متفق عليها من الفصائل الفلسطينية لإدارة القطاع. وأكدت الحركة أنها لا تسعى لحكم غزة بشكل مباشر، بل ترغب في تشكيل إدارة وطنية تتألف من شخصيات مستقلة وكفاءات لإدارة المجالات الخدمية والصحية والمدنية. إلا أن القضايا الأمنية لا تزال نقطة خلافية، حيث لم يتم التوافق على شكل وطبيعة ضبط الوضع الأمني.
وكشف القيادي في حركة حماس، باسم نعيم، الثلاثاء عن سعي الحركة لتشكيل “حكومة تكنوقراط” متفق عليها من الفصائل الفلسطينية لإدارة قطاع غزة.
وقال نعيم -في مقابلة مع “تلفزيون الأقصى”- إن “هناك مساعي من أجل إنهاء الانقسام وتكثيفا للجهود من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية”، وأضاف “نسعى لتشكيل حكومة تكنوقراط متفق عليها من الفصائل الفلسطينية من أجل إدارة المشهد في قطاع غزة”.
وأكدت حماس وبقية الفصائل الفلسطينية مرارا رفضها ما تتضمنه تقارير إعلامية، إسرائيلية وأميركية خاصة، عن مخططات لإدارة غزة من جانب أطراف غير فلسطينية.
في هذا السياق، صرَح عضو المكتب السياسي لحركة حماس، محمد نزال، بأن الحركة لا تريد حكم غزة، مشيرا إلى توافقٍ على تشكيل إدارة وطنية للقطاع تتألف من شخصيات مستقلة وكفاءات لإدارة المجالات الخدمية والصحية والمدنية. وأضاف نزال أن هذا الطرح ورد في ورقة لجنة الإسناد المجتمعي التي وافقت عليها حماس ورفضتها فتح، مؤكدًا أن فصائل المقاومة الفلسطينية ترى الورقة مرجعيةً لإدارة غزة.
على الرغم من تحديد نزال القطاعات التي يفترض أن تديرها اللجنة، كان لافتًا أن مصير الشق الأمني يبقى غامضًا، فعلى الرغم من تعهد الحركة بألَّا تتواجد أجهزتها الأمنية في محيط المعبر، تبقى التعقيدات قائمة حول شكل وطبيعة ضبط الوضع الأمني.
وحسب مختلف المراقيبن فإن التحديات التي تواجه مستقبل غزة تتضمن: إعادة الإعمار حيث أن معظم البنية التحتية في القطاع تعرضت لدمار كبير، مما يتطلب جهودًا دولية ومحلية ضخمة. بالإضافة إلى ضبط الأمنو ضرورة إيجاد آلية توافقية لإدارة الشق الأمني دون إثارة توترات جديدة. كما تواجه المساعدات الدولية تحديات عدة مع استمرار حكم حماس الذي تعتبره الجهات المانحة عائقًا أمام تقديم المساعدات الدولية، مما يجعل التغيير في طبيعة الحكم مطلبا دوليا وإقليميا.
وعلى الرغم من هذه التحديات، ما زالت حماس تُسيطر بشكل فعلي على إدارة القطاع، حيث تدير الوزارات والهيئات الحكومية وتدفع رواتب الموظفين. كما تنتشر عناصر الشرطة التابعة لها لضمان الأمن ومنع أي انفلات. ويشير مسؤولون إلى أن الحركة لا تزال قادرة على تقديم الخدمات الأساسية رغم الضغوط. وتؤكد كل هذه المعطيات أن مستقبل غزة يواجه سيناريوهات متعددة، تتراوح بين العودة إلى إدارة السلطة الفلسطينية، وتشكيل إدارة وطنية توافقية، أو استمرار الوضع الحالي مع تعديلات طفيفة. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوافق الوطني وضمان الاستقرار لإعادة إعمار القطاع ووضعه على مسار التنمية.
مستقبل غزة بين الهدنة وإعادة الإعمار
بتاريخ : 23/01/2025