مسجل خطر

 

ما الذي يجعل سلطات الجهة الشرقية تقدم على منع الشاعر بوعلام الدخيسي من لقاء جمهوره وإلقاء قصائده العزلاء من السلاح؟ بل كيف تضرب السلطات عرض حائط بكل ما تحقق بعد مسار طويل وشاق من القمع والتضييق على الحريات انطلق مع سنوات الرصاص واعتقدنا، بغير قليل من اليقين، أنه انتهى مع أولى جلسات هيئة الانصاف والمصالحة في … وتسيء بالتالي لصورة المغرب الحقوقي ، خصوصا في هذه الظرفية الحارقة التي تحاول أكثر من جهة تقزيم كل ما تحقق والعودة بنا الى سياسة المنع وإخراس أصوات المبدعين والابداع، والتي لن تقودنا إلا الى مستنقع كنا نعتقد أننا «قطعناه ونشفو رجلينا»، وأننا حقا نؤسس لـجبهة داخلية متماسكة أمام التحديات الخارجية ! وأننا اليوم، ومع رياح الحداثة الشعرية، أصبحنا نعيش زمن سلطة القصيدة، المتسلحة بشعريتها المجردة وانفلاتها من منظومة المركزيات البائدة ، لا قصيدة السلطة النائمة في أحضان «الماوردية».
فللمرة الثانية وفي أقل من شهر، وبعد أن منعت سلطات دبدو في 27 و28 غشت الماضي الشاعر من المشاركة في أمسية شعرية كانت ستضمه الى جانب عدد من شعراء الجهة الشرقية ،والذين أعلنوا كتعبير تضامني معه عن إلغاء الأمسية برمتها، هاهي سلطات زايو تعاود الكرة بمنعها الشاعر بوعلام من المشاركة في تقديم ديوان للشاعر الزبير الخياط «دانتيل» يوم السبت 17 شتنبر الجاري، ليتم إلغاء اللقاء أيضا تضامنا معه، وهو التضامن الذي اتسع ولقي التفافا من كل المثقفين، وبهذا المنع يمكن أن نقول، تجاوزا، إنه ساهم في إشعاع اسم هذا الشاعر لمن لا يعرفه.
يذكرني ما حدث بقصيدة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم:
ممنوع من الكلام…
ممنوع من الغنا
ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء
وكل يوم في حبك تزيد الممنوعات
أليس من الدونكيشوتية أن تحارب السلطة قصيدة عارية عزلاء إلا من دمها وضوئها؟ ألا يكتب الشاعر، بهذا المنع المتكرر، قصيدة جديدة عنوانها: «مسجل خطر» والتهمة انتماء سياسي سابق للشاعر سبق أن أعلن بخصوصه أنه طلق السياسة منذ عشق الشعر وأنه لا يمثل أحدا، بعد أن وجد أن تجربته الشعرية بعيدة كل البعد عن المشروع الفكري والحركي والتربوي للتنظيم السياسي التي كان ينتمي إليه، والذي لا يتنكر لتجربته السابقة فيه، بل يعتبره ماضيا يتذكره بحب، ولا ينفي ارتباطه به خوفا من أحد، رغم أنه حق يكفله له الدستور، لكنه اختار الانتماء الى الأرحب الذي يتسع للجميع: أفق الشعر والابداع عموما بما هو رديف للحرية وناطق باسم صاحبه، مؤكدا على حد تعبيره: « إنني لم أعد إلا أنا ولست مضافا لأحد..»
ربما لم تصل الرسالة، وربما لا تزال السلطات في الجهة الشرقيه لم تستوعب المفهوم الجديد للسلطة، لكن كما جاء في إحدى قصائد الشاعر الممنوع «لمن سأغني؟»:
«ليسَ مُهِماًّ بأنْ يفهموا عنكَ كلَّ الذي كنتَ تعنيهِ
لكنهم فهِموا صمتَهمْ حين باغتـَّــهُمْ بالكلامْ».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 21/09/2022