عن توقف المسيرة كان مقرونا بالتأكيد على أن المغرب سوف ينهج «طرقا أخرى»، كما ان انطلاقها كان مرفوقا بالتأكيد على تشبث المغرب بمبدأ واضح، وهو أن الصحراء إقليم مغربي يجب استرجاعه في إطار الكفاح من أجل وحدتنا الترابية. وجاء الإعلان الأول والإعلان الثاني تكميلا لخطاب 20 غشت الذي كان تأكيدا لتصميم المغرب على تحرير الصحراء سلما أو حربا قبل نهاية هذه السنة.
وفي هذا الإطار، يجب النظر الى تحرك المسيرة والى توقفها، كحلقات من مسلسل التحرير الذي انطلق بطريقة سليمة، والذي يفرض الآن اللجوء الى «الطرق الأخرى»، طرق التحرير الفعلي التي لامناص منها. وما دام المبدأ واضحا وقارا وغير قابل للتغيير فإن المسيرة أتت بجميع النتائج التي كان من المنطقي ومن المنتظر أن تثمرها، كما أنها لم تتجاوز المرحلة التي كان من المستحيل أن تتجاوزها. أجل إن المسيرة كانت حلقة حاسمة في مسلسل التحرير لأنها:
1- كانت أول مبادرة معتمدة على تعبئة الشعب واشراكه في عمل غير خاضع للدعاية والديبلوماسية الصرفة. 2
– أبرزت مدى تفجر طاقات التحرير واجماع المغاربة واستعدادهم للتضحية بمجرد ما أعلن عن اشراكهم وحدد المبدأ والهدف الواضح.
3- طرحت أمام الرأي العام الدولي قضية الصحراء كقضية شعب مجمع على تحريرها بجميع الوسائل، بما فيها اعطاء صدره لرصاص الاستعمار وألغامه.
4- جعلت جيشنا الباسل يتعبأ ويستعد لحماية المواطنين. ويبدأ في مواجهة المعتدين والطامعين.
5- وبذلك كله غيرت المعطيات الداخلية والدولية لقضية الصحراء والأراضي المغتصبة كلها وعززت ديناميكية التحرير التي أخذت طابعها الجماهيري بصفة لا تقبل الرجوع. هذا هو الجانب الأساسي الذي ركزنا اهتمامنا عليه منذ البداية والذي يجعلنا اليوم نؤكد بأن توقف المسيرة ليس المشكل الحقيقي، ذلك أن المواجهة في أرض الصحراء أصبحت ضرورة تفرض نفسها لأن الطامعين يحاولون احتلال المراكز التي ينسحب منها الجيش الإسباني ويحاولون خلق الأمر والواقع وجر المغرب الى الحلول المنافية للمبدأ الواضح الذي حرك الجماهير الشعبية.
لذلك، فإن المشكل المطروح الآن، هو كيفية ووسائل استمرار ديناميكية التحرير وعدم عرقلة التطور الحتمي المرتبط بالموقف المبدئي الذي انطلق منه المغرب والذي وقع التأكيد عليه قبل وبعد الإعلان عن المسيرة. إن وضوح الهدف وتأكيد الموقف المبدئي هما مصدر حماس شعبنا والتعبير للحي عن استعداده. وهذا الحماس والاستعداد هما الرصيد الهائل الذي يجب الحفاظ عليه، ومضاعفته بالتأكيد على أن تحرك وتوقف المسيرة، برهان:
• على أن المغرب استنفد جميع الطرق السلمية.
• على أن «الطرق الأخرى» للتحرير الفعلي المعتمد على الشعب لا يمكن أن يكون الا الحرب الشعبية.
• على أن الطامعين وبيادقهم لم يتورعوا عن تشجيع الجيش الإسباني على ضرب الجماهير الشعبية المغربية.
وإذا نظرنا نظرة جدلية لهذه المعطيات كلها، اتضح لنا أن المسيرة حلقة من كل وتجربة فجرت طاقات التحرير، وأكدت أن شعبنا وجيشنا الباسل مستعدان لخوض معركة التحرير – فلننظر إليها كدفعة قوية لعجلة التحرير وللتطور الحتمي الذي تكلمنا عنه غداة الإعلان عن المسيرة تحت عنوان: «الموقف المبدئي والتطور الحتمي». «أما طبيعة هذه المبادرة نفسها، والتساؤلات التي تطرحها «المسيرة السلمية»، فإنها لا تغير شيئا من أن التشبث بالموقف المبدئي سوف يفرض الحلول العلمية التي لا مناص منها عاجلا أو آجلا. فلتتمم المسيرة إذن، مع ما يمكن أن يترتب عنها من نتائج إيجابية أو سلبية – وليساهم الوطنيون والتقدميون للتأكيد على أنها قضية شعبنا، قضية تحرير اراضينا في إطار موقف المغرب المبدئي وفي إطار رفض الاعتبار التكتيكية الملتوية، وفي إطار العزم على مواجهة الطامعين من الآن.
فلتتم المسيرة، ويبقى موقفنا واقتراحنا الواضح مطروحا – أن الحرب الشعبية ليست غاية في حد ذاتها – ولكنها كانت دائما و سوف تبقى دائما الحل الفعال للتحرير الفعلي ومواجهة الاستعمار وخططه الإجرامية. فلتتم المسيرة التي لا يمكن الا أن تعزز ديناميكية التحرير مهما كانت نتائجها والإجراءات التي سوف يتخذها الاستعمار وحلفاؤه». وهكذا، فإن جوهر المشكل كان ومازال هو ضمان شروط الاستمرار في التحرير الفعلي المعتمد على الشعب وبالطرق التي يفرضها كل تحرير شعبي، بالاضافة الى أن هناك مهمة مستعجلة لا تقبل الانتظار وهي الحيلولة دون احتلال وتمركز الطامعين وبيادقهم في جزء من الصحراء. فلننظر إذن الى الأمام، لا الى الوراء – ولننظر الى المسيرة كحلقة وتجربة أكدت ضرورة الحرب الشعبية. ولنعمل على مواجهة كل التساؤلات التي قد تنال من تعبئة شعبنا وحماسه من أجل التحرير.
وليعمل المناضلون على تأكيد الحقائق والمبادئ القارة التي ما فتئت تنظيماتنا تؤكدها، وهي:
– ان طريق التحرير أصبح واضحا أكثر من أي وقت مضى.
– إن الشعب مستعد للتحرير بالطرق التي يستلزمها التحري الفعلي.
– إن الديبلوماسية لا يمكن اعتمادها الا كوسيلة تكميلية في خدمة الكفاح الملموس داخل الصحراء.
وبعبارة أخرى، فلندفع عجلة التحرير إلى الأمام ولنعمل على تعزيز رصيد الحماس والاستعداد المتراكم في صفوف شعبنا وذلك بالتذكير اليومي بهدفنا الواضح ألا وهو استرجاع الصحراء دون «امتزاج» بين مبدأ وحدتنا الترابية، وبين «المبادئ» التي يستعملها الاستعمار والطامعون للتلهية والتسويف – فلنبدأ من الآن في نهج «الطرق الأخرى» التي فرضتها التجربة الحية، طرق الكفاح المسلح المعتمد على القوات الشعبية والنظامية.
رفض فكرة الاستفتاء على أساس أن القضية قضية وحدة التراب الوطني
لدى الأمم المتحدة وثيقتان متكاملتان من حيث نتائجهما العلمية:
– من جهة تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي يسرد سلسلة من الإجراءات الموجهة ضد المبادرات التي قد يتخذها المغرب.
– من جهة أخرى قرار محكمة العدل الذي يتلخص في أن تبعية بعض القبائل إلى السلطة المغربية لا يمكن أن تفسر كعلاقة سيادة، قد تغير شيئا من تطبيق تقرير المصير، الشيء الذي يشكل تزكية قانونية للإجراءات التي اقترحتها اللجنة الأممية.
وفي كلتا الحالتين، نرى نفس الأسلوب في الالتواء والتظاهر بالموضوعية في ما يخص التعبير الحر والنزيه عن إرادة السكان وتلتقي الوثيقتان وتتكاملان من الناحية العملية بحيث:
– تنتهيان إلى وجوب تطبيق مبدأ تقرير المصير بواسطة الاستفتاء.
– ويصبح المشكل منحصرا في قضية الوسائل التي تضمن حرية ونزاهة الاستفتاء.
وهكذا يظهر أن إطار النقاش في الأمم المتحدة أصبح محددا من الآن مع العلم أن اللجنة الأممية اقترحت تشكيل لجنة جديدة تزور المنطقة لتبحث عن وسائل تطبيق تقرير المصير.
لذلك بقي الاختيار من الناحية الديبلوماسية بين موقفين:
أما الموقف “التكتيكي” الذي قد يعتمد على منازعة وجود الجيش الاسباني والإدارة الإسبانية وعلى قضية اللاجئين، أي يثير المشاكل التي تعترض تطبيق تقرير المصير وتعرقله أو تؤخره…
أما الموقف المبدئي الذي يرفض فكرة الاستفتاء على أساس أن القضية قضية وحدة التراب الوطني.
إن الخطاب الملكي، يؤكد أن المغرب متشبث بموقفه المبدئي على أساس أن الصحراء إقليم مغربي يجب استرجاعه.
وهذا الموقف معتمد على رفض أسلوب الالتواء والوقوف عند ” ويل للمصلين..” الذي اتبعه قضاة محكمة العدل – إنه موقف يعني كذلك تجاوز ورفض مستنتجات لجنة تقصي الحقائق والإجراءات التي اقترحتها ضد مبادرات المغرب.
أضف إلى ذلك التأكيد الرسمي على أن المغرب سوف يواجه بالسلاح إن اقتضى الحال كل محاولة يقوم بها الطامعون في عين المكان لعرقلة مبادرات المغرب.
لذلك يستخلص من الخطاب الملكي أن المغرب مستمر في الاختيار المبدئي ورفض الدخول في الاعتبارات “التكتيكية” الملتوية.
ومعنى هذا عمليا أن المغرب قد يستمر في مبادراته دون اعتبار القرارات والتهديدات الديبلوماسية أو الدولية التي قد تتجاهل حقه، أو تعتمد على تأويل الوثيقتين الصادرتين عن محكمة العدل أو عن اللجنة الأممية.
أما طبيعة هذه المبادرات نفسها، والتساؤلات التي تطرحها “المسيرة السلمية” فإنها لاتغير شيئا من أن التشبث بالموقف المبدئي سوف يفرض الحلول العملية التي لا مناص منها عاجلا أو أجلا.
فلتتم المسيرة إذن مع ما يمكن أن يترتب عنها من نتائج ايجابية أو سلبية – وليساهم الوطنيون والتقدميون للتأكيد على أنها قضية شعبنا، قضية تحرير أراضينا في إطار موقف المغرب المبدئي وفي إطار رفض الاعتبارات التكتيكية الملتوية، وفي إطار العزم على مواجهة الطامعين من الآن.
فلتتم المسيرة، ويبقى موقفنا واقتراحنا الواضح مطروحا . إن الحرب الشعبية ليست غاية في حد ذاتها ولكنها كانت دائما وسوف تبقى دائما الحل الفعال للتحرير الفعلي ومواجهة الاستعمار وخططه الإجرامية.
فلتتم المسيرة التي لا يمكن إلا أن تعزز ديناميكية التحرير ومهما كانت نتائجها والإجراءات التي سوف يتخذها الاستعمار وحلفاؤه.