مشاركون يكشفون عن حقائق علمية ومعرفية وسياسية تميز بها ذ. محمد جسوس

في تقديم كتاب «محمد جسوس:  قضايا منهجية في البحث السوسيولوجي» بالمكتبة الوطنية ..
جرى، أول أمس  بفضاء المكتبة الوطنية، تقديم كتاب «محمد جسوس قضايا في البحث السوسيولوجي»، بحضور عدد كبير من الطلبة الباحثين والأكاديميين والجامعيين ورجال الفكر والإعلام وكذلك أصدقاء الفقيد.
هذا الكتاب، الذي يتضمن حصيلة نصوص ومحاضرات لمحمد جسوس «أب السوسيولوجيا بالمغرب»، يشير إلى بعض الرهانات التي طبعت مختلف الحقب والمدارس المتنافسة والمتصارعة أحيانا، بحيث استعرض الدكتور جسوس خصائص كل مدرسة مبينا عطاءات كل واحدة منها وإسهامات منظريها، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر الذي هو بداية عصر النشأة بالنسبة لعلم الاجتماع إلى أواخر القرن الماضي، حسب الدكتور الناصري في تقديم هذا الكتاب.
وأجمع عدد من المتدخلين في هذا اللقاء العلمي والفكري، على أن محمد جسوس منارة علمية وفكرية ستبقى دائما بارزة في تاريخ الجامعة المغربية، بالنظر لعطاءاته الفكرية والعلمية وأخلاقه وسلوكاته، التي كان يتصف بها، محترما الأعمال العلمية والفكرية لطلبته الباحثين، من أجل البحث والمعرفة أولا وأخيرا.
بالنسبة للدكتور محمد مرجان، رئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع التي نظمت هذا اللقاء، فقد اعتبر الدكتور جسوس رجلا عظيما، ورجل علم ومعرفة بامتياز، باعتباره عايشه 13 سنة حين كان يحضر أطروحته، كاشفا عن سر عاشه « مع أب السوسيولوجيا بالمغرب لدى زيارته في بيته، حيث وجده يبكي حين تلقى خبر تقاعده، وقال مرجان «فكشف لي عن أنه لايبكي من حرقة إحالته على التقاعد بل يستغرب لهذا المجتمع العدواني ضد الفكر والعلم والمعرفة».
وفي ذات السياق، اعتبر مرجان أن أستاذه جسوس كرس حياته للبحث العلمي والفكري لرفعة بلده وإفادة طلبته الباحثين، حيث شكل نموذجا متميزا في الجامعة المغربية، رافضا أن يكون هذا الاحتفاء العلمي بتقديم هذا الكتاب في إطار «الشيخ والمريد» أو «زعيم قبيلة السوسيولوجيين»، إنه الرجل العظيم المناضل السياسي والأكاديمي الباحث الذي يحترم العلم والمعرفة ونتائجها الحيادية.

وأكد نجيب الخدي، الذي نسق مضامين هذا الكتاب، وكان طالبا باحثا محتكا بأستاذه محمد جسوس، أن هذا الكتاب يضم نصوصا لم يتم نشرها من قبل وذات قيمة معرفية وعلمية نادرة، مذكرا بأن هذا الكتاب يأتي في إطار الاعتراف بالجميل الكبير لأستاذنا الجليل وكذلك نزولا عند رغبة سي محمد جسوس نفسه الذي طلب منه نشر هذه النصوص والمحاضرات تعميما للفائدة ولأجيال من الطلبة والباحثين.
وأضاف الخدي، الكاتب العام لمجلس النواب “أن هذا الحلم راوده طويلا رغم إكراهات المسؤولية ومشاغل العمل، وأعتبر أني أنجزت وصية لأستاذي بعد رحيله”.
وشدد الخدي على أن جسوس لم يكن لهم كطلبة باحثين مجرد أستاذ بل كان يعني لهم الكثير، لأنه كان بحرا لا ينضب من المعلومات والمعطيات، بفعل ثقافته الواسعة ومعرفته العامة في كل المجالات الانتروبولوجية والرواية والشعر والتاريخ…
ويرى الخدي، عكس الدكتور مرجان، أن جسوس كان “شيخ السوسيولوجيين بالمغرب” و”زعيم قبيلة السوسيولوجيين”، حيث كان لدروسه وقع خاص على طلبته،  ونظرا كذلك لصرامته الفلسفية وجرأته العلمية حيث كان يطرح جميع الأسئلة التي تقتضي المعرفة والبحث العلمي، مشددا في نفس الآن على أن هذه المبادرة تدخل في إطار ربط الماضي بالحاضر “لأن أستاذنا لم يكن ينتظر يوما من مهنته الربح المادي بل فقط الأجر المعنوي”.
وسجل السوسيولوجي إدريس بنسعيد، الذي غير موعد تذكرة السفر  للخارج من أجل حضور هذا اللقاء الذي يحتفي بأستاذه وصديقه محمد جسوس، أن الكتاب فريد من نوعه، أولا لأنه يتضمن نصوصا ومحاضرات لم يكن له علما بها وتنشر لأول مرة، ثانيا أن هذه النصوص خاصيتها أنها موجهة للجمهور الباحث والمتخصص، عكس الكتاب الذي نشره إدريس بنسعيد في سنة 2002 بطلب من محمد الأشعري حين كان وزيرا للثقافة، حيث كانت نصوص ذلك الكتاب ومضامينه موجهة للجمهور العام.
وأكد إدريس بنسعيد أن محمد جسوس كان يفصل ما بين المقامات، إذ وصل إلى قمة الهياكل التنظيمية في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، لكنه في الجامعة كان يلبس جبة الأكاديمي والباحث، محترما الحياد العلمي ونتائج البحث، وساق مثالا صارخا على النزاهة العلمية والفكرية لمحمد جسوس حيث قال ” اجتزنا مباراة في السبعينيات من أجل أن نصبح أساتذة باحثين بالجامعة، وكانت الجامعة في تلك الفترة تعج بالصراع الفكري والسياسي والحضور الاتحادي القوي، واجتاز المباراة عدد من الطلبة الباحثين ونجحت أنا والأستاذ المختار الهراس رغم أننا لم نكن بعد في تلك الفترة اتحاديين، وهذا دليل قاطع على نزاهة هذا الرجل الذي كان يؤمن بالعلم والمعرفة ويقدسها حيث كان مسؤولا عن تلك المباراة.”.
وقدم الدكتور الهراس ، الذي عايش محمد جسوس لمدة 40 سنة،  بنفس المناسبة،  قراءة  في مضامين هذا الكتاب والفكر والمعرفة لمحمد جسوس، معتبرا أن هذا الكتاب في غاية من الأهمية باعتباره يتطرق للرهانات النظرية والمنهجية لتخصص علم الاجتماع في علاقته بباقي العلوم الإنسانية والاجتماعية، كالانتروبولوجيا والتاريخ وعلوم الاقتصاد والسياسة.
وأشار الهراس إلى أن جسوس كان يرفض من يتكلم ويقول “أنا أتحدث بالأرقام” لأن جسوس كان يعي جيدا أن الأرقام أساسية ومهمة في البحث العلمي لكنها أحيانا لا تقول أي شيء وتخفي أشياء أخرى، وهناك توجهات إيديولوجية أحيانا تعزز اطروحاتها بالأرقام لذلك كان الراحل يحذر من التحكم في الأرقام وجعلها تقول أشياء وتخفي أشياء أخرى، وأكد المختار أن جسوس كان يؤكد كذلك دائما على أهمية “السياق”، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي …
ومن جانبه كشف جمال أغماني، الوزير السابق للتشغيل والتنمية الاجتماعية، أنه كان يستشير محمد جسوس كقيادي سياسي في الاتحاد الاشتراكي في عدد من القرارات التي اتخذها كوزير وتخص الجانب الاجتماعي، مذكرا أنه حين تم تعيينه وزيرا اتصل به محمد جسوس معربا عن رغبته في رؤيته كي يقدم له بعض الأفكار والتوجيهات بهدف العمل على تنفيذها في المجال الاجتماعي.
وأردف أغماني قائلا: ” زرته ببيته وقدم لي أحصائيات وأرقاما دالة في المجال الاجتماعي ترتبط بالتغطية الصحية، وأكد علي أن ما بدأه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي كوزير أول لحكومة التناوب في مجال مشروع التغطية الاجتماعية الإجبارية من الضروري الاستمرار فيه وتوسيع مجال التغطية الاجتماعية  الإجبارية…”، وأبرز أغماني في حديثه أن جسوس كان دائما يقدم توجيهات له في مجال الحوار الاجتماعي الذي كان صعبا في تلك الفترة.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 19/12/2019