كان من المنتظر أن تضع كارثة مثل فيروس كورونا واقع حال البلد تحت المجهر، لتعري حقيقة الأمور في مجالات مختلفة ومتعددة، منها التعليم الصحة، الإعلام العمومي، واقع التجارة والصناعة وغيرها كثير ، ما يهمني في هذه الورقة هو شق مهم في الجانب الاجتماعي، بحكم أن عملية الانضباط لإجراءات العزل الصحي أرهقت السلطات بمختلف مشاربها، وهو الإجراء الوحيد والأساسي الذي كان بيد الدولة في معركتها ضد انتشار الوباء، قبل استجماع أنفاسها لإعداد العدة لمباشرة العلاج وتجهيز المراكز لإنقاذ أرواح مواطنيها، خطة الدولة كانت ذكية وعملية وواقعية صفق لها القاصي قبل الداني، إلا أن معضلة الانضباط للحجر الصحي كانت تهدد مجهوداتها ومبادراتها، خاصة في أحياء فقيرة مكتظة في مدن مثل الدارالبيضاء والرباط وطنجة وفاس ومراكش، وإذا ما عدنا لإحصائيات عدد غير المنضبطين سنجد أن أغلبها من الشباب غير المتزوج الذي مازال يعيش في كنف أسرة الأب والأم، عندما تقوم بجولة في هذه الأحياء خلال أيام الحجر هذه، تجد شبابا يتوزع في مجموعات، جالسين قرب باب منزل أحدهم أو متحلقين بباب دكان أو في زقاق يصعب ولوجه أو قرب محل دكان حرفي لم يغلق بعد وهكذا… أو متسمرين في جنبات غير مرئية، وكما تتربص بهم دوريات الشرطة هم أيضا يتربصون بها، وعندما يشعرون بتحركها القريب يختفون إلى حين مرورها وأحيانا يدخلون في عملية كر وفر مع عناصرها.
بالحديث مع بعضهم يذهب بالتصريح إلى أنه يعي جيدا أهمية الحجر على سلامته وسلامة أهله الصحية، وبأنه متتبع لما يجري في بلدان أخرى وإلى أين وصل بهم الحال جراء هذه الجائحة الآخذة في الانتشار ببلده، لكن في نفس الوقت يطلب منك أن تقوم بإطلالة على مسكن عائلته ليصف ظروفه داخل هذا المسكن، فهو يقطن بيتا من غرفة واحدة يتكدس فيها بمعية والديه وشقيقين وشقيقتين، وبالتالي من الصعب المكوث ساعات طوال داخله، فمن ناحية هناك الملل ومن ناحية أخرى هناك واجب الحياء لأن تواجده والأشقاء الذكور بصفة دائمة يحرم باقي أفراد العائلة من تحركات لابد منها، خاصة بالنسبة للعنصر النسوي داخل البيت.
معظم هذه البيوت مظلمة وأغلب القاطنين بها مجرد مكترين وأولياء الأمر يعملون في القطاع غير المهيكل وجل الأسر المكدسة لا يقل عددها عن أربعة أفراد، في أحسن الأحوال لا تتعدى مساحة هذه البيوت أربعين مترا، ألف قاطنوها العيش بالتناوب، خاصة حينما يصل الأبناء سن الرشد لاعتبارات أخلاقية محضة، إذ لا يمكن للأبناء غالبا التواجد في حضرة الأب أو في حالات تتعلق بحرية الشقيقات أو الأم، وفي تصريح لأحد الٱباء حول موضوع الانضباط للحجر أكد بدوره ما يصرح به الأبناء مضيفا أن بإمكانه الصبر والمكوث في المنزل لكن أحواله الاجتماعية لا تسمح له بذلك، مبديا أسفه على هذا النوع من السكن، ويظهر من خلال هذا كله أن المدن الكبرى أخطأت سياسة السكن ولم يقم مدبروها بأية مبادرات تفتح باب الاستثمار في سكن كريم يؤم مختلف شرائح المجتمع، فالمفروض أن البلديات هي الأدرى بالطبقات الاجتماعية القاطنة في تراب نفوذها، وأعضاؤها يعولون كثيرا عليها في الاستحقاقات الانتخابية، ومع ذلك لن تجد أي نقطة في جداول أعمال دورات مجالسهم لفائدة سكن هذه الشريحة، وإذا ما قمت باستطلاع حول الموضوع منذ سنوات إلى الآن، ستجد أن مختلف المشاريع السكنية التي صادقت عليها هذه البلديات تهم شريحة موظفي الجماعات والعمالات وإدارات أخرى، وإذا ما تفقدت هذه المشاريع، ستجد أن أجزاء منها فوتت لطبقات وشرائح لا علاقة لها بسلك الوظيفة في تلك الإدارات، وستجد أن مشاريع منها وصلت إلى القضاء بفعل التلاعبات.
هذه المساكن التي لا تليق أساسا بالإنسان، منها ما يشكل للبلديات عائقا في النمو ومنها ما أضحى يهدد الأرواح كالدور الآيلة للسقوط، ومع ذلك لم تململ أية عزيمة في هذه البلديات، أما المنعشون العقاريون ممن استفادوا من امتيازات كبيرة من الدولة ومن أراض بأثمنة لم تخطر على بال العباد، حتى في التاريخ العتيق للكرة الأرضية، فقد شيدوا «غيتوات» لم يراعوا فيها لا كرم الدولة معهم ولا ٱدمية الناس وستظهر تداعيات الجرم المقترف في القريب من السنين.