معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” -10- في ظل استمرار غياب مندوبية إقليمية للثقافة وأخرى للسياحة

مآثرخنيفرة بين المقاومة و التأهيل 1

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

العديد من التساؤلات لا تزال قائمة بإقليم خنيفرة، تتمحور حول دوافع عدم إحداث مندوبية إقليمية للسياحة؟ أو مندوبية إقليمية للثقافة؟ لماذا لم يتم إرساء مخطط عمل عام لإنعاش وحماية التراث التاريخي والإنساني؟ ما مصير نداءات الفاعلين في مجال السياحة الجبلية؟ وغيرها كثير من التساؤلات التي بقيت خامدة إلى أجل، قد تعترف فيه الجهات المعنية بهذه المناطق وتعطيها حقها من العدالة المجالية والاجتماعية، ومن البحوث الجامعية في شأن ما وثقته المصادر الشفهية والمكتوبة، حول مآثرها ومعالمها التاريخية، في سبيل جعلها تشكل مصدر إلهام للأجيال القادمة، وتعزز الانتماء للوطن ومكوناته وطقوسه وحضاراته الموغلة في الزمن بتنوعها الثقافي واللغوي.
يتوفر إقليم خنيفرة على مؤهلات كبيرة يمكن أن تجعله من أشهر مناطق السياحة الجبلية، ويمكن الانطلاق من مآثره التاريخية والمعمارية، ومواقعه الأركيولوجية والطبيعية، وزواياه الصوفية والدينية، إضافة إلى غناه الشعري الأمازيغي ورموزه، وتعبيراته الفنية، من أحيدوس وإنشاد نوتاماوايت، ثم الفولكلوري الأصيل ونجومه الفنانين الذين حفروا أسماءهم بقوة، فيما يصعب الحديث عن مؤهلات إقليم خنيفرة دون الإشارة إلى صناعاته التقليدية، ومآثره التاريخية، ومعالمه الدينية والمعمارية، وجلها عرف إهمالا كبيرا جعلها عرضة للتلاشي والاندثار، إما جراء العوامل الطبيعية أو بفعل السياسة الممنهجة التي لا تهتم بالموروث التاريخي والتراث الثقافي.
تذكر خنيفرة فتتجلى»قصبة موحى وحمو الزياني» التي «بتروا» أجزاء منها بالزحف العمراني، رغم كونها مصنفة إرثا إنسانيا (ظهير بتاريخ 26 دجنبر 1933) (ج. ر، رقم 1114 في 28 غشت 1942)، ثم «القنطرة الإسماعيلية» و»المسجد الأعظم (الجامع الكبير)» و»الزاوية الناصرية» و»الزاوية الدلائية» والمدينة الأثرية «إغرمأوسار»، فضلا عن»قصبة أدخسال» و»قلعة البرج»، ثم المدينة المكتشفة «فزاز» المذكورة في كتب التاريخ القديمة، التي ظل أمرها مهملا رغم قيمتها التاريخية، اللهم إلا بعض المثقفين والباحثين المحليين والطلبة الجامعيين الذين يزورونها، من حين لآخر، للاطلاع أو للسياحة أو لإنجاز بحث من البحوث.

آثار تدل على العمق التاريخي

على ضوء اكتشاف مدينة «فزاز» الأثرية بقلاعها وحصونها، وقف الباحثون على ما يؤكد العمق التاريخي لإقليم خنيفرة، مع ما أثار قلق المهتمين إزاء الإهمال الذي جعل هذه المدينة خارج ما تستحقه من قراءات وبحوث، إذ منذ اكتشافها، والعثور بها على أدوات فخارية وأشياء تتعلق بالخيول وقطع نقدية مطبوعة في عهد يوسف بن تاشفين وأخرى يهودية، لم تفطن له وزارة الثقافة إلا من خلال إعلانها، في فبراير 2019، عن تسجيل الموقع «ضمن لائحة التراث الوطني، لأهميته الأركيولوجية والتاريخية التي يكتسيها، وباعتباره معلمة تؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ المغرب». وتشير  جل المصادر إلى أن هذه المدينة تأسست خلال القرن العاشر الميلادي.
كما تعد قصبة موحى وحمو الزياني بخنيفرة من أقدم المعالم العمرانية، والشاهدة على السيرة التاريخية للإقليم، وقد تم تسجيلها في قائمة المآثر التّاريخيّة منذ الفترة الاستعمارية (ظهير 26 دجنبر 1933). ورغم تضارب واختلاف الآراء والكتابات حول تاريخها، فالقول المتداول بقوة يفيد أنها شيدت على يد القائد المرابطي يوسف بن تاشفين في نفس المرحلة التي جرى فيها بناء قصبة «أدخسال»، حوالي سنة 1065م، ذلك قبل قيام السلطان المولى إسماعيل بترميمها حوالي 1688م، وذلك في سبيل تعزيز سياسته الحمائية لأمن المحاور التجارية، وعلى مقربة منها لا تزال القنطرة الإسماعيلية صامدة في وجه التقلبات الزمنية والمناخية وفيضانات الوادي.
( يتبع )

 

 


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 22/03/2024