لا يزال مشكل النقل يؤثر، بشكل كبير، على الحياة اليومية لسكان الدار البيضاء، رغم المجهودات المبذولة لتحسين منظومة النقل الحضري. فمن دخول وسائل نقل جديدة إلى شوارع المدينة إلى تطوير خدمات الترامواي، تبقى الحاجة قائمة لإصلاحات جذرية، خاصة في الأحياء الشعبية مثل الحي المحمدي، الذي يعاني سكانه من صعوبات متفاقمة مع وسائل النقل.
لقد شهدت شبكة الحافلات تغييرات عدة في السنوات الأخيرة، حيث دخلت الخدمة حافلات جديدة وبموصفات حديثة ولكنها للأسف لا تكفي ساكنة البيضاء التي تقارب الأربعة ملايين نسمة حسب آخر إحصاء للسكان(3967600 نسمة )، الكثير منهم يخرج في نفس الأوقات صوب العمل أو الدراسة مما يتطلب الزيادة في الخطوط وفي الحافلات، لكن عوض ذلك يتم حذف خطوط مهمة مما يفاقم الأزمة ويكرس المعاناة .
بالحي المحمدي، على سبيل المثال، تم حذف خطوط عديدة، مثل خط 2، خط 16، خط 87، وخط 32، وغيرها، وهي خطوط كانت تسهل تنقل سكان الحي المحمدي إلى مختلف أرجاء المدينة، كمنطقة البرنوصي أو وسط المدينة. نتيجة لذلك، تفاقمت معاناة العمال، والطلبة، وحتى المرضى، الذين يعتمدون على هذه الوسائل للوصول إلى المستشفيات والعيادات الطبية.
من جهة أخرى، تعاني الحافلات العاملة حاليا من نقص شديد في عددها، مما يزيد من الاكتظاظ وتأخير المواطنين. مثال على ذلك، خط رقم 90 الذي يمر عبر الحي المحمدي وينقل، من خلال 36 محطة في مدة تتجاوز الساعة (74 دقيقة تقريبا)، المرضى إلى مستشفى ابن رشد أو مستشفى الأطفال الهاروشي، أو معهد باستور وعيادات طبية متمركزة بوسط المدينة، قد تصل مدة انتظار هذه الحافلة إلى 45 دقيقة في الأيام العادية وساعة كاملة في أيام السبت والأحد، وهي فترة انتظار مرهقة، خاصة بالنسبة للأطفال المرضى، النساء الحوامل، وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يفترض أن تتوفر لهم وسائل نقل مريحة وملائمة.
إلى جانب الحافلات، تظل “الطاكسيات”، سواء الصغيرة أو الكبيرة، بدورها مصدر إزعاج للكثير من السكان. فالطوابير الطويلة أصبحت مشهدا يوميا معتادا بالنمرة 2 أو قيسارية الحي المحمدي أو دار لمان بشارع فم الحصن، خصوصا في فترات الذروة، مما يجعل الوصول إلى العمل أو الدراسة مهمة شاقة. بالإضافة إلى ذلك، تتسم بعض خدمات الطاكسيات الصغيرة بارتفاع التكلفة أو رفض السائقين نقل الزبائن لمسافات طويلة أو إلى أماكن بعينها بوسط المدينة، كمنطقة المعاريف والولفة والحي الحسني وشوارع غاندي والزرقطوني والحسن الثاني و مستشفى ابن رشد أو مستشفى 20غشت، وغيرها كثير، حيث يرفض السائقون نقل أبناء منطقة الحي المحمدي هناك بدعوى أنهم سيضيعون وقتهم وسط الزحام والاكتظاظ الذي تعرفه شوارع الدار البيضاء. مؤخرا ولمواجهة هذه الفوضى كانت وزارة الداخلية قد أصدرت تعليمات صارمة تهدف إلى تنظيم قطاع النقل بواسطة سيارات الأجرة في المغرب، وذلك في إطار تعزيز الجهود الرامية لتطوير خدمات النقل الطرقي وتلبية حاجيات المواطنين ومواجهة تحديات هذا القطاع والتي من أبرزها الممارسات غير القانونية للسائقين، مثل عدم احترام شروط التشغيل، رفض تقديم الخدمة في بعض الحالات، وفرض تعريفة غير معلنة، مما يرخي بظلاله على البيضاويين الذين يضطرون للاستعانة بخدمات تطبيقات النقل غير المرخصة، وفي دورية وزارة الداخلية الموجهة إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، طالبتهم فيها بالسهر على إشهار التعريفة المحددة للنقل بواسطة سيارات الأجرة بالمحطات والأماكن المخصصة لوقوف سيارات الأجرة وداخل السيارات بصنفيها الأول والثاني والحرص على احترام التسعيرة المحددة وعلى استعمال العداد في الحالات المنصوص عليها، كما أكدت الوزارة على أهمية إطلاق برامج تكوين وتأهيل موجهة للسائقين لتمكينهم من تحسين مهاراتهم وتعزيز التزامهم بقواعد العمل، داعية إلى تسهيل عملية تقديم شكايات وملاحظات مستعملي سيارات الأجرة من خلال اعتماد أرقام هاتفية وعناوين إلكترونية رهن إشارتهم والحرص على المعالجة الناجعة للشكاية، لكن وإلى حدود كتابة هذه السطور لا يزال سائقو الطاكسيات يتسيدون الشوارع ويرفضون نقل المواطنين إلا إلى الوجهة التي تناسبهم ، ولم نر بعد، وقع هذه الدورية وغيرها على خدمة الطاكسيات بالمدينة.
النقل الحضري في الدار البيضاء والأخص بالحي المحمدي، عنوان بارز للمعاناة اليومية التي يمر منها السكان كل يوم، مما يتطلب رؤية استراتيجية للنهوض بمنظومة النقل وتطويره، رؤية تراعي حاجيات السكان وتأخذ بعين الاعتبار هشاشتهم ومعاناتهم، كما تستثمر في راحتهم وكرامتهم وتخدم جوانبهم النفسية والاجتماعية قبل أي جانب آخر.