معرض يكشف العلاقة المعقدة بين الفن والمال

استضاف متحف أشموليان في أكسفورد معرضاً فريداً بعنوان «المال يتحدث: الفن والمجتمع والقوة»، وهو عرض يأخذنا في رحلة عميقة لاستكشاف العلاقة المعقدة والمثيرة بين الفن والمال. يضم المعرض أكثر من مائة قطعة فنية وتاريخية من مختلف أنحاء العالم، من العملات المعدنية والأوراق النقدية واللوحات الفنية، وحتى العملات الرقمية والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs). يستكشف المعرض الأساليب والطرق التي أثر بها المال في المجتمع، وكيف لعب دوراً محورياً في تشكيل الفن عبر العصور.
تأخذنا الأعمال المعروضة في رحلة عبر الزمن، تبدأ مع القطع النقدية القديمة التي تحمل صور الأباطرة الرومان حين كانت العملات وسيلة لنشر صورة الحاكم، وتعزيز قوته ومكانته في أذهان الناس. إلى جانب العملات المعدنية، يبرز المعرض أيضاً الدور الفني في تصميم الأوراق النقدية، بدءاً بالتصاميم البسيطة التي كانت تقتصر على ضمان القيمة، وصولاً إلى الأعمال الفنية المعقدة التي تحمل بصمات فنانين مشهورين. تأتي صورة الملكة إليزابيث الثانية واحداً من أبرز الأمثلة على الطابع الحداثي في تصميم العملات، وهي الصورة التي ظهرت على مليارات الطوابع والعملات حول العالم.
يُبرز معرض «المال يتحدث» كيف أثرت الحركات الفنية الكبرى مثل «آرت نوفو» و»آرت ديكو» بتصميم العملات، فبين المعروضات عدد من التصاميم الجريئة لفنانين مثل كولومان موسر الذي استخدم عناصر من الزخرفة والرمزية في أعماله.
يقدم المعرض لمحة عن كيفية تصوير المال في اللوحات والأعمال الفنية عبر التاريخ. ففي الغرب غالباً ما ارتبط المال بالجشع والفساد، كما يظهر في الرسوم الساخرة واللوحات التي تصور المرابين والمحتالين. على النقيض من ذلك، يمثّل المال في الثقافات الشرقية رمزاً للرخاء والوفرة، فيظهر في الأعمال الفنية باعتباره جزءاً من الطقوس والاحتفالات. أما في العصر الحديث، فلم يعد المال موضوعاً للفن فقط، بل مادة يستخدمها الفنانون للتعبير عن رؤاهم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، عمل جوزيف بويز Kunst – Kapital الذي قدمه في سبعينيات القرن الماضي، وأضاف توقيعه على عدد من الأوراق المالية، ليحولها إلى قطع فنية تتحدى مفهوم المال وقيمته. الطريف هنا أن الأوراق النقدية التي وقعها بويز أصبحت ذات قيمة مادية أعلى بكثير من قيمتها الأصلية لكونها عملة. أحد الأعمال الفنية اللافتة أيضاً هو Di-faced Tenner لبانكسي الذي استبدل فيه وجه الملكة إليزابيث الثانية بوجه الأميرة ديانا في ورقة نقدية ساخرة. هذه القطعة لم تكن مجرد سخرية من النظام الملكي، لكنها أيضاً تساؤل عن مكانة الشخصيات العامة في الوعي الجمعي.
أحد الأعمال اللافتة للانتباه في هذا المعرض هو «فستان المال» لسوزان ستوكويل، وهو تمثال على شكل فستان فيكتوري مصنوع بالكامل من أوراق نقدية. كان الهدف الأصلي للفنانة استخدام أوراق نقدية تصور وجوهاً نسائية، غير أن ندرة هذه الأوراق جعلت الأجزاء النسائية محصورة في أطراف الفستان. سلط عمل ستوكويل الضوء على التهميش التاريخي للنساء في المجالين الاقتصادي والسياسي. فقد اعتبرت الفنانة أن ندرة هذه الأوراق تعكس قلة الاعتراف بالنساء رموزاً قيادية ومؤثرة، حتى في العملات التي تمثل السلطة والقوة الاقتصادية. هذا الاستخدام الإبداعي للمال بوصفه وسيلة للتعبير يبرز كيف يمكن للفن أن يتحول إلى أداة فعالة للنقد الاجتماعي والسياسي، ما يضيف طبقات من العمق إلى العلاقة بين المال والفن.


بتاريخ : 14/01/2025