مغرب المجاعات والأوبئة .. البعثات الدبلوماسية تصف معاناة الجياع بشمال المغرب 24 –

لازمت الأوبئة كظاهرة اجتماعية مرضية وضرورة حتمية واقتران استثنائي بتاريخ المغرب، فاختلفت طبيعة العدوى الوبائية، وتنوعت أعراضها ودرجة حدتها واتساع رقعة انتشارها ومخلفاتها البشرية، بسبب الجفاف المتواصل والجذب
الحاد والقحط الشديد.
فمنذ قرون عديدة، وكلمة “الوباء” أو “الطاعون” أو “الجائحة” تثير الرّعب في الناس، تقشعر لها الأبدان، وتضيق أمامها النفوس؛ لأنها، ببساطة، صارت في ذهنية المغاربة مرادفًا لفقدان الأهل وللخوف الرّهيب من الموت، إذ تكفي الإصابة به ليَعدّ المصاب نفسه ممن سيلتحقون بطوابير الموتى الملتحقين زمرا إلى العالم الأخروي. هذه النّظرية التي جاء العلم ليفندها ويثبت أنه يمكن التّشافي من الطاعون والعيش بعده طويلًا لنقل الحكايات عنه لمن لم يعرفوه أو يدركوه.
في هذه الحلقات نرصدبرفقتكم محطات من “اوبئة” ضربت بلاد المغرب، فخلفت ضحايا في الخلف من إنس وحيوان.

مجاعة (1817- 1818/1233- 1234)
حيث وصف كل من طحطح وبكور أن هذه الكارثة بدأت بعد تعرض البلاد لغزو الجراد وانحباس المطر (1816- 1817), مما جعل المحصول الزراعي ضئيلا, فارتفعت الأسعار وزاد الأمر خطورة سماح السلطان بتصدير القمح إلى فرنسا , وفي سنة 1818 استمر الجفاف, وبلغت الأزمة الغذائية ذروتها بانعدام المواد الاستهلاكية من الأسواق, وتؤكد التقارير القنصلية في مدينة طنجة أن سكانها عانوا كثيرا من هذه المجاعة , فقد كان نصفهم يقتاتون من الحشائش.
مجاعة (1825- 1826- 1241- 1242)
اما المجاعة الأخرى فيؤكد الباحثين أنها بدأت هذه المجاعة حسب مييج بندرة المواد الغدائية ,وقد مست هذه المجاعة شمال المغرب فارتفع ثمن القمح من نصف مثقال للمد إلى مثقالين للمد, لكنه عموما ظل اقل بكثير من ثمن القمح بفاس الذي بلغ 7 ثم 9 مثاقيل للمد.
كان لاستراد الأقوات عبر موانئ طنجة ثم تطوان والعرائش نتائج طيبة على هذه المدن, فقد انخفضت الأسعار وتراجع الجوع , كم ساهم المخزن في تخفيف هذه الحدة ففي رسالة
للسلطان مؤرخة 2 ربيع الثاني 1241 تقول( أنعمنا على ضعفاء أهل تطوان, وأراملهم وأيتامهم بهذا 20000 مثاقيل من مال اشعاع….), وبفضل الامتياز الذي كان لطنجة فقد قصدها الجائعون فاكتظت بالافاقيين والمشردين الذين يجوبون الحقول المجاورة بحثا عن الجذور, بل اضطروا إلى أكل جميع كلاب المدينة, وتهافتوا على جثث الخيول والحمير والبغال والأبقار الملقاة على قارعة الطريق , ومع ذلك كثر الموت في أوساطهم فكان يسقط منهم من 10 إلى 15 ضحية في كل يوم خلال أكتوبر 1825 .
مجاعة( 1847- 1851 /1264- 1268)
وانتقالا إلى الحديث عن مجاعة 1847 حيث اكدا أنها انطلقت فعليا مند 1845 حيث تعرض الشمال المغربي لازمة غذائية, فقد قلت بها الأقوات وندرت , فأمر السلطان بجلب الحبوب إلى طنجة وتطوان والعرائش من مراسي الدار البيضاء والجديدة واسفي. واستمرت هذه الأزمة بعد الجفاف الحاد الذي شهدته سنة 1847 والذي أدى إلى إتلاف المحاصيل ,فارتفعت أسعار القمح بشكل كبير في طنجة وانتشرت الأزمة بعد جفاف 1850 خاصة بالأقاليم الجنوبية
أما بشمال المغرب فيبدوا أن الأمر كان اقل حدة وهو ما نستنتجه من الرسالة التي أوردها البزاز والتي كتبها سيدي محمد من مراكش إلى مولاي عبد الرحمان ب9 ربيع الثاني 1266 /21 فبراير 1850 يقول فيها (  وهذه النواحي من اجل اليبس وشدة الغلاء لا يعلمه إلا الله فان ظهر لمولانا أيده الله أن يأمر بتوجيه مركب موسوق من القمح من العرائش لاسفي أو الجديدة ويحمل من هناك لهنا .
مجاعة 1867- 1869 /1284- 1286
عاش المغرب بعد حرب تطوان ظروفا مزرية امتزج فيها الضغط الاستعماري الخارجي بوطأة الضرائب في الداخل, وبالاضطرابات والفتن المؤدية لغياب الأمن وقطع السبل, فارتفعت الأسعار بشكل مهول, زاد من بلته توالي سنوات الجفاف (1869- 1867) وانتشار الكوليرا سنة 1868. نتج عن هذه الأوضاع مجاعة مدمرة شملت جل المناطق, فقد ارتفعت أسعار الحبوب بتطوان وطنجة والعرائش مند 1865 الشيء الذي دفع السلطان إلى إصدار أوامره بجلب الحبوب من المراسي لمواجهة القحط بالشمال .
وفي سنة 1867 انحبس المطر مجددا, وشح الطعام وتضاعفت الأسعار واشتد القحط بالمغرب, وكان أقوى بمناطق الشمال تشير وثيقة أوردها البزاز إلى شدة القحط بطنجة ونواحيها وتشير أخرى إلى أن تطوان ونواحيها عانت من الاحتياج والى ما تقتات به من أنواع الحبوب ونظرا للمعاناة الشديدة لسكان هده المناطق فقد اخبر محمد بركاش أمناء اسفي بصدور الأوامر السلطانية بان يعجلوا.. بتوجيه مركبين من القمح لأمناء طنجة لبيعه برأسماله قصد التخفيف عن الضعفاء
وأكدا أنه من خلال الهجرات الناتجة عن هده المجاعة يتضح أن منطقة الريف عانت من قسوة هده الكارثة.فقد تدفق سير من الريفيين نحو المدن القريبة كتطوان التي التجأ إليها 4000 مهاجر وطنجة 5000…. وعانوا في هذه المدن من قلة الطعام وعاشوا ظروفا مؤلمة ففي رسالة لقنصل الولايات المتحدة الأمريكية بطنجة مائيوس يصف الوضع قائلا إن السفارات الأجنبية محاصرة ليل نهار بالجائعين ولا يسمع المرء طيلة الأربع والعشرين ساعة سوى نداء واحد الخبز وفي طنجة أيضا كانت أمواج الجائعين الدين غادروا دواويرهم يهيمون بحثا عن الشغل أو استجداء لقمة العيش وترى النساء لا تغطيهن سوى بعض الأسمال ينتقلن من باب لأخرى طلبا للصدقة ذلك ما رواه قنصل بلجيكا أما سفير فرنسا فوصف كثرة الوفيات الناتجة عن هده المجاعة رأيت بعيني في الأيام الأولى التي قمت فيها بتوزيع الإسعافات لنساء تعيسات يسقطن ميتات بعد تناولهن بعض الطعام الذي حرمن منه مدة طويلة وبتطوان اشتد الحال من كثرة الغلاء ووقع الهيف في الناس ومات عدد كبير من البرد والجوع خصوصا من أهل الريف الدين فروا من بلادهم جراء غلاء الأسعار وعدم نزول الامطار

 

 


الكاتب : إعداد مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 28/03/2025