استقبلت الفوج الأول من شهداء المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي قبل غيرها
عندما تدخل إلى بعض المقابر في مناطق مختلفة ومتعددة، تجدها منظمة بممراتها وأرقامها وأحيانا بلوحات تسهل الوصول إلى قبر عزيز لبى نداء خالقه، بل وتجد من اقتنى «حجرة» لأسرته لحماية رفاتها، وبالتالي داخل المقبرة مقابر وهذا موضوع آخر. لكن ليست كل المقابر تحظى بعناية الجهة أو الجهات المسؤولة عنها ولو عناية نسبية، فهناك مقابر للأسف جد مهملة ومهمشة، تهدّمت قبورها واختفت ممراتها وصارت مأوى للمتسكعين، يحتسون فيها الخمر ويدخنون الحشيش ويمارسون جميع أنواع المحرمات، لعدم توفرها على حراسة مستحقة من طرف من منحوا حياتهم لمن سيلتحقون بهم غدا أو بعد غد.
يقع هذا، مع العلم أن داخل كل مقبرة رجالات ونسوة قدموا زهرة شبابهم وخلاصة تجاربهم وكفاءاتهم، وأمهات قدمن أطرا في شتى المجالات لهذا الوطن، في الوقت الذي تقاعس فيه بعض المسؤولين عن توفير الحماية والعناية لقبورهم وقبورهن. آباء كونوا أبناءهم وأسدوا خدمات جليلة في شتى المجالات لوطنهم ولبوا نداء خالقهم، ومثقفون في شتى التخصصات، ورجال أعمال خدموا اقتصاد وطنهم قبل رحيلهم، وغيرهم كثير… أهملنا قبورهم، وصدق من قال أن أغنى بقع في العالم هي حيث المقابر داخلها أدمغة ذهبت تجاربها ومسيرتها الكتابية و…
ولأضع النقط على الحروف، على الجهات المسؤولة على المجال الجماعي والإقليمي والجهوي، وعلى المسؤولين في مجلس المدينة بالدارالبيضاء، وفي الحكومة، وعلى ممثلي الأمة في الغرفتين الأولى والثانية، زيارة مقابرنا المختلفة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، مقبرة سباتة بعمالة مقاطعة سيدي عثمان، التي تحتضن كغيرها من المقابر رفاة رجال أعمال، ومفكرين، ومقاومين، وأطفالا صغارا، وحينها سيجدوا قبورا تهدمت وممرات قد اختفت، ونفس الشيء بالنسبة للأسماء والأرقام؟
وعلاقة بهذه المقبرة يكفي التذكير بأنها هي الأولى التي استقبلت الفوج الأول من شهداء المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي قبل غيرها، وهذا بحاجة إلى بحث ودراسة، للتعرف على أسمائهم ثم على مسار نضالهم، حاليا يصعب الولوج إليها لزيارة قبر عزيز قضى. وكنموذج لما تمت الإشارة إليه، ذهبت مرة لأترحم على أحد أقاربي، وبعد الدعاء عرجت على قبر الشاعر الرايس المرحوم أجحود الحاج محمد البنسير الذي توفي رحمه الله بتاريخ 11/11/1989 ودفن بمقبرة سباتة، وأجمعت الصحافة الوطنية على أنه كان فنانا شريفا، وقلبا نابضا لوطنه ومواطنيه، والذي كان ظاهرة والظواهر نادرة، وعلى أنه لسان البكم، الذي كتب عنه الكثير، ولا تزال روائعه تحتل المرتبة الأولى شكلا ومضمونا من حيث المواضيع التي تناولها شعرا، ومن حيث الألحان الرائعة والصوت المشخص لمعاني الكلمات الحزينة.
لما وصلت إلى قبر الراحل، وجدته تهدم نتيجة اشتعال النيران، واختفت اللوحة الحاملة لاسمه، كما هو الشأن بالنسبة لعشرات القبور في هذه المقبرة كنموذج لغيرها. بعد الترحم على رفاته وبعد الدعاء له ولباقي موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة، شعرت بإهانة لموتانا ولوطننا، وقررت كواجب تفرضه علي رفقة ثلاثين سنة وإصداري لديوانه الأول، قررت كأضعف الإيمان إعادة بناء قبره وكتابة اسمه لمن أراد زيارته من الباحثين ولمن يعرفون مكانته الفكرية والفنية كمناضل ناضل بالكلمة والربابة وبصوت معبر لتوعية مجتمع يقرأ بأذنيه ويكتب بشفتيه.
إنها صرخة للمسؤولين على مقابر المسلمين في وطننا في الوقت الذي نجد مقابر غيرنا محروسة ومعتنى بها عنايتهم بأحيائهم وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
وعلاقة بالراحل دائما، لن ننسى أن المجلس البلدي لإمينتانوت، أطلق اسم اجحود الرايس الحاج محمد البنسير على بناية أسفلها مركب ثقافي جد صغير جانب الطريق الرئيسي تم تدشينه في دجنبر 2022 من طرف جمعية «إزموزال» ن-لخير خطوات الخير، بمناسبة ذكرى وفاته الثالثة والثلاثين. وفي الندوة التي أقيمت له بالمناسبة تحدث المتدخلون عن حياته ومكانته كمثقف تخرج من الجامعة الشعبية وتقلد فيها مهنة التدريس كفنان عانق قضايا الوطن والإنسان تناول جميع الأغراض، وعلى ذكر المركب الصغير فالنظرة المستقبلية تفرض مركبا ثقافيا يتسع لجمهور المدينة ومحيطها من القرى التي تحتضن حاليا طلبة وأساتذة وكفاءات وجمعيات، وبالتالي إعطاء لكل ذي حق حقه، علما بأن المركب الثقافي الصغير من حيث القاعة لا يتوفر بعد على التجهيز ولو على كرسي واحد. في 2022 ما أن بدأت الندوة المشار إليها حتى امتلأت المدرجات الإسمنتية ووقف الجمهور بباب «المركب»، حينها قيل لنا بأن الميزانية المخصصة للتجهيز تبلغ أربعمائة مليون من السنتيمات، وحاليا 2024، لا يزال الوضع هو نفسه بدون تجهيز، مما يحتم على الجهات المسؤولة أن تفتح تحقيقا في الموضوع؟