مقدمة في الذكاء الاصطناعي.. -4- ماذا نتوقع من الذكاء الاصطناعي في السنوات أو العقود القليلة المقبلة؟

«.. بات الكثير من الناس حول العالم، مدركين للحضور الوازن للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في حياتهم، التي أضحت موجودة في كل مكان حولنا.. مع هذا الانتشار الواسع، يخطر على بال الأفراد أسئلة متعددة تخص هذه التقنية من قبيل: «كيف بدأ كل هذا؟»، «في أية مجالات يمكن أن يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي؟»، «ماذا يعني ذلك حقا؟»، «ما أخلاقيات عمل وتطبيق الذكاء الاصطناعي؟» وغيرها من التساؤلات التي سنتطرق لها في هذه السلسلة من المقالات حول «الذكاء الإصطناعي»، منطلقين من كونه كان موضوعا للخيال العلمي إلى جزء لا يتجزء من حياتنا اليوم، مرورا بتطور هذا المجال على مر السنين و ما ساهم به في حياتنا، وصولا إلى ما قد يشكله من خطر علينا الآن أو مستقبلا..»..

يبدو أن الشوط الطويل للذكاء الاصطناعي شوطا طويلا سينتهي بتحقيق قفزة هائلة، غير أنه لا يزال الذكاء الإصطناعي العام (AGI) القادر على القيام بأي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها بعيد المنال، لكننا بدأنا بالفعل في رؤية الكثير من التقدم في مجالات أخرى من الذكاء الاصطناعي، قد حد الإستيلاء أو القضاء على العديد من الوظائف التي عفا عليها الزمن.
والسبب بسيط: إذا كان بإمكانك إستبدال شخص واحد بنظام (AGI)، فلن تحتاج إلى جهاز كمبيوتر واحد للقيام بالعمل بل يمكنك نشره (AGI) عبر آلاف أو ملايين أجهزة الكمبيوتر، وهذا ممكن فقط لأن قادر على التعلم من التجارب السابقة و تحسين نفسه، مما يعني أنه لا يلزم إعادة برمجته لكل مهمة جديدة. في الواقع، لا يوجد سبب يجعل نظام (AGI) يحتاج إلى البشر على الإطلاق، إذ و بمجرد أن يتعلم ما يكفي يمكنه تصميم أجهزته الخاصة أو إيجاد طرق لأتمتة الصناعات بأكملها. و هذا لأن ظهوره سيؤدي إلى تحويل مشهد الأعمال و تغيير حياة الناس للأفضل.
*المخاوف الأخلاقية المحيطة بالذكاء الاصطناعي
نرى أن الذكاء الاصطناعي «فكرة قوية» للغاية لكنها ليست «حلا سحريا».. إن الشيء الأساسي الذي يجب تذكره حول الذكاء الإصطناعي كونه يتعلم من «البيانات» و»نماذج الخوارزميات»، ما يعني أن توفر البيانات والتحيز ومشكلات الخصوصية يمكن أن تؤثر جميعها بشكل كبير على أداء نموذج الذكاء الإصطناعي، كما أن «الجودة» أمر بالغ الأهمية لتدريب نظام الذكاء الاصطناعي.
تتعلق بعض أكبر المخاوف المحيطة به اليوم، حول مجموعات البيانات «المتحيزة» التي قد تؤدي إلى نتائج غير مرضية أو إلى تفاقم التحيزات الجنسانية / العرقية داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي. في القصة القصيرة «Runaround» (1942)، عددت إحدى شخصيات إسحاق أسيموف «القواعد الأساسية الثلاثة للروبوتات (أخلاقيات الروبوتات)».. مع تسلل أجهزة الكمبيوتر إلى حياتنا، سنحتاج إلى التفكير بجدية أكبر في أنواع الأنظمة التي يجب بناؤها و كيفية نشرها، بالإضافة إلى المشكلات الوصفية مثل كيفية تحديد من يجب أن يقرر هذه الأشياء. هذا هو عالم الأخلاق، الذي قد يبدو بعيدا عن الموضوعية المفترضة للرياضيات والعلوم والهندسة.. تقول «باربرا غروسز» عالمة الكمبيوتر في جامعة «هارفارد»: «هناك حقيقة أساسية مفادها أن أنظمة الكمبيوتر ليست محايدة من حيث القيمة، و أنه عندما تصممها، فإنك تجلب بذلك مجموعة من القيم إلى ذلك التصميم».
أحد الموضوعات التي حظيت بإهتمام كبير من المختصين في الأخلاق كان «الإنصاف والتحيز». تقوم الخوارزميات بشكل متزايد، بتنظيم أو حتى إملاء القرارات المتعلقة بالتوظيف و القبول في الجامعات و القروض والإفراج المشروط. بناء على فهمها للمعروض أمامها من معلومات، ما قد يعرض المعنيين بالأمر للمعاملة غير العادلة، لكونهم مدربين على أساس بيانات متحيزة أو تعريفات متعددة للعدالة.
مصدر قلق آخر هو «الخصوصية». بالنظر إلى أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها الآن جمع وفرز المعلومات حول إستخدامها بطريقة لم يكن من الممكن تصورها من قبل. يمكن أن تساعد البيانات المتعلقة بسلوكنا عبر الإنترنت في التنبؤ بجوانب حياتنا الخاصة، كما يمكن أن تتبعنا تقنية التعرف على الوجه أيضا في جميع أنحاء العالم الحقيقي. يختبر مجال «التكنولوجيا العصبية» الناشئ بالفعل طرقا لتوصيل الدماغ مباشرة بأجهزة الكمبيوتر، مما يطرح تساؤلات حول «الأمان و الخصوصية» و سيفتح بابا يمكن للقراصنة الوصول به إلى البيانات المقفلة، أو التدخل في أجهزة حيوية (تنظيم ضربات القلب) والمركبات ذاتية القيادة. من الموضوعات الأخرى ما يرتبط ب»التزييف العميق» (Deep Fake) حيث أصبح الذكاء الإصطناعي «قادرا» على إنشاء محتوى يبدو حقيقيا، يتراوح بين الروائع الأدبية والأخبار المزيفة ومواد التجنيد للجماعات المتطرفة، أو في تزييف مشاهد و أصوات وصور شخصيات عالمية، كما يمكن للخوارزميات أيضا التلاعب بنا بطرق أخرى تصل حد «الإحتيال الإلكتروني».
تقوم دول متعددة، بتطوير أسلحة «ذاتية التشغيل» لديها القدرة على تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وكذلك تصعيد الصراع بشكل سريع، ممكنة وضع البنادق أو الصواريخ في أيدي الروبوتات. هنا، تظهر مخاوف ذات علاقة بالخيال العلمي و السينما، من أن يقع مثلا نفس سيناريو سلسلة «تيرمينايتور» (Terminators) والقضاء على البشرية. على المدى القريب، تسببت «الأنظمة الآلية» التي تم إطلاقها في العالم الحقيقي بالفعل في حدوث أعطال مفاجئة في سوق الأسهم تصل إلى الملايين من الدولارات.


الكاتب : ت : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 03/05/2023