من أجل إعادة الاعتبار للنقد الأدبي .. وبعد، فما هو النقد الأدبي؟

 

ما طرحُنا لهذا السؤال من باب الترف الفكري، ولا لكي نستأنف الحفر في أطروحات ونظريات باتت متجذرة في تاريخ الأدب، ومؤسِّسَةٍ لشجرة أنسابه، ولبناء مفاهيمه وسّن مناهجه. ما من شك أن إعادة طرح الأسئلة في حقل الأدب والعلوم الإنسانية جميعها، مشروع ومطلوب على الدوام، يجدد فهمها ويتمّ معها توليدُ واستقراءُ كثيرٍ من المضمرات وما قرئ في ضوء فرضيات ومنهجية محدودة بمعارف زمنها وذائقته، أيضا. ثم إن النقد الأدبي ليس دينا ولا عقيدة ثابتة، ولا يمكن أن يستوعبه أيّ رداء إيديولوجي، ولا «دوكسا» مهما أسرف دعاة النظريات المادية، وهم ينتمون إلى تيارات شتى، وأمعنوا في صنع البعد الواحد لإنتاج الأدب. لأنه يُستحسن أن ُيفهم بالدرجة الأولى، ولدى كل مقاربة أو تحليل مخصوصين بمادة مفروزة ومنهجية محددة، بصيغة كونه لا ينتسب إلى نفسه وحدها، أي إلى تاريخية ومفهمة تجريديين، بل إلى تاريخ النصوص سببِ وجوده، ومحفّزِ نشاطه، نظرياً وتطبيقياً، معا .
كانت مهمة السؤال وتبقى هي المعرفة، بدءاً بمساءلة يقينيات تزعم المطلق، وامتداداً إلى استكناه غموض الحاضر واستشراف المستقبل في نصوص شريعتها الجديدة هي نبذ كل يقين وبداهات . نعم، فإلى مثل هذه النصوص الاحتكام بوصفها الحلقة الأمّ والمركزية، بين العملية الأدبية والعملية النقدية. في كتابه الشهير»مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق» وهو مرجع كلاسيكي، مشترك ومتداول (ترجمة د.محمد يوسف نجم، بيروت، دارصادر،1967) يبرز ديفد ديتش وينظم بكيفية دقيقة الحدّين اللذين تنهض عليهما العمليتان وتبنيهما، على وجْهيْ التشييد المفاهيمي، أولاً، والتطبيقي، بتعددية مناهجه، ثانياً. وللحد الأول أهمية قصوى من حيث يعيّن الأنواع الأدبية والتيمات الكبرى(الأغراض) التي تحتفي وتعبر عن الكائن والحياة في محيط بذاته ووفق تصورات بعينها للوجود. وإذا كان مفهوم أفلاطون للمحاكاة يختص أكثر بالقول الشعري لزمانه، وينزع نحو عالم المُثل، فإن المحاكاة،(mimesis) وفق نظرية أرسطو، تُعدّ العمدة ـ كانت ولا تزال – لتعيين أشكال القول، ورسم جماليتها، وتأشير بلاغتها، ما تبلور عنه مفهوم معيّن للأجناس لأدبية، وللأدب بصفة عامة، ما انفكّ يتطور عبر التاريخ بتغير المشاعر والحاجات وأوضاع البشر عموما، كما تقولها نصوص نحن لا نعيا من وصفها بالحديثة أو الجديدة أو ما شاكل. وما الأدب عندئذ إلا حصيلة ما كُتب في مرحلة من القول الإنساني وفق شروط وبلاغة نظمهتما ثم قننتهما البويطيقا الأرسطية.
وإذا كان مبدأ التطور لا جدال فيه، على أساسه نهضت مدارس أدبية ونقدية، وتفتحت مواهب وتكونت أذواق، فإن الجماليات الكبرى ـ من هوراسيو إلى هيغل، باختزال شديد ـ حافظت على هذه البويطيقا، ورسّخت أسُسها، مع إغنائها وتوسيع أطرافها، وأحياناً بإحداث القطائع الأساس التي يمكن رؤية أقوى مثال لها في انقلاب النوع السردي ـ التراجيديا المبنية على قواعد الدراماـ على نفسه، أي تاريخ الأدب والشروط الموضوعية للتاريخ الاجتماعي، وتحوّله التدريجي إلى الرواية، إلى السرد الحديث كما بشّر به أبوه الشرعي ـ على الأقل في إجماع الدارسين ـ الشريف العبقري ميغل دي ثربانتس في الشهيرة» دون كيخوطي دي لا مانتشا». إن المفهوم الفلسفي وروح الزمن يبقيان قاعدةً للتاريخ الأدبي، وبالطبع للنقد الأدبي، الذي يظل متراوحا بين نظرية الأدب وقراءة النص لفهمه وضبط إوالياته، باحثاً دائما عن مقعد مريح قد لا يجده أبدا، أو هذا ما يريده له البعض حين يحكّمون الذوق، وهو مفهوم نسبي نقديا، وذاتي (غير مشروط) بينما الذائقة الأدبية لدى القدامى تعادل تلك الملَكَة الخطيرة عند ابن خلدون التي تُكتسب بالخبرة والدُّربة فضلاً عن الموهبة. هذا يؤكد، على نحو ما، أن النقد المزعوم يتعذّر عليه أن يصبح علما، وأقصى مطمح أمكن له بلوغه في تراثنا النقدي، عندنا نحن العرب، أنه» كتاب[فن] الصناعتين: الشعر والنثر»كما عند أبي هلال العسكري. إنما حذار أن نستهين بهذين المصطلحين، ففيهما كل الصيد، كما في جوف الفرا!
هذا ما يسْلِمنا إلى الحد الثاني، التطبيقي، للنقد الأدبي. ونحن هنا في الحقيقة سنتوزع بين معارف وأدوات شتى، هي جَماع المعرفة الموضوعية المكتسَبة في وعن حقول متعددة لا تختص ضرورة بالعمل الأدبي، بالأدب أيّاً كان سَمتُه ومنزعُه، وبين أدوات الصناعة المختصة بالأدب عيناً، بوصفه قولاً لغويا وإنشاءً على وجوه اللسان (انظر في مقدمة ابن خلدون تفصيله في شرح علوم اللسان العربي) والبيان (المقدمة، دائما) وعلم الأدب(نفسه). الأولى تختص بعلم النفس، وعلم الاجتماع، بوقائع تاريخية ومعطيات اقتصادية تُنعت عموما ب «الموضوعية» أي أنها تتعارض مسبقا مع الأدب الذي عرّفته الحداثة الأولى بأنه تعبير ذاتي ـ الشعري الحديث في مقابل الملحمي القديم ـ وهي عبارة عن منهجية، عن طريقة يستخدمها باحث ما، باقتناع نظري، أو إيديولوجية، لاستخلاص حقائق أو تحصيل حاصل كامن في ذهنه، أي خارج النص، الأدب؛ نقول هذا بصرف النظر عن التعددية المعلومة في تعريف الأدب مما هو في متناول سائر الطلاب، دعك من الدارسين. فيما تنحو الثانية، إلى التحليل في ضوء وبأدوات الصناعة تنظر إلى القول صنعة صانع، لا تفرق في ذلك بين شعر ونثر، وهي تتحدد وتتنوع حسب أجناس هذا القول، حيث تتميز بأشكالها وطرائقها وأساليبها، يلي ذلك ضبط إواليات إنتاج النص الأدبي، لنُقل السردي في حالة معينة ليظهر أفقٌ منظورٌ للتحليل. هل نحن في حاجة إلى القول بأننا هنا داخل مضمار اتّسع، ويتّسع أكثر، لمقاربات ومنهجيات متعددة أنتجها التجددُ المتسارع للعلوم الإنسانية، وللحداثات بلا حدود، التي ليست طارئةً إلا في أذهان المحافظين، سَدَنةِ معبد التقليد. الشيء الذي يفيد، من زاوية مقاربتنا، أننا يمكن أن نخوض في خضمّ من المفاهيم والنظريات والمعارف والمناهج، إما تولدت نظرياً أو في التفاعل المتناغم، تارة، المختلف، تارةً أخرى، مع النص، وفي الأحوال كلها المؤسِّسَة لمعرفة وكيفية قراءة العمل الأدبي، أي أنها، سواء أخذت هذا المنحى أو ذاك، فقد اعتمدت قواعد محددة، وسارت على هَدْي من تاريخ الأدب، تاريخ أفكار الأدب وأشكاله، لتوجد ولها أن تتمذهب، ثم يُحتًكم إليها، مهما تضاربت الأذواق وتباينت الأفكار والتيارات أدبية ونقدية.
أجل، فلدى القدامى والمحدثين أكثر، يُعلِي النقدُ القواعدَ نظاماً لا محيد عنه، أو يصبح خارج حقله، وذلك انسجاماً مع النظام الذي يسود ويتحكم في الوجود كله، الوحدة، التناغم، التماثل، الاختلاف الخ.. لذلك، تبقى وضعية النقد، والناقد أيضا، في حالة ذهاب وإياب بين النظرية والعمل المرصود، ولا مناص من النظام لضبط العلاقة، لهذا يتحرك النقد، أيضا، بل وجوباً، في دائرة المعرفي، أولاً. الشيءُ ذاتُه بالنسبة للعمل الأدبي الذي لا يمكن أن يوضع ويُرسل على عواهنه، والذي مهما جدّف به صاحبه بعيداً في التغريب والتفكيك والتهجين، يفعل ذلك ـ لابد ـ بوعي من سيصل أخيراً إلى اجتهاد خصوصي ينزَع إلى اختراق النظام بآخر، والإجهاز على الحداثة ببدائلها، هذا بعض ما يجعل الحداثة نسبية دائما، ويقلق في نظرياتها، خاصة حين يستند إليها النقد أو التعليق الكسولان، نقصد الطافي فوق سطح النصوص، الغافل عن النبع والسياق وإذ يتمسك بالقشور وبالنوافل. إن النقد الأدبي الحقيقي ـ وما أكثر زائفَه ـ إنما هو نتاجُ منظومة من المفاهيم والمقاربات والتصورات والتمثلات ضمن شبكة علائق، معرفية وأدبية وخبرة إنسانية، حين تتضافر لابد أن توتي أكلها أو لا يكون؛ وحضور النص داخله بآنيته مركزيٌّ وإلا لتعطل تماما، خلافا للدرس الأدبي. ذلك أن الدرس منفصل عن الزمن، إن شئنا عن السياق العابر، إنه قراءة وتأويل بَعديّان، وهو يشتغل بمفاهيمه التي يريد أن يذعن لها النص لأن له منطلقا إبستمولوجيا بالدرجة الأولى، وهذا سبب سوء الفهم الذي وقع فيه البعض، رأوا في مناهج التحليل المستحدثة من بنيوية ولسانية وأسلوبية وسيميائية وخطابية، خطاطة معميات، وقتلا للأدب ومعه المؤلف، فيما أصحابها غير معنيين بالأدب بالمعنى المتداول، وهم لا يحللون إلا النصوص الكلاسيكية، أو البانية لتيار سردي، أي الواقعة خارج السجال؛ إن غريماس، مثلا، عني أساسا بالبنية العاملية، والاشتغال العاملي، متوسِّلا إلى ذلك بقصة موبسان» الصديقان» ومثله فعل جيرار جنيت مع فلوبير. كذلك أنجز رولان أوائل نظريته النصية انطلاقا من قراءة روايات ألان روب غريي. لقد عمل هؤلاء وأضرابهم باعتمادهم النص ولا شيء غير النص، ما يختلف جذريا عن نقد مشوب ب»عيوب»الذوق الفردي، وإقحام حياة المؤلف والنزعة المعيارية، ضمنها أحكام القيمة، أحيانا. لذا يجب الاحتراز مرة ثانية وثالثة كلما جرى الحديث عن مناهج الدراسة والتحليل الحديثين بضرورة فصلهما منهجيا وأفق عمل، باعتبار أن النقد الأدبي، قديمه وحديثه، يمتلك استراتيجيته المخصوصة به.
والحقيقة أن النقد الأدبي حديث، لا قديم، وعلم الأدب، بالأطروحات الجديدة عنه، هو من طرده من الجامعة كـ» علم مغشوش ودخيل» وألقى به في ساحة الصحافة حيث ارتأى أن هنالك مكانه المناسب، وهكذا، كما اعتدنا أن نقول بأن هذه الأخيرة هي التي ساعدت على انتشار القصة القصيرة وتحديد حجمها وتنسيق فنيتها، كذلك، فإن صناعة الكتاب الحديثة والظروف المحيطة باستهلاكه من قبيل التلقي والترويج وجلب وتنويع القراء في الصحافة قادت إلى ضرب من النقد هو ما سيسود وتصبح له منابره وتياراته وأعلامه، وسجالاته بمهازلها، أيضا. إنني أتحدث عن النقد وقد أصبحت الصحافة مجاله الأول، وهو ما يختلف نسبيا عن ما يسمى بالنقد الصحفي الذي لا يوجد إلا في الأقلام السهلة أو الخفيفة لممارسيه، مثل وجوده في عقلية الكُتاب الذين ينتظرون من هذا النقد المزعوم أن يطلق في ركبهم البخور ويزفّهم إلى المجد الموهوم. لا شك أن للإعلام الثقافي، أي المختص بالتعريف بالمنتج الثقافي بهذا الشكل أو ذاك، دوراً لا يستهان به في نطاقه، ولكنه لا يضاهي النقد بمعناه الأصلي في منابره المختصة، علما بأن الوتائر المتسارعة لحياة اليوم والتنميط الثقافي والمناخ الاستهلاكي الكثيف، في البلدان الغربية، خاصة، قلبت هوية الاختصاصات وبلبلت المعاني المشتركة، قبلا.
ليس مثل الغرب ـ عندي مثال فرنساـ فضاء لجسّ نبض هذا التحول، وحيث الإحساس دائم بالانقلاب الجذري للمفاهيم. من أرشيفي أستخرج مادة تلائم رغم قدمها النسبي، تظل صالحة وموضوعها مستمر، بل إنه استفحل، أعدتها مجلة» La règle du jeu» الأدبية المتخصصة (سبتمبر1993، ع11)،هي عبارة عن أسئلة وُجهت لمجموعة من الكتاب والنقاد المعلقين الأدبيين في الصحف والمجلات، لطرح تشخيص عن النقد الأدبي في فرنسا. من هؤلاء أختار اثنين لحصافة عملهما وأجوبتهما خاصة التي تصب كلها في حفر مجرى مقالتنا. الأول هو هكتور بيانشيوتي، وهو روائي معروف، من المعلقين القدامى في ملحق» لومند» للكتب يصف الناقد بأنه شخص يبدأ بقراءة كتاب، ومن هنا يخمّن ملفوظ الكاتب، وتراه حسب الفكرة التي يكوّنها عن مشروع الكاتب يتجه إلى إصدار حكم ذاتي. يحترز بيانشيوتي بالتَّماسف(ننحتها كلمة مقابل صنع المسافة) وبربط المؤلف بالسلالة، مهتديا بما قاله ت. س. إليوت بصدد النقد:» من جهة، للحكم على كاتب ما من المناسب وضعُه وسط الموتى(في عدادهم)؛ وثانيا، إن الكاتب المتفوق على الآخرين هو ذاك الممتلك للحس النقدي الأكثر تطورا». أما عن مسؤولية النقاد إزاء تدهور الوضع الأدبي، وهذا شيء محسوس فعلا في فرنسا منذ سنوات، فيعزوه إلى أن النقد الحقيقي لم يعد موجودا لأن شروطه لم تعد مجتمعة، يضاف إليها ما يسميه تجاوزات في عمل هذا النقد يمثل لها ب: «النزعة الإخوانية، والزبونية النقدية، والمجاملات، والعمل لحساب دار نشر معينة..». أما برونو دي سيسول (ناقد موثوق في منابرعديدة ) فيلاحظ على محيط النقد الأدبي الأمور التالية:» نوعية اللغة، بلا شك، فكثير من الصحفيين الشباب لا يعرفون كيف يكتبون، وقاموسهم فقير. واليوم، فكل فرنسي تغريه الكتابة، لكن كتابة أيّ شيء « من نحو آخر يذهب إلى ما يشبه أخلاقية النقد ليرى أنه بات، بصفة عامة، يفتقر إلى الشجاعة والاستقلال إذ» لم تعد هناك معانَفة كما في القرن التاسع عشر؛ إن وظيفة التعنيف ضرورة صحية في الآداب.»
بالوسع تعميم هذه الملاحظات ـ المؤاخذات، على وضعنا الأدبي، ونزيد عليها غيرها أكثر فداحة، مما ينبغي أن يندرج في تشخيص وضع أدبي ثقافي أشمل نبدو وكأننا نتخوف المسَّ بأسماله خشية تعريضها لمزيد خرق وهلهلة، والحال أننا، كتاباً ودارسين ونقاداً ومعلقين في وسائل الإعلام، لا ننقطع عن الشكوى، بينا فينا الخصام، بعبارة المتنبي، ونحن الحكم. فالنقد الأدبي ليس التناول السطحي، المستخِف بالعمل الأدبي، بل عملٌ له عُدّته، شروطه، وقواعد لعبه تُنزّهه عن تناول المعلقين المتعجلين، أقول المتعجّلين المتحالفين مع باعة الورق، ممن يأخذون من كل فن طرفا، أو يريدون منا أن نعذرهم لأنهم معلقون عابرو سبيل في قراءتهم، ويتفضلون بالتعريف والتنويه، لذا علينا أن نغفر لهم سلفا شطحاتهم، وضحالة ثقافتهم. وعلينا، أن نقبل، في عُرفهم، وهو الأخطر، بأن التعريف والتعليق، شأن التلفيق والتصفيق، هي المصطلحات البديل التي باتت تملأ فم النقد الأدبي لتعلو بصخبها فوق كل صوت. إن المسألة في المِراس لا في التعريف، في كيفية القراءة ومنظورها وعدّتها ومن يتكفل بها، ولا ننسى أخلاقيتها، ووعي الأدب ينهض دوما بضرورة طرح السؤال، واستئناف المساءلة بما من شأنه أن يعيد إلينا المعنى المفتقد، والجمال المغيّب، والنظام المشوَّش. السؤال عن وجود النقد الأدبي، كالدرس الأدبي الأكاديمي، في قلب البحث المتجدد عن كيان الأدب، رغم الإسم الفضفاض، وعن أشكال تبدّله وأساليب تطوره، وعلاقة النقد بالأدب تبقى مشترطة لا تقبل أي انفصام، ومن ثم فالخوف على هذا خوفٌ على ذاك، في آن. إن التهافت الذي يصيب الأول ينعكس مباشرة على الثاني، وإذا كنا من باب الرمي بحجرة في البركة الآسنة، تساءلنا عن مدى حيوية النقد الأدبي، فلكي نشير مباشرة إلى الإبداع مناط اشتغاله. ليكن إبداعنا العربي المتميز لحسن أدائه، وكثافة دلالاته وغنى عالمه، لكن المغزوّ بالطحالب والطفيليات من كل جهة، تجتاحه فتفسِد ضالتَه الأصيلة، وتشوّهَ سحنتَه الجديدة، حيث أضحى من وبما شاء أن يعلن، كما في مزاد عمومي، وحتى بشراء الذمم، أنه روائي أو شاعر أو ما طاب له، طالما لا حسيب ولا رقيب، كما المطلوب في كل الحِرف، منها حِرفة الأدب أدركها البوار فصارت مادتُها عبثا في مرتع العابثين، يريد المتسللون والمتسللات إليها أن يصبحوا رادةً، سادةً في رحاب أدب جديد يقوده نقد بهلوان يرسل الحُداء ويرقص الثعابين!! لنُعد الاعتبار من جديد للنقد الأدبي، كيف يُقرأ النص، ويفهم، ويُحلل خاصة، التحليل هو امتحان الناقد لا جعجعة الاصطلاحات واستخدامها في غير سياقها، وما هو الخطاطات والأحكام العامة، بل يُنظم تكوينه النوعي ورسمه الفني، ثم له أن يؤول ما شاء.


الكاتب : أحمد المديني

  

بتاريخ : 13/11/2020