نظمت «مؤسسة يوم فاس» مساء الخميس 29 ماي 2025 لقاء تواصليا حول موضوع «من أجل انبعاث فاس واستدامتها» وذلك بقاعة المحاضرات بالمديرية الجهوية للثقافة ساحة المقاومة، وهي سنة حميدة دأبت عليها كل سنة. اللقاء يأتي بهدف إتاحة الفرصة لطليعة فعاليات المجتمع المدني في إغناء تصورها لسبل انبعاث أم المدائن مهد الحضارة، وفضاءٍ صَهَرَ الجميع في بوتقة التعايش وإغناء العلم، والسمو بالإنسان.
وضمّ هذا اللقاء التواصلي الذي سيّر فقراته ذ عبد الحي الرايس رئيس المؤسسة تشكيلة من النسيج المدني – الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة – جمعية صروح – جمعية أصدقاء الغابة…إضافة إلى نخبة من المثقفين والأساتذة الجامعيين والشعراء والأدباء والإعلاميين. وقد تميز الحدث بتقديم عرض مصور رافقته شروح وتوضيحات، والتقت الآراء حول الإشادة بالتحولات الطارئة على المدينة ولم تجدْ لها عنواناً غير: «فاس تسترد الأنفاس» وعند استعراض المتطلبات والانتظارات لابد من مراعاة منطق السبقَ والأولوية.
إن انبعاث فاس تحدّ ينطلق من استراتيجية متكاملة الأبعاد تدعمه وتسهر على تحقيقيه إرادة جادة توحد الجهود تعبئ الطاقات توظف الإمكانات وتسير بخطى واثقة نحو التصدي للاختلالات وإقامة التوازنات تحقيقا للأهداف وبلوغا للغايات. وأن الاستدامة رهان يربحه الحفاظ على المكتسبات والانخراط في المنافسة والإصرار على تجاوز الذات، وكل ذلك يقوم على ثلاث ركائز تتوزع ما بين تثمين التراث، تقويم الحاضر، واستشراف المستقبل والانخراط الجاد في صناعته وتنزيله .
وفي سياق هذا الانبعاث يندرج التطلع إلى إدماج تجهيز الطريق الجانبي بين باب الجديد واللواجريين في الأشغال الجارية على مسافة 5.1 كلم ليصير مساراً مؤنساً آمناً يُغري بارتياده السائح والمقيم والزائر، فيوحد المدينة، ويسهل التنقل الناعم بين مكوناتها الثلاثة: الأصيلة والجديدة وفاس الجديد، ويُشكل بذلك رافعة للسياحة والصناعة والاقتصاد، إضافة إلى تسريع إخراج مشروع حديقة النبات إلى حيز التفعيل وفق المواصفات الدولية مع جرد الفضاءات القابلة لتعزيز المجالات الخضراء بكل من تغات وعين الطيور وعنق الجمل وغيرها، في أفق تهيئتها وتجهيزها كمتنزهات رفعا لمعدل المساحات الخضراء بالمدينة.
وسجّل المشاركون أن تَعداد سبل الارتقاء بالإنسان، استهدافاً وإشراكاً وإحراجاً يتعين أن ينبني بالأساس على تفعيل التاءات الثلاث وهي التجهيز والتحسيس والتغريم عند الضرورة، اهتداءً بالقوليْن المأثوريْن: «آخر الدواء الكي»، و»إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وعلى صعيد «الديمقراطية التشاركية» وتأكيد فعاليتها، تم الاتفاق للعمل عن طريق الإقناع بجدوى الإصغاء للقوة الاقتراحية استحضاراً لمقولة «كل ما تفعله من أجلي وبدوني فهو لا يخدُمني» وخير شاهد على ذلك: المقابلة بين مسار رياضي تم إحداثه بغابة ظهر المهراز والذي كلف الكثير، ولا يرتاده إلا القليل، وبين مسار اللواجريين ـ الرصيف المطالَب به، والذي سيكلف القليل وسيرتاده الجميع. ويظل التشارك والإسهام في التعبئة لإنجاح المشاريع والتحولات هاجسا ومسؤولية يتقاسمها الجميع. ويظل استهداف الأجيال الصاعدة بالاستحضار والإشراك في مختلف الفعاليات الهدف الأسمى حتى يتشبعوا بروح المواطنة، ويتهيؤوا لحمل المشعل بمسؤولية وأمانة.
وأجمع الحاضرون على نبل أهداف مؤسسة فاس المتمثلة في تفعيل فكرة «المتاحف الموضوعاتية» نسْجاً على منوال «مُتحف الماء» و»المُتحف الطبي» الذي ينطلق من «أرجوزة ابن طفيل في وصف الأدواء والدواء» والتأكيد على احترام الأسوار التاريخية، والاهتمام بترميمها بنفس المواد التي استعملت في بنائها، وعدم التطاول عليها بالتغيير والإهمال. مع المطلب المدني الطموح الرامي إلى تخليص المدينة من الخرب والدارات والبنايات المُهمَلة والتي تؤول إلى مآوي مشبوهة، ومطارحَ عشوائية، فضلا عن إخراج مشروع توظيف فضاء السوق المركزي بالقلب النابض للمدينة في إنجاز مراكن تحتية وسوق بالمستوى الأرضي وأنشطة تجارية ومكتبية بطوابق أخرى.
وأفضت المناقشات المستفيضة لمضمون العرض إلى خلاصة وتوصيات جوهرية أهمها «السعي بجد نحو بلورة رؤية مستقبلية لفاس على مدى عقود تحقق التوازنات، وتستحضر معايير الاستدامة، إضافة إلى الدعوة لإبراز معالم فاس والتعريف بها بلوحات متعددة اللغات، وحمايتها من التطاول وسوء الاستغلال والإخفاء مع إتاحة الفرصة لإطلالة خارجية على جامع القرويين للسائحين والزوار العابرين بتهيئةٍ تُبقي على حُرمة المسجد ولا تحرم الزائر، فضلا عن الاعتداد بتجربة تكاد تنفرد بها فاس تتمثل في أحياء المدينة الأصيلة التي مازالت تنبض بالحياة ونمط عيش السكان.
وعلى الصعيد الاجتماعي خلص الجميع إلى اعتبار مكافحة ظاهرة التسول التي صارت مهنة منظمة مُدِرَّةً للأرباح، وهي ليست مُسيئة لسمعة البلاد، وكفى وإنما مُهينة لكرامة الإنسان كذلك، مع تأكيد الحاجة إلى وصلها بإطارها العام الاجتماعي والاقتصادي. كما أكدوا على بذل مجهود لتنظيم وتخليق سيارات الأجرة بالمدينة استلهاماً لتجارب حواضر عالمية، واستحضاراً لتجربة محلية ناجحة بالمحمدية، وفي السياق ذاته تدارك ظاهرة تحويل عقبات المدينة من مسارات وِلُوجَة يتنقل فيها بيُسر السليم والكسيح إلى دُرج تتحدى السليم قبل الكسيح .
من أجل انبعاث المدينة واستدامتها .. مؤسسة يوم فاس ترفع شعار «تفعيل التاءات الثلاث: التجهيز والتحسيس والتغريم عند الضرورة»

الكاتب : عزيز باكوش
بتاريخ : 05/06/2025