تساءل دولوز، في كتاب يحمل عنوان “حوارات” Dialogues، ما هو الحوار؟ وما فائدته؟ -فأجاب- ينبغي ألا يتم الحوار بين الأشخاص، بل بين السطور والفصول، أو بين أجزاء منها؛ فهذه الحوارات هي الشخوص الحقيقية” ، وهو في هذا مثله مثل صمويل بيكيت، متحفظ من جدوى الحوارات، ومثلهما أيضا، عبد الفتاح كيليطو، في تردده من إجرائها، لكنه استجاب لها واعتنى بها، وجمعها في كتاب “مسار”.
الكاتب عبد الكبير الخطيبي رجل حوار، أجريت معه حوارات ومقابلات تضاهي ما ألفه من مؤلفات، في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل حظيت بتأليف مستقل مثل كتاب” La beauté de l’absence” للباحث حسن وهبي، وكتاب” Le chemin vers l’autre” . ونجد من محاوريه، الصحفيين والكتاب أنفسهم: غيثة الخياط، والطاهر بنجلون، وبختي بن عودة، وعبد الله بنسماعين، وعبد المجيد بنجلون، وبول شاوول…
إن انتعاشة الحوارات مع المفكرين والمبدعين لمشير على أنهم أفلحوا، أو يسعون إلى ذلك، في إبداع متلقيهم وصناعتهم، بتعبير الخطيبي نفسه. وهو الذي كان يقول “مطلوب من الكتاب أن يقدم نفسه”. لكن الحوار يضمن شروط نجاحه، إذا تناظمت مهارة حذق السائل وخصلة ثقة المسؤول.
في ما يلي الحوار الذي أجرته معه مجلة الناقد :
– تحذوك رغبة كبيرة وأنت تتحدث عن الذاكرة (الفردية، والوطنية، والعالمية)، ألا تنسى هذا التاريخ الآخر لفرنسا الجميلة؟
– ذا عدنا إلى حركة [ظهرت] في الماضي تتعارض مع حركتك، فماذا عسانا نقول؟ فمثلا، لو اقتفينا الأثر الذي يرتسم على هذين النصين: (قطرة الذهب[ميشيل تورنييه] وأسير عاشق [جان جينيه])، وصولا إلى أنشودة رولاند، دون أن ننسى المرور بمسالك للعبور ) Anabise أنوبيس[كزينوفان]، ومعرفة الشرق [بول كلوديل] أو مسالك أخرى) سلامبو [غوستاف فلوبير]، ورسائل فارسية [مونتسكيو]، وبايزيد، بايزيد! [راسين] أو أيضا اقتفاء لأثر من هذا الكاتب إلى آخر: مارلو، كامي، موراند، جيرودو، سانت إكزوبيري، لاربو. وما موقع كيسيل في هذه الرحلة؟ وشاتوبريان؟ وهيجو الاستشراقي؟ فرومنتان؟ برناردان دو سان بيير؟ ماذا أعرف عن كل هذا المسار، بتعقب آثار إلى حد رابليه مثلا؟ ماذا أنت قائل؟ وما قولك في نقدك الخاص الذي أنت ظله الآن؟ ثم أنت نفسك قادم من الشرق. كلامك على الفور مشبوه مريب. ثم وثم، إذا أخذت هذا الاقتفاء الآخر…
– الكاتب: لابن بطوطة.
– الناقد: بطوطة؟ بطوطة؟ ماذا يعني هذا؟ انهض عند نهاية هذا الكتاب. ليس بمكنتك أن تحل محل الكاتب ولا القارئ. ابْعُدْ. سافر، إذا أردت، إلى اليابان، إلى نيويورك…في نهاية هذا الكتاب، فأنا لا أزال أسألك ومن جديد، ما هي الإغرابية؟ الأدب وطنيا وما بين الأوطان؟ العالمية؟ الكتابة؟ الكتابة عن الأجنبي؟ الأجنبية؟ السر؟ السر للتقاسم؟ هو؟ هي؟ وماذا فعلت بالفرنكفونية؟ وبالأدب المغاربي؟ البلجيكي؟ الكندي؟ السويسري؟ أين تقع القارة السوداء؟ الزنوجية؟ أين يتواجد الفرنسيون-الفرنسيون على وجه البسيطة؟ اُحْلُمْ. هذا كله في صفاء ذهنك. انظر من حولك: سوف تسافر سريعا إلى مناطق غير متجانسة، شديدة الهجنة والاختلاط، وموسومة بالتداخل الثقافي: فرنسا نفسها، فرنسا الأكثر بهاء. وفي النهاية أطرح عليك هذا السؤال ذي الأهمية القصوى: هل كتبت رواية سفر؟ تخييلا؟ نظرية؟ مقالة فلسفية أو إيثيقية؟
بقي هذا السؤال الأخير: هل أنت متأكد أنك غريب محترف؟ لكن، في نهاية الأمر، من أنت؟
-الكاتب: أنا ذاهب وهو جوابي لك.