من خلال مراسم رمزية تقيدا بالتدابير الوقائية : خنيفرة تحيي الذكرى 107 لـ «معركة لهري» التي تكبَّد فيها الاستعمار الفرنسي هزيمة غير مسبوقة

في ظل الظرفية الوبائية، وتقيدا بالإجراءات الاحترازية، شهدت قرية لهري، بإقليم خنيفرة، يوم الاثنين 15 نونبر 2021، مراسم رمزية لتخليد الذكرى 107 لمعركة لهري، بحضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وجيش التحرير، والكاتب العام للعمالة، وعدد من المسؤولين والمنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، حيث تمت زيارة المعلمة التذكارية المخلدة للمعركة قبل افتتاح مهرجان خطابي بكلمة النيابة الإقليمية لقدماء المقاومين، وأخرى لرئيس جماعة لهري، التي استحضرت ما حققته المقاومة الزيانية من ملاحم بطولية من أجل الحرية والاستقلال .
رئيس المجلس الإقليمي لخنيفرة استعرض من جهته «ما تنطوي عليه المناسبة من دلالات ومعان في التضحية والمواطنة ونكران الذات، ومن تذكير للأجيال بالمواقف البطولية لقدماء المقاومين والشهداء.. في سبيل حرية البلاد». فيما جرى تتويج أجواء الاحتفال بفقرات موسيقية غنائية من إبداع مجموعة من تلميذات وتلاميذ ورشة الموسيقى لمؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة، مع إطلاق سرب من الحمام الزاجل احتفالا بالذكرى، في أفق بث أشغال وفعاليات الندوة الفكرية المنظمة عن بعد في موضوع: «منطقة زيان: المجال، التاريخ والمجتمع»، بمشاركة عدد من الباحثين والمهتمين.
وبخصوص ذكرى معركة لهري، انطلق المندوب السامي، الدكتور مصطفى لكثيري، من مرحلة توغل الجيش الفرنسي في البلاد، واحتلاله لمدينتي وجدة والدارالبيضاء والشاوية، وكيف تمت مواجهته بشجاعة من قبل أبناء قبائل زيان، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، الذي سارع إلى التنسيق مع قادة المقاومة بالمغرب، وتعبئة القبائل لمساندة قبائل الشاوية، وخوضه لمعارك طاحنة، ما بين سنتي 1908 و1912، على هضاب تافوديت وأكوراي بكروان وزحيليكة، حيث استشهد أحد أبنائه الذي لم يكن يتجاوز عمره حينها 14 سنة، مع التركيز على المرحلة التي تمكن فيها المستعمر من بسط سيطرته على مدينة خنيفرة.
وصلة بالموضوع، ذكر المندوب السامي بمقتطفات من تصريحات المقيم العام، الجنرال ليوطي، عام 1914، التي كان يرى فيها قبائل زيان عبارة عن مناطق «تصلح لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وأن إصرار هذه المجموعة الهامة في قلب منطقة الاحتلال وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة يكون خطرا فعليا على وجود القوات الفرنسية»، مذكرا بمخطط ليوطي الذي قال وقتها بأن «الهدف من السياسة الفرنسية هو فصل الزيانيين المستقرين بالضفة اليمنى لأم الربيع عن الكتلة البربرية الأخرى، بالإضافة إلى احتلال الممر الذي يدخل منه الزيانيون المتمردون إلى أواسط مراكزنا».
وفي ذات السياق، توقفت الكلمة عند فترة تمكن القوات الاستعمارية من التوجه نحو منطقة الأطلس المتوسط، وبالضبط إلى مدينة خنيفرة، في محاولة منها «لتأمين الطريق الرابطة بين مراكش وفاس، بعد إدراكها أهمية احتلال هذه المدينة بالنظر لموقعها الاستراتيجي، ولكونها معبرا لتموين القوات الفرنسية المنتشرة بين أطراف المغرب، وبالتالي كمنطقة خصبة تمثل مصدرا لتوفير المواد الحيوانية والنباتية، ناهيك عن كونها المجال الذي اتخذه المقاومون مركزا لمواجهة قوات الاحتلال والحيلولة دون دخولها وإحكام قبضتها على المنطقة»، إلى غيرها من العوامل التي جعلت سلطات الاستعمار الفرنسي تهتم بضرورة تكسير شوكة المقاومة بالأطلس المتوسط.
وذكر المتحدث بالإغراءات التي حاول الاستعمار إسقاط موحى وحمو الزياني بها، كالتفاوض والهدنة أو الاستسلام، ولم يقبل مقابل اختياره الاعتصام بالجبال المحيطة بخنيفرة، ثم بمداشره بأروكو وجن إماس، حيث «شرع في تنظيم صفوف رجاله وفق استراتيجية جديدة استهدفت وضع الحامية العسكرية الفرنسية بمدينة خنيفرة تحت الحصار، ومواصلة هجماته وضرباته للقوات العسكرية الاستعمارية من جبل أقلال ، مستغلا توقف الامدادات عن الجيوش الفرنسية»، والتي كانت تأتي عبر مريرت من مكناس، وعبر تزروت موخبو وسيدي بوعباد، من أبي الجعد.
وانتقلت المداخلة إلى مرحلة لجوء موحى وحمو الزياني إلى قرية لهري، وكيف «أعدت القوات الاستعمارية مخططها للغارة على القرية، في 13 نونبر 1914، بكتيبة تضم ألف وثلاثمائة من الجنود المعززين بالمدفعية، تحت قيادة الكولونيل لافيردور، لتشتعل المنطقة بعد نزوح حشد من المقاومين إليها من عدة قبائل ضمنها «إشيقرن وآيت احمد وآيت إسحاق وآيت سكوكو وامرابطن وآيت سخمان وآيت مكيلد وغيرها»، حيث تم تطويق زحف الجيوش الاستعمارية من كل جهة، باستخدام كل ما يجب من بنادق وأدوات وفؤوس وخناجر، كانت كافية لإلحاق هزيمة كبيرة بالقوات الاستعمارية الفرنسية.
ولم يفت المندوب السامي استعراض حجم الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية، استنادا لشهادة الجزائري الأصل، القبطان في صفوف قوات الاحتلال الفرنسي، سعيد كنون، وذلك بسقوط حوالي 700 جندي فرنسي، و33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على 176 جريحا، و ضياع 8 مدافع من نوع 75 و 10، فضلا عن 65 رشاشا و700 بندقية وأحصنة وغيرها»، ويتذكر ذات القبطان كيف كان المقاومون الزيانيون «يتقدمون للمعارك كأنهم يذهبون للحفلات»، إلى جانب تذكره ل «تبادل جثث القتلى بين القوات الفرنسية والمقاومين الزيانيين، فيما تم تبادل جثة الكولونيل لافيردير، وخمسة ضباط، مقابل زوجتي موحى وحمو الزياني».
وبعد تذكيره بتصريحات بعض القادة العسكريين الفرنسيين، ذكر المندوب السامي أيضا بمساهمات المرأة الزيانية في دعم حركة المقاومة الشعبية وخوض غمار الأحداث والمعارك، لينهي مداخلته بنهاية شخصية موحى وحمو الزياني الذي ظل يواجه المستعمر الأجنبي إلى حين استشهاده، صباح الأحد 27 مارس من عام 1921، بأزلاك نزمورت بجبل توجكالت، ودفن بتملاكت، قبل اعلان المندوب السامي عن تتويج مناسبة ذكرى معركة لهري، على غرار كل سنة، بتكريم 8 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم 7 متوفين وواحد لايزال على قيد الحياة، حيث تم تقديم نبذة عن حياة كل منهم وتسليم تذكارات التكريم لذويهم.


الكاتب : أحمد بـيضي

  

بتاريخ : 22/11/2021