«مراسلة مفتوحة» سلسلة منتظمة من الرسائل المتبادلة بين عبد الكبير الخطيبي وغيثة الخياط، طيلة أربع سنوات (1999-1995). انضبت المراسلات لموضوعة «التحاب» أو الانجذاب كما يفضل الخطيبي ترجمتها، وانطلقت من أرضية محددة «كتاب التحاب» Le livre de L’Aimance لعبد الكبير الخطيبي.
كتاب «مراسلة مفتوحة» قدره في عنوانه، الانفتاح والانزياح، فأثناء المبادلات التراسلية، وقع حدث خطير جدا، في الحياة الأسرية للكاتبة غيثة الخياط، وهو وفاة ابنتها الوحيدة. وبدل أن يتوقف المكتوب L’écrit، انفتح على أبعاد أخرى، وانزاح إلى موضوعات غير مدرجة قي الاتفاق المشترك والعقد الضمني بين الكاتبين. «إنه عقد ضمني، بشكل من الأشكال، يقول الخطيبي، تركناه مفتوحا على كل الاحتمالات». انتصرت الكتابة على الموت. وحولته الكاتبة إلى موضوع للكتابة ومادة للمبادلة التراسلية، كما هو واضح في رسائل للخياط ترثي فيها ابنتها الوحيدة «عيني» وتتفجع على أمومتها المفقودة وتنتقد فيها الممارسة الطبية، وهي الطبيبة في اختصاصات متعددة.
حضرت تيمات وموضوعات لم تكن مبرمجة من قبل: الفن، العداوة، السياسة، الزمن، السفر، الألم، العلم، الطب…إلخ.
صحيح أن الخطيبي رجل حوار، حوار منسق ومنظم سواء مع نظرائه أو قرائه أو طلبته. يتعلم حتى من طلبته. يمدد الحوار والمحادثة بتجربة الكتابة ويعده موردا للإغناء والتثمير يقول: «ففي بعض الأحيان يحدث لي أن أكتب أشياء بعد محادثة، كما لو أنني أمدد بالكتابة الحوار. وفي أحيان أخرى يمنحني الآخرون أفكارا، لأن في التبادل هناك اللغة. والحالة هذه، فاللغة تعيش في الجسد، وفيما أسميه الذكاء الحساس للجسدl’intelligence sensible du corps، ويترجم بالانفعالات، والأحاسيس، وطريقة الكلام، والأسلوب، كل ذلك مصفى بواسطة الذكاء الحساس للجسد؛ وبذلك فإننا نراه في طريقة الكلام، وفي طريقة الكتابة. فالحوار مؤصَّل في الحياة، وفي اليومي.»
لا تقرأ مراسلات الخطيبي والخياط خارج السياق العام للمسألة النسائية، أي المرافعة عن قضايا المرأة ومناصرتها، وإن كان هذا الكتاب ليس الوحيد الذي يتحدث فيه الخطيبي عن المرأة، فتحدث عنها في أعمال أخرى فكرية وإبداعية من قبيل: الاسم العربي الجريح، حج فنان عاشق، كتاب الدم… علاوة على التشجيع، الذي يخص به النساء، بتقديم أعمالهن، وإشراكهن في برامج إعلامية، كما لا تخفى نسبة الكثافة في كتابات النساء عن أعماله!
يقول الخطيبي: «هناك بطبيعة الحال إرادتي في الدفاع عن المرأة وعن صورتها وما تمثله، والقول بأننا يُمكن أن نتحاور. ومن جهة أخرى كنت دائما أتساءل عن مكانتي فيما يخص علاقتي بالمرأة عموما، أو بأي امرأة على الخصوص. ولابد أن أجيب عن هذا السؤال كل يوم. عندما تكون هناك شفرة للتواصل، سواء أكانت مع الرجل أم مع المرأة، إذ ذاك يُمكننا جعل الحوار يتقدم في المجتمع. وهذا فيما يبدو حيوي لأن هناك إما الصمت أو استغلال للمرأة، لأنه عندما نعرف هشاشتها في الصورة التي تكونها عن نفسها يُمكننا دائما أن نجعلها قابلة للعطب. إذن أولئك الذين يتلاعبون بعلاقتهم مع النساء يتحاشون الحوار؛ فهم يستخدمون هذا الضعف لمصالحهم الخاصة».
إهداء إلى مراد الخطيبي
غيثة،
شفيت من بدايات نزلة برد، بفضل طبيبي، الذي حد من تداعياتها. أحسني فارغا، يسحبني النوم. وهو ما يفسر هذا التأخير في الجواب. لا أعرف السبب، لكنني أفكر كثيرا في «الجنون المعتاد للغات»؛ لأن ثمة لغات أخرى استثنائية، خارج المألوف، ولعلها صعبة المراس. أما أنا فأنقل هذا التعبير إلى تأملك، وأرفعه إليه.
بالتأكيد، هذا ليس مجرد مصادفة. دعيت لإدارة ندوة بباريس، خلال شعر فبراير المقبل. اخترت لها موضوعا: «سياسات اللغة الأم». تستهويني دراسة الطاقات الكامنة في اللغة الأم، يكون فيه المرء مضيافا أو كابحا معطلا على حد سواء، هنا حيث الحد يبعث على الهذيان، ويصيب بالذعر.. قصة للمتابعة، ولعلها مبتذلة. داخل عملك في الطب النفسي، سيكون قوتا يوميا.
وفي ذات الوقت، تتواصل مشاريعنا. فخلال أسبوعين، سيفتتح مهرجان الرباط (ومع هذا المهرجان، اقتراع منتخبي الجماعات). المهرجان ينظمه المجلس الجماعي. شرعت في مشروع قديم راودتني فكرته، منذ سنوات بعيدة. دراية بعمل خطاطين عرب، وصينيين ويابانيين، داخل نفس الفضاء، في معرض تتحاور فيه حضارات العلامة les civilisations du signe. وهو مشروع قيد الإنجاز. وسيقام المعرض بباب الرواح (سأرسل لك دعوة للحضور). ثلاثة أجنحة، يخصص كل جناح منها لكل تراث للعلامة. يعرض الفنانون أعمالهم؛ وسنشاهدهم يشتغلون على أرضية parquet بأدواتهم ودعاماتهم الخاصة. أنتظر هذا المعرض بفرح كبير. إنه حدث ثقافي صغير بالرباط، وأنا فخور به. وستعقبه مائدة مستديرة حول الموضوع.
لتعرفي أن صديقي السجلماسي، سيصدر له كتاب عن الفوتوغرافيا بالمغرب (ما بين 1990 و1950)، صور فوتوغرافية ل»فلاندران» Flandrinوآخرين. من أجل هذا الكتاب كتبت نصا بعنوان: «توقف عند صور» Arrêt sur images. واشتغلت بهذه الطريقة: كنت أكتب مباشرة، بإحساس متداخل، عن كل صورة أو كل سلسلة من الصور. كتابة حثيثة، تستلهم ما يلتقطه بصري الحسير. فمن قصر النظر تولد هذا الابتهاج للأشياء الماضية. هذه الصور الفوتوغرافية حول المغرب، هي إلى حد ما، غرائبية. فهي تنتمي إلى الاستشراق الفوتوغرافي، الذي مازال منتشرا، حتى في مجلات الموضة.
يحل الصيف في ظل مناخ متقلب. الانتقال من الجو الحار، إلى البارد، عودني على التكيف مع المناخ المحيطي océanique. أنوي المكوث في المغرب، اشتغالا على مشروع تلفزيوني للقناة الثانية 2M وآرتيArte. سأحدثك لاحقا عن هذا. أما الآن فأحييك.
مع مودتي
عبد
الكبير
أنا
الرباط، في 30 ماي 1997