بسبب تداعيات وباء «كوفيد 19»
مع تزايد وتيرة الوباء وسرعة انتشاره، تدهورت الأحوال الاقتصادية مما كان له بالغ الأثر علي سوق العمل، فتواجه جميع الشركات اليوم، بغض النظر عن حجمها، تحديات خطرة لا سيما تلك الموجودة في القطاعات الأكثر تضررًا مثل السياحة والضيافة والطيران، كما تواجه العديد من القطاعات الأخرى منذ بداية الأزمة خطرًا حقيقيًا من الانخفاض الكبير في الإيرادات وفقدان الوظائف.
كان لانتشار وباء كوفيد-19 المستجد، تداعياته التي يعاني منها العالم أجمع لا سيما في المجالات المختلفة الاقتصادية والصحية والاجتماعية، كما كان لتفشي الوباء عظيم الأثر على سوق الشغل العالمي، إذ وصفت منظمة العمل الدولية في الدراسة التي أصدرتها في السابع من شهر ابريل 2020 بعنوان «مرض كوفيد-19 وعالم العمل تحديث التقديرات والتحليلات الطبعة الثانية» هذا الوباء بأنه «أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية» وتتضمن الدراسة معلومات قطاعية وإقليمية عن آثار الوباء، كما تحدد السياسات المطلوبة لتخفيف حدة الأزمة.
تفاقم أزمة كوفيد19 وآثاره المدمرة على سوق العمل
منذ التقييم الأولي الذي أجرته منظمة العمل الدولية في شهر مارس2020، ارتفع عدد المصابين بالفيروس بأكثر من ستة أضعاف، ومن حينها شرعت العديد من البلدان في سياسات الإبعاد الاجتماعي لإبطاء انتشار الوباء، بهدف تجنب النتائج الكارثية للنظم الصحية وتقليل الخسائر في الأرواح.
ولكن مع تزايد وتيرة الوباء وسرعة انتشاره، تدهورت الأحوال الاقتصادية مما كان له بالغ الأثر على سوق العمل، فتواجه جميع الشركات اليوم ، بغض النظر عن حجمها، تحديات خطرة لا سيما تلك الموجودة في القطاعات الأكثر تضررًا مثل السياحة والضيافة والطيران، كما تواجه العديد من القطاعات الأخرى منذ بداية الأزمة خطرًا حقيقيًا من الانخفاض الكبير في الإيرادات وفقدان الوظائف.
وبعد حظر السفر وإغلاق الحدود وتدابير الحجر الصحي، مع عدم استطاعة العديد من العمال الانتقال إلى أماكن عملهم أو أداء وظائفهم، أثرت إجراءات الإغلاق الكلية أو الجزئية الآن على ما يقرب من 2.7 مليار عامل بما يمثل حوالي 81% من القوى العاملة في العالم.
وتشير الدراسة إلى أنه باستمرار هذا النهج، واعتبارًا من أول ابريل 2020 فإن التقديرات العالمية الجديدة لمنظمة العمل الدولية، ترجح انخفاض ساعات العمل بنسبة 6.7 %، في الربع الثاني من عام 2020، وهو ما يعادل 195 مليون عامل بدوام كامل.
ومن المتوقع حدوث تخفيضات كبيرة في الدول العربية بنسبة 8.1 %، أو قرابة 5 ملايين عامل بدوام كامل، وأوروبا بنسبة 7.8 %، أو 12 مليون عامل بدوام كامل إضافة إلى آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 7.2 %، أو 125 مليون عامل بدوام كامل، وسيعتمد العدد النهائي لخسائر الوظائف السنوية في عام 2020 بشكل حاسم على تطور الوباء والتدابير المتخذة للتخفيف من آثاره.
القطاعات الأكثر تضررًا
في ذات السياق، تقدر منظمة العمل الدولية بأن 1.25 مليار عامل، بما يمثل 38 % من القوى العاملة العالمية، يعملون في قطاعات تواجه انخفاضًا حادًا في الإنتاج، ومخاطر عالية من تشريد القوى العاملة، وتختلف نسبة العاملين في هذه القطاعات “المعرضة للخطر” باختلاف المنطقة الجغرافية، فتبلغ في الأمريكيتين حوالي 41 % بينما تبلغ في إفريقيا حوالي 26 %.
وتشمل قطاعات تجارة التجزئة والذي يبلغ عدد عامليها 482 مليون عامل، والضيافة والخدمات الغذائية والذي يتضمن نحو 144 مليون عامل، والتصنيع الذي يعمل به ما يقارب من 463 مليون عامل، لا سيما قطاع النقل والتوصيل والذي يمثل 204 مليون وظيفة حول العالم.
وعلى الرغم من أن التأثير الاقتصادي لم يُلاحظ بعد في قطاع الزراعة، وهو القطاع الأكبر في معظم البلدان النامية، فإن مخاطر انعدام الأمن الغذائي آخذة في الظهور بسبب تدابير الاحتواء، بما في ذلك إغلاق الحدود، وبمرور الوقت، قد يتأثر العمال في هذا القطاع بشكل متزايد، خاصة إذا انتشر الفيروس بشكل أكبر في المناطق الريفية.
وأفاد التقرير بأن تلك القطاعات لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لديها نسبة عالية من العاملين في العمالة غير الرسمية ولا يتمتعون بالوصول إلى الخدمات الصحية والحماية الاجتماعية المناسبة، وبدون التدابير العاجلة والمناسبة سيواجه حوالي أكثر من 400 مليون عامل في الاقتصاد غير الرسمي تحديات الوقوع في الفقر هذا بالإضافة إلى مواجهتهم تحديات أكبر في استعادة سبل عيشهم خلال فترة الانتعاش.
وتحذر الدراسة من أن مناطق أخرى، ولا سيما إفريقيا، لديها مستويات أعلى من الاقتصاد غير المنظَّم، وهو الأمر الذي يشكل، بالترافق مع نقص الحماية الاجتماعية وارتفاع الكثافة السكانية وضعف القدرات، تحديات صحية واقتصادية شديدة للحكومات.
تدابير عاجلة توصي بها منظمة العمل الدولية
تتخذ الحكومات بالفعل إجراءات سريعة الاستجابة لأزمة غير مسبوقة، حيث أعلنت معظم دول العالم، عن تدابير استثنائية لملء الانخفاض المؤقت في الدخل والطلب الكلي، لضمان مستويات كافية من الحماية الاجتماعية واستقرار الائتمان .
وبالتزامن مع الإجراءات العالمية، توفر معايير العمل الدولية أساسًا قويًا للسياسات التي تركز على التعافي من الأزمة بشكل مستدام ومنصف، وقد أشارت الدراسة في هذ الصدد إلى ضرورة تبني سياسات واسعة النطاق ومتكاملة، تركز على أربع ركائز: دعم الشركات والوظائف والدخل؛ وتحفيز الاقتصاد وفرص العمل؛ وحماية العاملين في مكان العمل؛ واعتماد الحوار الاجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل لإيجاد الحلول.
ومن شأن هذه السياسات تخفيف آثار تفشي الوباء على عالم العمل و كان أبرزها:
* أولاً، حماية العمال وأصحاب العمل وأسرهم من المخاطر الصحية لتفشي فيروس كوفيد-19، وتعزيز تدابير الحماية في مكان العمل، وهو الأمر الذي يتطلب دعمًا واستثمارًا عامًا على نطاق واسع.
* ثانياً، بذل جهود سياسات منسقة واسعة النطاق لتوفير العمالة ودعم الدخل وتحفيز الاقتصاد والطلب على العمالة.
* ثالثًا، الدعم الفوري للقطاعات والفئات السكانية الأكثر تأثراً، وخاصة للمؤسسات والعمال العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، بما في ذلك التحويلات النقدية لدعم أولئك الأكثر تأثرًا بإغلاق الإنتاج وتوفير فرص عمل بديلة واستكمال ذلك بضمان الإمداد الكافي لهم ولأسرهم من المواد الغذائية وغيرها من الضروريات.
* رابعًا، تقديم الدعم المالي وغير المالي من الحكومات بشكل استراتيجي لتشجيع الشركات على الاحتفاظ بمستوى العمالة أو حتى توظيف عمالة جديدة.
* خامسًا، بناء الثقة خاصة في أوقات التوتر الاجتماعي المتزايد وانعدام الثقة في المؤسسات، وتعزيز الاحترام والاعتماد على آليات الحوار الاجتماعي في خلق قاعدة قوية لبناء التزام أصحاب العمل والعمال بالعمل المشترك مع الحكومات.
* سادسًا، تشجيع ترتيبات العمل المرنة المناسبة، مثل العمل عن بعد، ومنع التمييز والاستبعاد لأولئك الذين تم تأكيد اصابتهم بالفيروس.
* سابعًا، البدء في توفير تدابير الحماية الاجتماعية، مثل إعانات البطالة وتخفيض أسعار الفائدة ومخصصات السيولة المستهدفة والإعفاءات الضريبية لأصحاب الدخل المنخفض، والمؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة.
ختامًا، يمثل هذا الوباء حالة فريدة من نوعها، ولكن لا تزال هناك بعض الدروس التي يمكننا تعلمها من الأزمات الاقتصادية السابقة، مثل الازمة المالية العالمية وكذلك الأوبئة المتتالية مثل انفلونزا الطيور والخنازير والسارس ومتلازمة الشرق أوسط التنفسية والإيبولا، والتي سلطت جميعها الضوء علي الدور المركزي للعمالة والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي في سياسات التخفيف والانتعاش. وأول تلك الدروس وأهمها، أن المعلومات الدقيقة والمتسقة والموثوقة والشفافية هي ضرورة واجبة ليس فقط لمكافحة الوباء ولكن ايضًا للحد من حالة عدم اليقين وتعزيز الثقة علي جميع مستويات الاقتصاد والمجتمع، لان تراجع الثقة أو انعدامها يؤدي إلى التباطؤ الاقتصادي وعرقلة الانتعاش.